الاستهداف الأميركي للرئيس بري
غالب قنديل
أطلقت الآلة الاستخباراتية والإعلامية الأميركية دفقا من التسريبات والمعلومات عن اعتزام الإدارة الأميركية استهداف رئيس مجلس النواب اللبناني ومعاونيه وحركة امل التي يرأسها بالعقوبات المصرفية والمالية التي تركزت في السنوات الماضية ضد حزب الله ومؤسساته الاجتماعية والإعلامية وعدد من مناصريه وطالت مؤسسات اقتصادية لبنانية عديدة في الوطن والمغتربات بزعم قرب مالكيها وإداراتها من المقاومة.
يعلم الأميركيون ومخبروهم في لبنان أن حركة امل هي قوة وطنية مؤسسة لخيار المقاومة وان الرئيس نبيه بري تصدر قيادة المقاومة اللبنانية منذ الاجتياح الصهيوني ولكنهم راهنوا كثيرا في العقود الماضية بشتى الوسائل غواية وتهديدا على إبعاد حركة امل عن خيار المقاومة سياسيا وميدانيا وفشلوا كما برهنت التجارب.
كان تمسك الرئيس نبيه بري بهوية الحركة ومبادئها الوطنية العربية هو العنصر الحاسم في إحباط الرهان الأميركي الصهيوني على شق جمهور المقاومة واستنزافه بتطاحن خطير وشكلت العلاقة المتقدمة حتى التطابق بين بري وأمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله بعد سنوات مشحونة بالتوتر الحزبي بين الطرفين الجسر الذي قامت عليه علاقة تحالف متين جرى تثبيتها وتحصينها بقوة في أشد الظروف حراجة وخطورة وهي تطورت بقوة في السنوات الأخيرة وتعززت بميثاق الدفاع عن المقاومة كخيار وطني مشترك بل وقيام منظومة سياسية واحدة تجمع الحركة والحزب في معادلات السلطة وتوازناتها بعد الانتخابات النيابية الأخيرة.
ما يثير السؤال هو سر التوقيت في الحملة الأميركية التي تستهدف رئيس المجلس الذي كان الدبلوماسيون الأميركيون يعتبرون التواصل معه قناة مفتوحة لحوار غير مباشر ولتفاوض محتمل وبصورة غير مباشرة مع قيادة المقاومة وهذا وضع قام منذ انتفاضة السادس من شباط عام 1984 ومع انطلاق موجات تقهقر وجلاء الاحتلال الصهيوني عن أرض الجنوب والبقاع الغربي تباعا تحت وطأة ضربات المقاومة التي ساهمت فيها حركة امل إلى جانب حزب الله وسائر الأحزاب والقوى الوطنية اللبنانية وتأكدت الحاجة الأميركية إلى هذه الصلة في فترة اندحار العدو عام 2000 ثم في حرب تموز 2006 واليوم يصمم الأميركيون ومعهم سائر دول الغرب على الاحتفاظ بخطوط الاتصال برئيس المجلس في ملفات الحقوق البحرية.
لتوقيت التهديد الأميركي علاقة بثلاثة عوامل سياسية برزت في الفترة الأخيرة :
اولا الأثر النوعي لموقف الرئيس نبيه بري في التصدي للضغوط والتهديدات الأميركية التي تستهدف المقاومة ودور رئيس المجلس النيابي الحاسم في إفهام الموفدين الأميركيين جذرية التزامه بالمقاومة ورفضه الحازم لجميع أشكال استهدافها لأنه يعتبر ذلك استهدافا للوطن والشعب وللدولة من موقع انتمائه والتزامه المقاوم الذي أبلغه صراحة لوزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو الذي اصطدم في زيارته بجدار مسدود.
ثانيا ما تنقله تقارير المخبرين من الساسة والإعلاميين والزوار والسفراء الى الأجهزة الأميركية عن درجة التشابك والتعاون والعمل المشترك التي طورتها قيادتا حزب الله وحركة امل اللتان تظهران في السنوات الأخيرة كقوة سياسية واحدة بجناحين لا تباعد بينهما أي تمايزات او اختلافات مهما بلغت احيانا كما حصل في معركة رئاسة الجمهورية فالتكامل هو حقيقة صلبة عنيدة تنطلق من الوحدة بينهما حول حماية المقاومة ومنع التعرض لها بأي سوء.
ثالثا تضغط على الإدارة الأميركية نجاحات الدبلوماسية البرلمانية التي يقودها الرئيس نبيه بري بقوة دفاعا عن المقاومة كخيار وقد ولد تأثيرا وتداعيات في منابر عربية ودولية متعددة من موقعه الوطني اللبناني العروبي والدستوري وساهم بواسطتها في فك الطوق عن سورية التي دعيت إلى اجتماعات الاتحاد البرلماني العربي في عمان كما حاصر في المؤتمر نفسه دعوات التطبيع وتصدى للمهرولين العرب بصورة علنية وبكلمة حازمة اكدت التمسك بالمقاومة كخيار وهو ما جدده في الدوحة قبل أيام قليلة في سياق فضحه ورفضه للقرارات الأميركية حول القدس والجولان المحتلين وكل ما يسمى بصفقة القرن ويتلمس الأميركيون أصداء قوية لمواقف بري وكلماته عبر هذه المنابر وهم يعلمون ما له من وزن معنوي ومن قدرة على التأثير في الرأي العام العربي بصورته السياسية المعروفة كرجل دولة مخضرم وداعية حوار.