النعامة العربيّة وقلق لبنان: ناصر قنديل
–سيقع قارئ البيان الختامي للقمة العربية في دورتها التونسية، كما المستمع لكلمات الملوك والرؤساء والأمراء، كما المتابع للمؤتمر الصحافي الذي عقده الأمين العام للجامعة العربية ووزير خارجية تونس، على خلاصة واضحة بأن النعامة العربية لا زالت تحكم القمم، وسياستها القائمة على دفن الرأس في الرمال، وتجاهل مصادر الخوف والقلق، صارت مزدوجة. فالقمة تهربت من الاعتراف بعجزها المزدوج، وصارت النعامة برأسين تدفن أحدهما هرباً من الغضب الأميركي، وتدفن الثاني هرباً من حقائق الحضور القوي للشعوب وقوى المقاومة التي بدأت ترسم مسارات بديلة لا تقيم حساباً للقمم ولا تنتظر حساباتها. فالنعامة العربية الخائفة من شعوبها وقوى المقاومة لم تجرؤ على مواصلة الهروب من استحقاقات القضية الفلسطينية، لكنها اكتفت بأنشودة عنوانها أولوية القضية الفلسطينية والتمسك بالقدس، وعندما وصلت للإجابة عن سؤال: كيف نمنع دول العالم من نقل سفاراتها إلى القدس؟ وكيف نضع ثقل العرب الاقتصادي والسياسي والمالي في كفة، ونقل السفارات في كفة موازية؟ تفاجأت القمة بأن عليها البدء بتقديم المثال بما تفعله مع واشنطن أول المنتقلين، وصاحبة المبادرة العدوانية، فتلعثمت القمة، وتلعثم المكمّمون .
–النعامة العربية ذاتها كانت تنظر بنصف عين مفتوحة، نحو سورية، وتحاول أن تواصل التجاهل، فمقعد سورية الشاغر يجب أن يبقى شاغراً، ولكن ماذا عن قرار واشنطن الاعتراف بضم الجولان لـ«إسرائيل»؟ والتجاهل يمنح المشروعية لقوى المقاومة بتصدر المشهد كمدافع وحيد عن قضايا السيادة العربية، والحقوق العربي.، وبدلاً من دفن الراس الأول القائم على التجاهل، دفنت الرأس الثاني القائم على التثاقل، فلماذا العجلة، يكفي الحديث عن التمسك بأن الجولان سوري وتحت الاحتلال، وما يزال هناك المزيد من الوقت للبحث في كيفية حمايته، بل في كيفية حماية سورية كلها، وفي ترتيب العلاقات معها وعودتها إلى مقعدها الشاغر. والوقت يتسع، إلى اللحظة التي يمكن ان يعرض فيها المقعد على سورية وترفض، لأن مثل هذه العودة عار لا يشرّفها، عندما يكون شرطها الانضمام إلى مملكة الصمت، ومزرعة النعام.
–في القمة عيون شاخصة ومفتوحة على مصادر الخطر، كانت للصقر اللبناني، الذي لا يغلق عيونه في عز إبهار الشمس ولا في ذروة العتمة، لكنه لا يملك أكثر من التحذير، كحال زرقاء اليمامة، التي كانت ترى الخطر وتحذر، وتقول لقومها انتبهوا، لكن القوم غارقون بما يثنيهم ويشغلهم، عن مواجهة الخطر، فقد كانت كلمة الرئيس اللبناني العماد ميشال عون، التي تكررت فيها مفردة، القلق مرات عدة، القلق على مفهوم الدولة الواحدة الجامعة وخطر تفكيك المجتمعات الواحدة إلى دويلات طائفية وعرقية تبرر قيام «إسرائيل» كدولة يهودية. والقلق من المبادرات الأميركية لهدم ثوابت القوانين الدولية والقرارات الأممية القائمة على حرمة الأراضي واحترام سيادة الدول، والقلق اللبناني على تهديد سيادة لبنان وحقوقه في مزارع شبعا، والقلق على المبادرة العربية للسلام، بعدما أطلقت عليها رصاصة الرحمة، بعد ضياع الأرض المفترض مقايضة عودتها بالسلام، والقلق من عجز عن المواجهة بسبب حدود مغلقة بين الدول العربية ومقاعد شاغرة في القمة، والعرب وهم موحّدون أضعف من أعباء المواجهة، فكيف وهم مشرذمون، والقلق على فلسطين وسورية واليمن ولبنان والعراق، والقلق من غياب المبادرة والعجز عن التوحد والحوار.
-وحدها صرخة القلق اللبناني كانت تشبه توقيت القمة، وتلامس الجروح بالملح لتوقظها، بينما الآخرون يريدون للجرح أن ينام كي تستكين النعامة العربية في رمالها، لذلك صرخ الرئيس اللبناني في النيام مكرراً، يقلقنا إصرار المجتمع الدولي على إبقاء النازحين السوريين في لبنان، ويقلقنا مصطلح العودة الطوعيّة ويقلقنا ربط العودة بالحل السياسي والقضية الفلسطينية خير شاهد على نتائج ربط العودة بالحلول السياسية، ويقلقنا أيضاً السعي لضرب قرار حق العودة للاجئين الفلسطينيين وسعي للتوطين، والصرخة تقول في مضمونها، يقلقنا أننا جئنا إلى قمة فما وجدنا أننا في قمة.