بقلم غالب قنديل

النفوذ الإيراني في المنطقة

iran mintaka

غالب قنديل

منذ ستة وثلاثين عاما تجري عمليات التحريض في المنطقة ضد إيران ويجري الحديث عن توسع النفوذ الإيراني وتدار حملات إعلامية واسعة النطاق تستهدف تصوير إيران كقوة معادية للعرب بينما يتوسل خصومها التنسيق سرا وعلانية مع إسرائيل .

اولا تقيم إيران منذ انتصار الثورة علاقات وثيقة مع سائر القوى والتيارات العربية المناهضة للاستعمار والصهيونية وتشمل مروحة علاقاتها سائر التلاوين العقائدية والفكرية وهي تضع قضية فلسطين في صلب التزاماتها الثقافية والسياسية انطلاقا من الهوية التأسيسية للجمهورية بعد إسقاط نظام الشاه العميل حليف إسرائيل وشرطي الخليج الوكيل المكلف من الولايات المتحدة والغرب الاستعماري بالهيمنة الإقليمية وقد لاقت تلك القوى وشرائح شعبية عربية واسعة حدث انتصار الثورة بالترحيب نظرا لما عانته المنطقة على يد نظام الشاه ولأن الجمهورية الإسلامية وضعت فلسطين في مقدمة التزاماتها الاستراتيجية .

المفارقة الصارخة ان الثورة الإيرانية أسقطت علم الكيان الصهيوني في طهران وسلمت مباني السفارة الصهيونية لمنظمة التحرير الفلسطينية بينما تتطلع حكومات عربية كثيرة تعاديها لرفع الراية الصهيونية في عواصمها وهي تتوسل الطرق السرية في العلاقة بتل أبيب بينما سادها صمت حزين واستشعرت بالفجيعة واليتم عند إسقاط الشاه وحكمه العميل .

ثانيا  على امتداد أربعة عقود من الزمن يتكرر الكلام عن النفوذ الإيراني وتخاض تعبئة عدائية شرسة بوسائل لا اخلاقية ضد دولة تحافظ على اعتماد لغة مهذبة واتخاذ مواقف رصينة وعاقلة في التعاطي مع سائر حكومات المنطقة في جوارها العربي وتقدم عروض التعاون السخية بدون انقطاع فتقابل بالصد والرفض والاستهداف.

من يتقصى حركة النفوذ الإيراني في المنطقة يجده على صورة دعم سياسي وميداني قوي وفاعل حيث تتوافر قوى ترفض الهيمنة وتثبت التجارب امتلاكها للإرادة الصلبة وتصميمها في مقاتلة إسرئيل وفي التصدي لوحش الإرهاب التكفيري وهذه هي اليوم صورة الحضور الإيراني في لبنان وسورية وفلسطين والعراق وقد بات بعض العالم يعترف للقيادة الإيرانية مؤخرا بدور حاسم في دعم القوى التي تقاوم عصابات التكفير الإرهابية التي حظيت بالدعم والاحتضان السعودي القطري التركي بهدف النيل من سورية والسعي لتخريب العراق ولإشعال الفتنة في لبنان.

ثالثا الخطاب الإيراني اتجاه بلدان المنطقة واوضاعها الداخلية يركز على مناشدة الجهات المحلية في كل دولة لتحقيق تفاهمات وطنية تحقق الاستقرار ويمارس الدور الإيراني تأثيرا واضحا على حلفائه السياسيين داخل تلك الدول في هذا الاتجاه وهكذا كانت المواقف الإيرانية في لبنان ومصر وسورية والعراق واليمن والبحرين وغيرها وعلى الرغم من اتهام إيران بالتدخل في البحرين والسعودية فالأكيد ان التأثير الإيراني على قوى الاحتجاج دفع اتجاه التعقل والتحرك السلمي ونبه لمخاطر الاحتكاك المذهبي ولو أرادت إيران اعتماد سلوك تفجيري لما تدخلت بشتى الوسائل لحجب تأثير المتطرفين الساخطين.

التحالف السوري الإيراني الذي يحظى بقيمة استراتيجية وتاريخية منذ قيامه لم يمنع سعي القيادة الإيرانية قبل أربع سنوات للاتصال بواجهات المعارضة السورية في الخارج واستطلاع فرص المساعدة في تحقيق تفاهمات وطنية سورية تضع حدا للأحداث التي شهدتها سورية وقد تبين لاحقا لجميع المعنيين ان تلك الأحداث كانت نتيجة لخطة مدبرة تورطت فيها دول عربية وإقليمية بقيادة الولايات المتحدة وحلف الناتو بينما انفضحت حقيقة تلك الواجهات فجاءت التطورات لتبين للقيادة الإيرانية حجم تورط المملكة السعودية وقطر وتركيا في إشعال الحرائق السورية بدوافع تخطت فيها الأحقاد أي حد وكانت الغاية النيل من قلعة استقلالية مقاومة للاستعمار والصهيونية لكن العبرة هي ان طهران سعت وحاولت الدفع بطريق الحوار الممكن بين الدولة الوطنية السورية وأي معارضين يقبلون منطق الحوار والشراكة وكان الصد والرفض من تلك الواجهات البائسة والمرتبطة التي توهمت ان غزوا عسكريا اطلسيا على الأبواب سيسلمها الحكم في دمشق.

رابعا التقدم العلمي والتكنولوجي والبناء الاقتصادي المتين والمتنوع في موارده وقطاعاته هو مضمون اولويات الجمهورية الإسلامية والقوة العسكرية العملاقة التي تمتلكها إيران تتصف بطابع دفاعي استراتيجيا فهي مؤسسة على فكرة الدفاع الوطني ضد أي غزو استعماري اميركي غربي او عدوان إسرائيلي لأن حماية السيادة الوطنية هي حاجة لتحصين إرادة البناء الاستقلالي بعدما استهدفت البلاد بالحصار والعقوبات ورافقتها التهديدات بشن الحروب العدوانية منذ إسقاط نظام الشاه .

بينما تستعد الإدارة الأميركية ومعها حكومات الغرب للاعتراف بالقوة الإيرانية الصاعدة تتحرك حكومات عربية وازنة كالسعودية للتكتل مع تركيا وإسرائيل في مواجهة البلد الذي سيكون الاعتراف العالمي بقدراته التقنية والاقتصادية المتقدمة فرصة لدول الجوار تتيح شراكات حيوية في جميع المجالات .

الفرصة تتوافر للعراق وسورية ولبنان واليمن بتوافر الإرادة السياسية الوطنية ولكن المحكومين بعقدة الخصومة والاستعداء تحت تأثير التحريض الصهيوني يتحركون لإشعال حروب جديدة تحت عنوان التصدي للنفوذ الإيراني بينما تثبت الأيام ان ذلك النفوذ ليس إلا حضورا متجددا في دعم الحكومات والشعوب والحركات والقوى التي تقاوم إسرائيل وتخوض اليوم معارك الوجود ضد عصابات الإرهاب والتكفير .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى