بوتين – ترامب: تراضٍ وتغاضٍ… وربط نزاع: ناصر قنديل
– لا يمكن لعاقل ومتابع أن يتقبّل فكرة أن الحوار الهاتفي المعلن عنه بصيغة لافتة للأنظار، من موسكو وواشنطن وببيانات رسمية للبيت البيض والكرملين، والذي تمّ بين الرئيسين الأميركي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين، واستمر لساعة ونصف كان بلا معنى، وأن لا نتائج ترتبت عليه، رغم قول الرئيس ترامب إنه كان جيداً جداً وإن «هناك إمكانيات ضخمة لعلاقات جيدة ممتازة مع روسيا، رغم ما تقرأونه وترونه في إعلام الأخبار الكاذبة»، ولا يمكن تجاهل أهمية هذه المحادثة بعدما لحق بها من بيانات توضيحية عن الكرملين والبيت الأبيض تضمنت ما تناولته، وتخللتها إشارة أميركية لتحقيقات الاتهامات الموجهة لروسيا بالتدخل في الانتخابات الرئاسية الأميركية، وصولاً لتوبيخ ترامب لإحدى الصحافيات في البيت البيض لدى سؤالها عن إمكانية تدخل روسي في الانتخابات المقبلة .
– ما توحي به توضيحات الأبيت الأبيض هو أن بروداً أصاب العلاقة بين موسكو وواشنطن، وبين الرئيسين ترامب وبوتين بقرار أميركي، خلال مرحلة تحقيقات المدعي العام روبرت مولر منعاً لأي استغلال وأن نهاية التحقيق حررت ترامب من القيود، وأعادت الفرص لفعل ما يجب فعله وفقاً لسياسات المصالح ومقتضيات الأوضاع الدولية، والحديث عن فنزويلا وكوريا الشمالية، حيث روسيا شريك لا غنى عنه، بعد الفشل الأميركي في محاولات الاستفراد، والحضور الروسي القوي في الملفين، صار مصلحة أميركية، والحديث عن أوكرانيا صار كذلك بعد فشل المرشح المدعوم من الغرب في الانتخابات الرئاسية، والحاجة للتعاون الدولي في إحاطة الرئيس المنتخب الذي قد يؤدي ضعف الخبرة لديه إلى مفاجآت لا يرغب بها أحد.
– الواضح هنا أن الرهان الأميركي على قدرة مواصلة سياسات التفرد والانفراد يسقط لصالح حتمية الشراكات، وأن العقوبات على إيران كما الانقلاب في فنزويلا كما التهديد لكوريا، تواجه محدودية القدرة على صناعة التغيير المنشود في التوازنات على الساحة الدولية، والواضح أيضاً أن الضغط على روسيا لجلبها للتعاون بشروط أميركية من خلال البوابة الأوكرانية يفقد أوراقه، ومثله من البوابة السورية، خصوصاً مع التشابك في العلاقات التركية بكل من روسيا وإيران، وحسم تركيا لتمردها على العقوبات الأميركية في ملفي النفط والغاز مع إيران وملف السلاح مع روسيا. وبالمقابل يظهر التموضع الأميركي في الملف الليبي بصورة تُرضي روسيا، بعد سنوات نظرت خلالها موسكو لما تسمّيه بالخديعة الأميركية كمصدر لانفراط عقد التعاون الدولي.
– ما نحن أمامه يؤكد وجود حالات تراضٍ وتفاهمات، ربما تكون ليبيا أبرزها، وحالات تغاضٍ يرتضي بها الأميركي التقدم الروسي دون أن يمنحه صك الشرعنة، ربما تكون سورية أبرزها، وبالتوازي حالات ربط نزاع تطال تمهيداً للطريق نحو التسويات على البارد في فنزويلا وكوريا الشمالية وأوكرانيا، وفي السياق يبدو لافتاً نمط العقوبات على إيران بين سقفين، حد أعلى يمنع بلوغه حيث تقدم إيران على إغلاق مضيق هرمز والعودة للتخصيب المرتفع لليورانيوم، وحد أدنى يمنع بلوغه، حيث تتمكّن إيران من تحقيق فوائض مالية تغذي بها قوى المقاومة وتعزّز ترسانتها العسكرية فتمتلك زمام المبادرة في صراعات المنطقة. فحماية أنظمة الخليج تستدعي عدم التصعيد الأميركي للعقوبات، وحماية أمن «إسرائيل» تستدعي عدم التهاون في العقوبات.
– صفقة القرن التي يعد صهر الرئيس ترامب ومستشاره جارد كوشنر بإطلاقها بعد شهر رمضان لها ساحة اختبار أخرى، وما يجري في غزة يتكفل بكشف فرصها واحتمالات الفشل في ترويض المعادلة الفلسطينية لتقبلها، وبالتالي الذهاب إلى ضم الملف الفلسطيني الإسرائيلي، وربما العربي الإسرائيلي، إلى حزمة تفاهمات أميركية روسية جديدة في اتصال لاحق!