اليمن على مشارف اغتيال معاهدة كوينسي: د. وفيق إبراهيم
الحماية الأميركية للخليج، اصبحت موضع نقاشات ساخنة في الدوائر العميقة لحكام الخليج وذلك بعد 74 عاماً من استكانة عالمية كاملة لـ»أميركية» هذه المنطقة، وعدم التجرؤ على اختراقها .
هناك أربعة استثناءات بدأها الرئيس المصري الراحل عبد الناصر بإرسال جيشه الى اليمن لمحاصرة السعودية، وتلاها الرئيس العراقي صدام حسين وانتهت بإعدامه. أما إرسال لواء تركي عسكري أرسله الرئيس التركي اردوغان لحماية قطر فلم يعتبره الأميركيون تحدياً لمعادلتهم التاريخية.
وحده الاستثناء الرابع اليمني، يشكل خطراً فعلياً على المعادلة الأميركية التاريخية، وذلك بطرح خيارين: إما القبول بالشروط اليمنية وهذا كافٍ لاعتبار أنصار الله قوة خليجية ـ إقليمية، لها حصة سياسية في معادلة النفط، أو المضي في خيار الحرب، بما يؤدي الى ارتفاع أسعار الطاقة الى معدلات قياسية، وسط صمود يمني مبدع لا يزال على درجة كبيرة من التماسك ولا يُظهر أي مؤشرات ضعف أو وهن.
ما هي هذه المعادلة؟
خرج الأميركيون من الحرب العالمية الثانية قوة عالمية مركزية، ورثت النفوذين البريطاني والفرنسي، والإقليمي لتركيا وإيران مدمرين القوى المنافسة في اليابان والمانيا.
وكان من الطبيعي أن يسعوا الى السيطرة على أهم مركز نفطي عالمي من ذلك الوقت، فعقد الرئيس الأميركي روزفلت في 1945، لقاء على متن البارجة كوينسي مع الملك السعودي عبد العزيز أفضى إلى اتفاقية يضمن الأميركيون بموجبها امن الخليج الداخلي والخارجي، مقابل الاولوية المطلقة للشركات الأميركية في استخراج النفط وبيعه، مع اعتبار السلع والبضائع الأميركية، صاحبة الموقع الاول في الاسواق الخليجية.. بالاضافة الى وضع الأهمية الدينية للسعودية في الحرمين الشريفين وموسم الحج في خدمة الهيمنة الأميركية.
ظلت هذه القواعد مطبقة بحذافيرها، لا يقترب منها السوفياتي، ولا يعكر الصيني أو الأوروبي رتابتها وكأنها أصبحت قدراً مكتوباً.
لقد حاول عبد الناصر اختراقها بإرسال قوات مصرية في منتصف ستينيات القرن الماضي لدعم انقلاب عبدلله السلال على سلاطين اليمن، وطرد النفوذ السعودي منه فانتهت مساعيه بهزيمة 1967 التي جرى إعدادها بتنفيذ إسرائيلي مغطى من الأميركيين بمباركة سعودية.
اما الاستثناء الثاني فكان للرئيس العراقي صدام حسين الذي استفاد في 1980 من دعم أميركي سعودي خليجي لغزو إيران في حرب دامت ثماني سنوات وخسرها، فحاول التعويض بغزو الكويت في 1991 مبرراً بأنها جزء تاريخي من العراق.
وكانت فرصة لاجتياح مئات آلاف الجنود الأميركيين العراق في حرب انتهت بإعدام صدام واحتلال أرض الرافدين منذ ذلك التاريخ وحتى اليوم.
لجهة محاولة اردوغان، فاعتبرها الأميركيون صراعاً داخل البيت الأميركي الواحد وجزءاً من جهودهم بإحداث توازن في الصراع بين قطر والسعودية للمحافظة على استمراره كوسيلة لابتزاز الخليج ورعاية خلافات تركية سعودية، وسعودية إيرانية، وقطرية سعودية.
وهذه الأحداث تتسبّب في النيل من مكانة معاهدة كوينسي في حماية الخليج، وكانت مضبوطة بشكل كامل لكن الاستثناء الرابع الذي يطبّقه أنصار الله في اليمن بشكل تدريجي محترف، يضع معاهدة كوينسي أمام خيارات ضيقة، مستنزفاً احلام آل سعود بالعودة الى الإمساك باليمن..
