عض الأصابع وكسر الحصار
غالب قنديل
تسعى الإمبراطورية الأميركية إلى تحويل الحروب غير المنتهية في الشرق العربي إلى حلقة استنزاف وتآكل معنوي وسياسي واقتصادي على جميع جبهات الصراع بين منظومة الهيمنة الاستعمارية الصهيونية الرجعية ومحور المقاومة .
الحصار الاقتصادي والعقوبات المصرفية الأميركية تلاحق المحور بجميع دوله وقواه والمشيئة الأميركية تتحكم بالمنطقة من مواقع نفوذها وتأثيرها وتواجدها العسكري وتتكفل بقطع خطوط التواصل المحتمل بين دول المحور وساحاته فهي التي تفرض بواسطة ساسة مرتبطين بها ومتعاونين معها ومع الحكومات الإقليمية التابعة شبه القطيعة الاقتصادية بين سورية والعراق وتعترض طرق تنمية العلاقات بين لبنان وسورية وهي التي تزج بمصر في إحكام الحصار على سورية وفي اعتراض البواخر والسفن المتجهة إلى موانئها وهي المشيئة الأميركية نفسها التي تحرس الحصار على قطاع غزة في موازاة تدابيرها التصاعدية ضد إيران.
تطرح في التداول امام هذا الوضع وعلى إيقاع التهديدات الأميركية والصهيونية سيناريوهات الحرب الكبرى في الشرق ضد محور المقاومة بجميع قواه من اليمن إلى لبنان وسورية مرورا بالعراق وإيران ولكن الوقائع تقول بترجيح عدم قدرة الولايات المتحدة وحلفها الغربي ومنظومتها العميلة في المنطقة على تحمل كلفة ذلك الخيار بعدما لحقت بها وبحلفها العدواني أضرار وصدوع كثيرة بنتيجة الفشل والهزائم المتلاحقة التي مني بها محور الهيمنة وهو ما تقر به تقارير مراكز تخطيط وصنع السياسات الأميركية.
لكن احتمال المغامرة يبقى واردا بالنظر إلى النزق العدواني في أسلوب عمل الإدارة الحالية ومع حشد المحافظين الجدد ورجال اللوبي الصهيوني الذي دفع بهم دونالد ترامب نحو الصفوف الأولى لطاقمه الذي يبدو كنسخة منقحة لفريق جورج دبليو بوش الذي قاد حربي غزو واحتلال أفغانستان والعراق وحروب إسرائيل في مطلع الألفية ويضاف لما تقدم حافز إضافي هو بلوغ التدابير الاقتصادية لترامب نقطة نهاية استنفذت بها مردودها الممكن من زيادة فرص العمل وتنشيط الفروع الاقتصادية الخامدة وباتت اليوم في مسار انحداري عكسي كما تقول الوقائع والتوقعات الاقتصادية داخل الولايات المتحدة.
السؤال يدور في محيط الرئيس الأميركي عن ماهية الانجاز الذي سيقدمه ترامب ليرسمل عليه لولاية رئاسية ثانية وليرد جميل اللوبي الصهيوني الذي حماه من هجمات المؤسسة الحاكمة التي انطلقت مع وصوله إلى البيت الأبيض ولا تكفي للجواب قراراته المتلاحقة بتبني قرارات الضم والتهويد الليكودية او الفقاعة السياسية المسماة صفقة القرن والمكرسة لتعويم الهيمنة الصهيونية على المنطقة في غياب التوقيع الفلسطيني وبفعل التبعات التي ترتبها مشاريع شطب حق العودة وتوطين اللاجئين في اماكن إقامتهم الراهنة وما قد تقود إليه تلك العناصر من ترجيح لكفة المقاومة الشعبية والعسكرية للاحتلال الصهيوني داخل الأرض المحتلة ومن حولها ومن جبهتي لبنان وسورية.
طموح نتنياهو إلى إعلان ضم الضفة الغربية المحتلة وتثبيت المستعمرات في الجولان وربما ضم مزارع شبعا وتلال كفرشوبا المحتلة بدعم أميركي سافر سيعني إشعال الجبهات او على الأقل هو يفتح الطريق لمبادرات مقاومة لا تملك أي جهة مشروعية اعتراضها بعدما أعلن ترامب دفن اوهام التفاوض والتسوية السياسية بالجملة.
فريق اللوبي الصهيوني والمحافظين الجدد في الإدارة يسعون إلى الحروب الدائمة كعقيدة لحراسة الهيمنة ولإرباك مناهضيها في جميع بلدان العالم ويفتتحون ساحات استنزاف متعددة وهم يستخدمون جميع القوى التقليدية والاحتياطية في تلك الحروب ومن الواضح أنهم يريدون إحراق المنطقة بأسرها لو استطاعوا وما يجري في السودان والجزائر وليبيا وغيرها ليس سوى مثال عملي على حقيقة السياسة الأميركية التي تواصل إثارة الفوضى والحروب.
يقف محور المقاومة بالمقابل في حالة دفاعية شاملة ويواجه التحديات الخطيرة والاستنزافية بالصبر والمثابرة لكنه يواجه متاعب عديدة بنتيجة الحصار والضغوط الاقتصادية لأنه لم ينجح بعد في وصل ما قطعته حروب الهيمنة الاستعمارية من خطوط الوصل بحكم الجغرافية فالطبيعي ان تكون طرق البضائع والأفراد سالكة ومفتوحة بين إيران وسورية والعراق ولبنان والطبيعي ان تكون اليمن مشبوكة بهذه الكتلة عن طريق الممرات البحرية لكن الأساطيل الأميركية والغربية تحول دون ذلك ولا تلقى ردا مناسبا من محور المقاومة يرغمها على التقهقر.
إن كسر الحلقة المفرغة يتطلب مبادرات إبداعية تقلب وجهة الاستنزاف وتفرض على العدو الأميركي المتغطرس تفكيك حصاره ورفع يده وساحات المبادرات الممكنة لفصائل المقاومة الشعبية عديدة ومن المستحق تحريكها ودراسة الخطوات الميدانية الممكنة لزحزحة القبضة الأميركية عن مفاصل طرق الوصل وقد لوح قائد المقاومة السيد حسن نصرالله بمثل هذه المبادرات التي يمكن اعتبار اوانها قائما ومستحقا على الأقل بالنسبة لمقاومي اليمن ولسورية التي تفاقمت معاناتها من الحصار اللئيم الذي انخرطت فيه اكثر من حكومة في حوض المتوسط بمن فيها مصر التي لم يجف بعد حبر ما أصدرته من بيانات تضامن مع بلد الجيش العربي الأول.
يجب أن نتذكر جيدا ان نقطة القوة الأميركية في هذه الغزوة المتوحشة هي ان الامبراطورية خاضت حروبها العدوانية بالواسطة فلم تتحمل أي كلفة تذكر اقتصادية أومالية أم بشرية وأي نزف أميركي مباشر يمكن ان يغير قواعد الصراع برمتها.