لبنان والأردن وتركيا والتكتل الإقليمي الجديد؟: ناصر قنديل
– لم تعد ثمّة حاجة لوضع التساؤلات او رسم الشكوك حول وجود قرار إيراني سوري عراقي ببناء تكتل إستراتيجي جديد يستوعب التمايزات في أوضاع الدول الثلاث وتباينات تكوينها السياسي لصالح تكامل قطاعاتها الاقتصادية والخدمية، وتناغم سياساتها الأمنية، وربطها بشبكات نقل متعدّدة من طرق دولية وسكك حديد، وربط شبكاتها الكهربائية، وتشبيك وسائط الاتصالات بينها، وتكامل منتوجاتها الصناعية والزراعية والخدمية مع أسواق بعضها البعض وحاجاتها. وعندما يستند هذا التكتل الجديد إلى عدد سكان يقارب مئتي مليون، وقدرات اقتصادية وموارد طبيعية هائلة، وأيادٍ عاملة متنوّعة الخبرات، وأسواق واسعة وحاجات سياحية واستهلاكية تلبي بعضها البعض، فمن الطبيعي أن تشكل ولادته بالإضافة لما توفره لشعوب هذه الدول وحكوماتها، مصدر خلاص من الكثير من تعقيدات التبادل المالي التي تفرضها العقوبات الأميركية .
– الولادة التدريجية لهذا التكتل الذي بدأ يبصر النور بعد قمّتين واحدة سورية إيرانية وأخرى إيرانية عراقية، وتجسّدت أولى خطواته باجتماع رؤساء أركان جيوش الدول الثلاث، ومقرراتهم بتأمين التواصل الجغرافي الآمن بين بلدانهم من جهة، وتعاون جيوشهم في إنهاء الحرب على الجماعات الإرهابية، خصوصاً في سورية. من جهة مقابلة، سيطرح تحديات عاجلة ومتصاعدة أمام دول الجوار الثلاث الأهم، البعيدة بدرجات مختلفة على الصعيد السياسي عن هذا التكتل الجديد، والمحكومة بلغة المصالح والجوار بحسابات لا مفرّ من إقامتها، تجاه كيفية التعامل مع هذه الولادة. فتركيا التي تقيم تبادلاً تجارياً واسعاً مع إيران وتملك حدوداً مشتركة يتداخل فيها الأمن والسياسة مع هذه الدول، وتتشارك مع الدول الثلاث الهمّ الكردي، ستجد نفسها معنية بالبحث الجدي في شراكة لتوسيع هذا التكتل بصورة تجعلها شريكاً نوعياً لتكبير حجم السوق أمام بضائعها، وتوسيع نطاق التدفقات السياحية إلى أسواقها، وضمان معاملة موحّدة مع المسألة الكردية، ومثلها الأردن المعني حكماً بحاجته للموارد النفطية والمتطلع لاكتساب المزيد من السياح، ومثلهما لبنان الهادف لتسويق بضائعه الزراعية والصناعية، ولاستقطاب كتلة من السياح الذين يوفرهم هذا التكتل، سيجد نفسه، رغم التذاكي السياسي لدى بعض اللبنانيين والكيدية لدى بعضهم الآخر، معنياً من موقع المصالح بالمبادرة في البحث عن سبل التشبيك مع هذا التكتل الجديد.
– عملياً وبسبب غياب مركز عالمي قادر على قيادة العام اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً، بعد التراجع الأميركي المشهود، ستنمو التكتلات الإقليمية. وهذا هو الحال على المقلب الآخر للحدود الإيرانية مع كل من باكستان وافغانستان، وصولاً إلى الصين وروسيا والتعاون في أفغانستان سياسياً وأمنياً، والتعاون في مجالات الطاقة وتبادل البضائع. لكن الطبيعي أن يجذب هذا التكتل مع فرصه بالاتساع ليضمّ تركيا ولبنان والأردن اهتماماً خاصاً من روسيا والصين، فالأولى مهتمة بأنابيب النفط والغاز وبتوليد الكهرباء من الطاقة النووية وبيعها، والثانية معنية بشبكات سكك الحديد وتوسيع الأسواق لبضائعها، وتكتل مرشح لبلوغ الثلاثمئة مليون بهذه المقدرات الاقتصادية سيعادل حجم أوروبا، وأميركا، ويزيد عن حجم روسيا، ما يجعله مرشحاً للتأثير على شكل الخريطة التجارية والاقتصادية للعالم، وفرض معادلات جديدة لا بدّ لأوروبا الجارة من أخذها بالحساب.
– عملياً العقوبات الأميركية تلعب دوراً عكسياً. فهي تشكل اليوم الحافز لنجاح هذا التكتل، وهي ستشكل مصدر آليات تعامل مالي تتخطى المرور بالعملة والمصارف الأميركية، وعملياً هي سترتب تراجع المكانة التي تحتلها أميركا في الاقتصاد العالمي كمركز، ولو بقيت تمثل الاقتصاد الأول تقنياً وهي المرشحة لخسارة موقع الاقتصاد الأكبر حجماً امام الصين. فعلاقة أوروبا بهذا التكتل الجديد ستكون مختلفة عن علاقتها بإيران وحدها، ومنطق المصالح يقول إن هذا التكتل سيكون فرصة أوروبا الوحيدة لمواجهة خطر الركود الاقتصادي والكساد الصناعي، وعندما نقول إن عالماً جديداً يولد، لا نقصد فقط سياسياً وعسكرياً بل اقتصادياً أيضاً.