للمزيد من التوضيح فإن أهمية السعودية عند الأميركيين هي النفط والاستهلاك والمكانة الدينية، التي استخدموها في غزوهم المتواصل لليمن منذ خمس سنوات بالاشتراك مع الإمارات وبتغطية أميركية وقسم من دول أوروبا ومشاركة بحرية مصرية وإسرائيلية وبريطانية، هؤلاء استخدموا القسم الأكبر من إمكاناتهم العسكرية لإلحاق الهزيمة بأنصار الله والمؤتمر الشعبي ومؤسسات الجيش اليمني الفعلي، ولم ينجحوا.
وما فاجأهم مصيباً السعوديين بإحباط عميق، هو نجاح معادلة الصمود اليمنية، في تصنيع صواريخ وطائرات باليستية من دون طيار محلية الصنع، يجري استخدامها بنجاح، ليس لاختراق السعودية فقط، بل لوضع المعادلة النفطية الداخلية في مأزق كبير.
فإذا كانت تفجيرات الناقلات النفطية في الفجيرة وقصف أكبر انبوب نفط سعودي يربط بين آبار المناطق الشرقية بمصافي مدينة ينبع السعودية على البحر الأحمر، وضرب المطارات، رسالة بمنع تصدير أي نفط يتجاوز مضيق هرمز في ظل الاستمرار في الحصار المنصوب حول إيران، ومواصلة الحرب السعودية الأميركية على اليمن، فإن هذه «الطائرات المسيرة» قادرة على إصابة معادلة إنتاج النفط الخليجي في الصميم إلى حدود توقيفها وتعطيل معظم المراكز العسكرية من السعودية إلى اليمن.
هذا ما أدى إلى إحباط سعودي واضح في ثلاثة تحركات:
سعودية: الزعم بأن المقذوفات اليمنية تستهدف مكة المكرمة وحرميها الشريفين، وهذا لاستنهاض العالم الإسلامي والعربي، ومحاولة استئجار قوات باكستانية وأردنية ومصرية لما يعتقدون أنه لحسم الحرب على اليمن.
هذا إلى جانب الإصرار على نشر 300 ألف جندي أميركي يصلون قريباً إلى السعودية لتطمينها من جهة وربما للمشاركة في حرب اليمن من جهة ثانية.
أما التحرّك الثالث فهو الاستعجال السعودي ـ الأميركي في تطبيق صفقة القرن في مؤتمر البحرين المرتقب أواخر حزيران المقبل، بما يؤمن تحالفاً سعودياً إسرائيلياً خليجياً سعودياً علني الطابع، يعتبر إيران واليمن عدوين أساسيين لهما، فيما الهدف الفعلي، هو حماية العائلات القبلية الحاكمة في الخليج، هذه العائلات التي ترى في «إسرائيل» رافداً يغطي على التراجع الأميركي العالمي من جهة، والصراعات السياسية في الداخل الأميركي التي تحول في معظم الأوقات من دون توفير دعم سريع ومفتوح لممالك وإمارات تعيش حالياً في هاجس البقاء والاستمرار.
لذلك أصبح اليمن جزءاً أساسياً من معادلة النفط الخليجي والاستقرار السياسي في دور يستمر بالتصعيد العسكري وتفجير محطات التكرير والإنتاج والمواقع بطائرات مسيرة وصواريخ يمنية أصلية.
فهل تنفجر معاهدة كوينسي؟ لا شك في أنها في أزمة واستمرارها مرهون بوقف الحرب على اليمن وقد يدفع الى انبثاق ضغط أميركي على السعوديين لتسهيل مفاوضات ستوكهولم وفتح موانئ الحديدة لتلبية حاجات 15 مليون يمني يحتاجون وبأسرع وقت للدواء والغذاء. وهذا الأمر بمفرده بمثابة إعلان بربح أنصار الله وتحالفاتهم ثلاثة ارباع المعركة، وهم بطريقهم لكسب الربح الأخير منها، وهذا لم يعُد بعيداً.
(البناء)