المبادرات سهلت الحسم وتخفض الكلفة
غالب قنديل
ساد الاعتقاد بقرب ساعة النصر النهائي منذ احكام الجيش العربي السوري سيطرته على معظم المناطق التي تمثل مساحة رئيسية من سورية ومن كثافتها السكانية ومن حركتها الاقتصادية وفيها الثقل الحاسم من تركيبة مؤسسات الدولة وهياكلها .
ما طمسته حماسة البعض هو ان المناطق الباقية خارج سيطرة الدولة في الشرق والشمال تتسم بمفارقتين خطيرتين: وهما ان شرق الشمال السوري وغربه اي مناطق دير الزور والرقة والحسكة وادلب عدا عن اهمية ووزن سكانها في تركيبة القوة السورية المنتجة تحتوي على اهم موارد الثروة الزراعية من القطن والزيتون والفواكه والخضار وكذلك فيها حصة كبيرة من الثروة النفطية السورية.
ولذلك فان بقاء تلك المناطق خارج سيطرة الدولة يحرم الاقتصاد الوطني وخزينة الدولة من موارد كبيرة تحتاجها سورية في تأمين حاجات شعبها وتوفير مستلزمات انطلاق اعادة البناء والاعمار ناهيك عن كلفة الاستنزاف الذي يثيره الوجود المسلح المعادي للدولة.
اما المفارقة الثانية المهمة فهي ما يمثله الاحتلالان الاميركي والتركي من تعقيد اضافي لمهمة تحرير تلك المناطق وهذا ما جعل القيادة السورية مضطرة مع حليفيها روسيا وايران لاختبار خيارات سياسية مناسبة في تفكيك العقد والحد من تأثيرها في اطار تنضيج شروط الحسم الاقل كلفة وقد انطلقت المحاولات الجادة في هذا الاتجاه مع اتفاقات خفض التصعيد واتفاقية سوتشي الروسية التركية وما اسفرت عنه.
يمكن اليوم بعد انطلاق عمليات الجيش العربي السوري بدعم معلن من الحليف الروسي بعد مضي اشهر على التنصل التركي ملاحظة متغيرات كثيرة تسهل حركية الجيش العربي السوري واستئناف عملياته لتحرير ادلب بالشراكة مع الحليف الروسي مع تعرية كاملة للتنصل التركي وباستثمار ذكي لكل ما ترتب من تعارضات داخل جبهة الاعداء.
سواء بفعل تعفن مناطق سيطرة فصائل الارهاب اسوة بجميع سلطات الامر الواقع المحكومة بنزاعات النهب وبصراعات أمراء الحروب وكانتوناتها ام نتيجة الاتفاقات والتعهدات التي فرضتها روسيا وايران وسورية على تركيا وتأثيرها على الثقة بين العصابات ومشغلها التركي الذي اضطر لمطالبتها بتراجعات وتدابير تخدم ظهور الجانب التركي في موقع الالتزام بتعهداته.
اما في الشرق فقد جرى استثمار التناقضات الاميركية التركية الناتجة عن المعضلة الكردية وكلما انقضى الزمن كانت الحصيلة تحرك حالة شعبية وعسكرية سورية مقاومة للاحتلال تعبر عنها التظاهرات والانتفاضات والعمليات العسكرية وسط ميل موضوعي متزايد في صفوف الجماهير الكردية لفكرة التفاهم مع الدولة ومع انكشاف عقم الرهان الاميركي للقيادات الكردية التي لا تمثل وزنا يذكر في القرار الاميركي مقارنة بتركيا عضو الناتو وحليفة اسرائيل وحاضنة القاعدة وداعش.
بقدر ما هو الموقف السوري صلب وثابت في التمسك بمبادئ السيادة الوطنية وبطرد الاحتلال فقد ثبت بالتجربة ان سورية تحقق بمرونتها مع حلفائها نجاحا في اثارة مزيد من التفكك والتناحر والضعف وتزعزع الثقة في جبهة اعدائها بينما تستنهض شعبها في حركة بسط سيطرة الدولة على سائر المناطق كحاجة مبدئية وعملية يشعر بها السوريون ويعبرون عنها.
يضاف الى ما تقدم نجاح مبادرة الرئيس بشار الاسد بالتفاهم مع القيادة الايرانية في اطلاق تحولات متدرجة وحاسمة على سكة بغداد دمشق سيكون لها تأثير كبير على مستقبل تحرير الشرق السوري واستعادته وطرد الاحتلال الأميركي إضافة لنتائج اقتصادية هامة لعودة حرارة التواصل السكاني والتجاري والحياتي بين التوأمين سورية والعراق.
في هذا المناخ انطلقت العمليات العسكرية للجيش العربي السوري بالشراكة مع الحلفاء لتدشين فصل جديد من تحرير الوطن هو الاشد تعقيدا والأعلى كلفة وقد لا يحسم دفعة واحدة.
رغم التعقيدات والتشابكات علمتنا التجربة ان نثق بالقيادة السورية وحكمتها وبمصداقية حلفائها وان علينا الصبر والمتابعة بحمية الانحياز الى سورية وحلفها التحرري وسيضحك كثيرا من يضحك أخيرا!