امثولة الصمود اليمني
غالب قنديل
منذ انطلاق العدوان على اليمن كان توازن القوى مختلا لصالح الحلف الأميركي الصهيوني السعودي الخليجي الذي قاد الحرب بالشراكة مع حلف عالمي مترامي الأطراف يوازي حلف العدوان على سورية وبالقيادة الأميركية دائما.
المفارقة في حالة اليمن ان بعضا من دول العالم التي يفترض انها على تناقض وصراع وجودي مع حركة الهيمنة والحروب العدوانية الأميركية في العالم مثل روسيا والصين وسواهما من الدول المستهدفة بالعقوبات الأميركية تلتزم الصمت على الجرائم الأميركية الصهيونية السعودية التي فضحت بعضها صراعات النخبة الأميركية الحاكمة وتناقضاتها.
فضلت معظم حكومات العالم عدم اتخاذ مواقف واضحة بل ساهمت بداية في تغطية العدوان تحت تأثير مصالحها المشتركة مع المملكة السعودية او لخشيتها من رد الفعل السعودي ونتائجه فيما لو جاهرت بالانحياز إلى شعب اليمن وحركته التحررية المناهضة للهيمنة الاستعمارية الصهيونية كما تفترض سياستها الخارجية المعلنة وحتى إيران المتهمة بانها “متورطة في دعم الحوثيين ومدهم بالإمكانات” آثرت نهجا دبلوماسيا متحفظا في صياغة الموقف من حرب اليمن فادانت العدوان وجرائمه وأكدت على مبدأ عدم التدخل علما ان التدخل حق مشروع منطقيا لأي دولة تحررية ضد أي غزو استعماري في مجالها الحيوي فبين إيران واليمن جوار تاريخي ومصالح مشتركة ونطاق حياة جيوسياسي واحد بما يصلح مبررا لمبادرات إيرانية كانت ستبدو اكثر وجاهة وأرجحية من المساهمة الأميركية في قيادة العدوان وبالتأكيد هي أوجب مقارنة مع التدخلات الصهيونية لكن التقدير الايراني لأهمية تجنب ما يرفد الافتراءات الأميركية والسعودية قد يكون له منطقه ومشروعيته.
في هذا المناخ كانت المبادرة التحررية الشجاعة التي اتخذها قائد المقاومة العربية سماحة السيد حسن نصرالله لكسر ذلك الطوق السياسي والإعلامي الخانق فتكلم بكل جرأة وسمى الأشياء بأسمائها وانتصر لملايين الفقراء الحفاة العراة المستهدفين بالمذابح والأوبئة وبالحصار والغارات الجوية وبالأسلحة المحرمة دوليا من القنابل الجرثومية والفوسفورية لدرجة استعمال قوى العدوان الأميركي الصهيوني السعودي لأجساد الأطفال في تجربة أسلحة نووية وشبه نووية وقنابل مطعمة باليورانيوم المنضب تكرر استخدامها في قصف المدارس والأسواق والتجمعات السكنية ودور الأيتام والمستشفيات والمعامل والحقول وقد نشرت تحقيقات عنها موثقة بالصور في بعض منابر الإعلام العالمية الحرة وغير الخاضعة لسيطرة الاستخبارات المركزية الأميركية وشركاتها المعولمة في دنيا الصحافة والتلفزيون والإعلانات ولم تتفاعل مع الحدث اليمني سوى وسائل الإعلام القليلة المتمردة على الأخطبوط الأميركي الصهيوني في العالم واقتصر الأمر في الوطن العربي على المنابر النابذة لنفعية الارتزاق النفطي لدى حكومات السعودية والخليج.
استحضرت آلاف الأطنان من القنابل الفتاكة لتختبرعلى أجساد الأطفال والنساء والشيوخ من مصانع السلاح في الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وفرنسا وحشدت بكثافة جميع أسلحة البر والبحر والجو الأطلسية والأقمار الصناعية المؤجرة بالمليارات السعودية كما أقحمت الحكومات العميلة وجيوشها من بلدان قريبة وبعيدة وفي كفة المقاومة اليمنية وقف الحفاة العراة بإمكانات ضئيلة وبإرادة التحرر المتجذرة الصلبة فكانوا يقاومون العدوان والحصار ويبتكرون ويحاكون دروس المقاومة الشعبية في الوطن العربي وقهرها للجبروت الاستعماري الصهيوني ويستعيرون الدروس من تاريخهم المجيد الذي شكلت فيه قبائل سواحل وجبال اليمن علامة تاريخية فارقة وألحقت الهزيمة مرتين بأشرس امبراطوريات الاحتلال والتوسع والغزو الاستعماري في التاريخين القديم والحديث فهم احفاد الشعب العظيم الذي تصدى للغزو العثماني ثم أذل الغزو البريطاني.
منذ خمس سنوات صمد اليمنيون في وجه الحصار وتصدوا لمجاعة فتاكة باقتصادهم الطبيعي وبإمكاناتهم المحدودة وبزوارق صيدهم وبفطرتهم البحرية خرقوا حصار البوارج وعملوا في حقولهم تحت القنابل فزرعوا وحصدوا وواصلوا حياتهم بإرادة المقاومة ولم يبخلوا بالغالي والنفيس في سبيل كرامتهم وعزة وطنهم وتحرره.
يدرك الفقراء بوعيهم أعمق القضايا وأشدها تعقيدا من غير حاجة إلى دروس في الفلسفة ولكن في اليمن مقالع ثقافية وفكرية وطنية وقومية متأصلة من زمن بعيد وعصب انتماء عروبي تحرري عميق كشفته مسيرات الملايين وهتافهم تضامنا مع فلسطين وهم احوج الناس على وجه الكرة الأرضية لمن يهتف تضامنا معهم .
أسطورة الصمود اليمني هي امثولة تهشم خرافة ارتباط القدرة على خوض المواجهة ضد الهيمنة الاستعمارية بما يسميه بعض من أفسدتهم التجارب التي خربها مال النفط بالإمكانات التي أثبت اليمنيون قدرتهم على امتلاكها بالوعي وبالإرادة التحررية فصنعوا المعجزات بالقليل في أحلك الظروف وهذا بيت قصيد انتصار الشعوب وتحررها.
يعيش حلف العدوان في عصف تناقضاته وتعارضاته وتشير وقائع الميدان إلى تحولات كبرى تختمر في المعادلات الراهنة وستكون حاكمة في المستقبل والانتصارات التي حققتها قوات الجيش وفصائل المقاومة الشعبية ضد حلف العدوان والقوات العميلة في الجنوب والوسط اليمنيين خلال الأسابيع القليلة الماضية هي مؤشرات واعدة لأفق الانتصار اليمني العظيم وينغص هذا الأمر جميع غرف عمليات الحلف العدواني المجرم وخصوصا هيئة اركان العدو الصهيوني الذي يعرف خبراؤه وقادته النبض الفلسطيني لثوار اليمن والمدافعين عنه في وجه العدوان الأميركي الأطلسي الصهيوني السعودي.
أراد مجرمو الحرب ان يقدموا بمجازرهم في اليمن امثولة لتأديب شعوب المنطقة والعالم ولردع جميع المتمردين على الهيمنة الاستعمارية الأميركية الصهيونية وعملائها وها هو اليمن يصنع بدمائه وبشموخه وبصموده ملحمة مجيدة هي أمثولة ودرس لجميع الشعوب ولسائر المناضلين والمقاومين الاحرار لاسيما في الوطن العربي والعبرة العظيمة هي : بالوعي والإرادة نصنع المستحيل والنصر لنا.