عن القطار ومصافي النفط
غالب قنديل
التدمير المنهجي لصناعة تكرير النفط في لبنان كان حصيلة خطة للاستيلاء على سوق المحروقات الداخلي سبقته حملات سياسية منظمة تحت عنوان تحرير الأسعار وإلغاء دعم المحروقات التي كانت الحكومة تحتكر استيرادها .
كان ذلك اول الطريق في لعبة تقاسم سياسي وطائفي لم تلبث إلا وطالت تفاصيل كثيرة في مجالات التعليم وفي البلديات وفي القطاع الصحي وقطاع النقل تحت شعارات من نوع ترشيق الدولة والحد من تضخم جهازها الوظيفي والخصخصة لرفع مستوى الخدمات التي سحبت تباعا من يد المؤسسات العامة بعد تيئيس منهجي للرأي العام وطالت الموجة قطاع التعليم بجميع مراحله.
رفضت فكرة إحياء السكك الحديد وأقصيت من خطط مجلس الإنماء والإعمار بعد الطائف بناء على مشورة شركة باكتيل بعدما جرى تدمير هياكلها على يد المليشيات المتحاربة وتم وضع اليد على العديد من ممتلكاتها العقارية وتحولت أطنان معادن السكك الممتدة على الشواطيء والمتعرجة في الجبال والوديان والسهول إلى خردة ينهبها بعض اللصوص وفارض الخوات وجعلت مباني المحطات خرابا نبت عليه العشب وهي لا تزال على تلك الحال.
عباقرة الهندسات المالية يدعون اليوم للتخلص من الهياكل الإدارية لمصلحة سكك الحديد ولمصفاتي النفط في طرابلس والزهراني ويعتبرونها عبئا ينبغي التخفف منه فشركات احتكار المحروقات أنشات مستودعاتها الخاصة ومواصلة توسيع نطاق مصالح وكلاء السيارات العالمية من التجار يفترض حراسة نظام النقل الجالب للتلوث وشطب السكك الحديد كليا ومعها القطارات القديمة والحديثة.
لا تخطيط لبنانيا يتصل بالنقل الداخلي او له صلة بشبكات النقل الإقليمية العابرة للحدود التي تقام في العراق وسورية وينعزل عنها لبنان الغارق في سبات المجد السياحي الضائع والترانزيت المتحول والشطارة المصرفية بلا منازع بينما يتحرك الأشقاء في بغداد ودمشق في اتجاه شبكات إقليمية واسعة وممتدة ستنقل الملايين بين بلدان المنطقة للسياحة والتجارة والصناعة وتتيح انتقال ملايين الراغبين إلى اعالي سور الصين العظيم انطلاقا من إيران بدوافع التجارة والسياحة.
العبقرية اللبنانية لا تتسع لمثل تلك الأفكار وهي في غنى عن صناعة تكرير النفط فلا حاجة للمصافي ولا لإعادة تشغيل انبوب النفط العراقي فهو يوفر على البلد بعضا من كلفة المحروقات التي يستهلكها وينشيء فرص عمل جديدة للفقراء المنكوبين في طرابلس والشمال ويقلص من تحكم شركات الاحتكاربسوق المحروقات.
لا لزوم للقطارات التي تقرب المسافات الزمنية بين المناطق اللبنانية وتوحد البلد واهله في دورة حياة تردم الهوة السحيقة بين المدن والأرياف ولا لزوم لصناعة التكرير في بلد يتأهب على ما يقول سياسيوه ليكون منتجا للنفط والغاز فأين ستكررون بترولكم وغازاتكم الوفيرة أيها السادة ؟
هذا النظام التابع المرتهن للهيمنة الغربية يعادي كل نسمة تحرر وكل فرصة تقدم ويحبس البلد في علبة استهلاك وتبعية مقيتة ومتعفنة لا تتسع لأي فكرة خلاقة ولا مجال فيها لأي ابتكار او جديد فقط فيها سعار البحث عن الربح والعمولات المضمونة في صفقات تقوم على ركام فرص الإنتاج والتقدم الحضاري.
العقلية التي دهورت لبنان في وهدة الديون السحيقة هي نفسها لن تستطيع إنقاذه أبدا وسوف تستهلك من الزمن والإمكانات والمليارات والفرص الكثير الكثير وعبثا ينتظر الواهمون انهيارا يولد لهم الثورة التي يحلمون بها في ظل التكامل بين فعل الهجرة والاغتراب وهندسة المخارج الريعية في فقاعة مالية مصرفية متجددة.
طالما نظامنا السياسي والاقتصادي يدمر الفرص ويبيع الوهم ويعلك نفسه في سلة العمولات والريع يستمر شراء الزمن ويلعق اللبنانيون دماءهم فيستلذون طعمها ويدعون المزيد من الناس إلى الوليمة.