العراق واحتمالات الحرب
غالب قنديل
تجتاز المنطقة مرحلة شديدة الوطأة من حبس الأنفاس والترقب مع الحشود الأميركية البحرية إلى مياه الخليج والممرات والمضائق التي أعلنت قيادة الحرس الثوري أمس انها باتت خاضعة لإمرتها وتحت سيطرة محكمة لشبكاتها الدفاعية العملاقة على البر ولقطعها البحرية الجاهزة للتفتيش والعرقلة والتقدم ضد أي هدف عسكري يعتبر معاديا او يرفض الامتثال وان أي عبور أميركي سيقتضي إذنا خاصا من قيادة العمليات في طهران.
إلى جانب المنصة البحرية لمسرح العمليات تحركت تعزيزات أميركية من الأردن نحو العراق لتحشد في وضعية استعداد مع الوحدات المتواجدة في قاعدتين اميركيتين بينما تشير الأجواء إلى تركيز اميركي سياسي وإعلامي على احتساب الميدان العراقي كساحة اشتباك محتملة إذا وقعت الحرب الأميركية الإيرانية وقد ركزت وسائل الإعلام الأميركية والصهيونية معا على فصائل المقاومة العراقية التي ساهمت في التصدي لعصابات داعش داخل العراق وفي سورية إلى جانب حزب الله والجيش العربي السوري والجيش العراقي وتستيقظ في تل أبيب صيحات القادة الصهاينة المؤسسين التي تحذر من الترابط السوري العراقي وتهديده الوجودي للكيان الصهيوني وهو هدف تركزت جهود الدولة العبرية على منعه منذ عام النكبة بالشراكة مع دول الغرب الاستعماري .
الوجود الأميركي في العراق يمثل ركيزة استراتيجية في منع تحول العراق إلى دولة مشاركة في محور المقاومة وقد ارتضت الإمبراطورية الأميركية تحمل الكلفة السياسية لمساكنة المحورين في حكومة بغداد وتحركت للجم الاندفاعات التي تنذر بوقوع مبادرات عراقية تستجيب للطموح السوري حول مستقبل الشراكة القومية العابرة للحدود وآفاقها الاقتصادية ناهيك عن بعدها التحرري المناهض للهيمنة الأميركية وهو ما يصطدم واقعيا بكون النخب العرقية المشاركة في السلطة منذ الغزو الأميركي وإطاحة الرئيس صدام حسين تشترك في كونها على صلة وثيقة بالدوائر المقررة في واشنطن بمقدار حرصها على المصالح المشتركة مع إيران التي احتضنتها في زمن المنافي وهذه النخب في معظمها تخضع للحظر على تطوير العلاقة مع سورية رغم ان معظم زعماء العراق الجدد من معارضي صدام السابقين يملكون مساكن في دمشق ويفيضون في الحديث عن كرم سورية وقيادتها معهم ويسردون آلاف الأعذار ليبرروا قعودهم عن واجب رد الجميل وخشيتهم من الغضب الأميركي.
تسير المساكنة في بغداد وتواصل عملها رغم صخب المناخ الإقليمي وهدير البوارج في الخليج ولكن إلى متى ؟ ما تقوله التعزيزات الأميركية لمواقع القوات في العراق هو الخشية من اشتباك سياسي وعسكري سيكون ردا بديهيا من محور المقاومة على أي عدوان يستهدف إيران وهو احد تلك الردود المنتظرة وحيث يصعب تحديد هوية المبادرين في زحمة السلاح وتعدد فصائل المقاومة وهذه حالة قد تنشا وتتحرك في ظل تصاعد الدعوات السياسية لترحيل الوجود العسكري الأميركي وهو امر جاهز من اليوم وقد يتحول في أي لحظة إلى خطوة إجرائية تدعى إليها الحكومة العراقية او إلى مشروع معروض للموافقة على مجلس النواب.
التمسك الأميركي بهدف البقاء في العراق ليس ناتجا عن الحسابات المتصلة بإسرائيل وسورية فقط بل إن له بعدا نفطيا وماليا كبيرا لإدارة تحسب كل يوم عائداتها النقدية من نشاطها الاستعماري وحروبها المتنقلة ويعلم الأميركيون ان تراجع قوتهم في العراق ستكون حصيلته انعتاق القوة العراقية كشريك أصيل في محور المقاومة وهو الأمر الذي حفز اللوبي الصهيوني لتبني خطة غزو العراق قبل ستة عشر عاما وسيكون على إسرائيل ان تواجه الحقائق المرة لتحولات صادمة في الشرق العربي ضدها في اللحظة التالية لمغادرة جنود المارينز لأرض العراق بينما لا شيء يمنع العراق بعد ذلك من شراكات جديدة وواسعة مع الصين وروسيا وبصورة اوثق مع سورية وإيران في المجالين النفطي والدفاعي.
ذلك المشهد لم يعد مجرد سيناريو افتراضي بل هو خطر داهم واحتمال مرجح إذا وقع الاشتباك الأميركي الإيراني وتحركت ميادين العراق على وقع الأحداث باندفاع التعاطف الشعبي المتوقع مع إيران ولو من باب رد الجميل على وقوف الجمهورية مع العراقيين ضد غزوة داعش في ظل التآمر الأميركي السعودي الصهيوني ناهيك عن العواطف الدينية العراقية الجياشة اتجاه الأخوة مع إيران وما يقوم من تداخل وتواصل بين الشعبين على مر العصور.
التداعيات العراقية للعدوان على إيران ستكون في غاية الخطورة وهي التحدي الأصعب الذي يفترض بالرئيس ترامب ان يحسب له ألف حساب إذا غامر بإصدار امر العمليات وعلينا ان نتذكر دائما ان هذا الزمن يشهد ارتفاعا في منسوب قدرة التخطيط والابتكار والتكامل عند مناهضي الهيمنة في العالم واتساعا في درجة إدراك وحدة الصراع ضد الهيمنة الأميركية وهذا ما تثبته الشراكات العابرة للحدود والمحيطات كل يوم.