العبرة الكورية والنفاق الأميركي
غالب قنديل
لا يبخل دونالد ترامب بعبارات المديح المفرط للزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون الاشتراكي الماركسي وحفيد الزعيم الكوري التاريخي كيم إيل سونغ الذي بنى قواعد التنمية الكورية وأسس الجمهورية الشعبية على فكرتي العداء للاستعمار والاعتماد على الذات وهو ترامب نفسه الذي يمتدح بسخاء نموذج التنمية الفيتنامي الذي بناه شيوعيون قاتلوا الإمبريالية الأميركية وقدموا دماء وفيرة لتحرير بلادهم.
وبالمقابل يرضخ دونالد ترامب بكامل عنجهيته ووقاحته امام الصين العظمى وزعيمها الشيوعي كذلك بعدما فشل في شن الحرب التجارية التي شكلت محورا مركزيا في حركته العالمية لتوطيد دعائم الإمبراطورية الأميركية وهيمنتها على العالم أمام التحدي الذي تمثله القوى العالمية الصاعدة في الشرق.
الإمبراطورية الأميركية تملك إمكانات عسكرية واقتصادية لايمكن مقارنتها بالقدرات الكورية الشمالية لكنها أرغمت بعد تهديداتها الوقحة على الذهاب إلى التفاوض خصوصا عندما لمست ان الجدار الافتراضي الذي قسمت به شبه الجزيرة الكورية منتصف القرن الماضي يتصدع ويوشك ان ينهار لتنبثق قوة اقتصادية وعسكرية عملاقة شرقية وعالمية من شبه الجزيرة الكورية التي يميل شعبها في الشطرين لدعم شعار كيم الجد عن إعادة توحيد كوريا وحيث استطاعت القيادة الكورية الشمالية مد جسور معنوية ومادية مع أشقاء الشطر الجنوبي تثير قلق الغرب وقيادته الأميركية فذلك التقسيم كان جزءا من خطط الهيمنة الاستعمارية الغربية في آسيا وفي زمن الحرب الفيتنامية التي ساهمت خلالها كوريا كيم إيل سونغ بقوة في دعم الرفاق الفيتناميين.
كان الكشف عن صاروخ كيم النووي العابر للقارات كافيا لإقناع ترامب وعصابة الحرب في البنتاغون بأن التفاوض هو خيار قسري مع بيونغ يانغ وبأن التهديد لا ينفع لأن لدى كوريا قوة ذاتية رادعة لا يستهان بها إضافة إلى تحالفاتها وشراكاتها الوثيقة مع الصين ومع روسيا كابوسي عصابة الهيمنة الأميركية.
الدرس لجميع شعوب العالم مجددا ان قوى الهيمنة الاستعمارية وأشدها صلافة لا تفهم سوى لغة القوة وان طريق المقاومة والصمود التي اختارها الصينيون والفيتناميون والكوريون خلال القرن الماضي هي التي تفرض بعد عقود من الزمن مضت على انتصارات هذه الشعوب وتحررها ان يذعن القادة المتغطرسون للتوازنات وللغة القوة وها هم يمتدحون من حاربوهم بكل بسالة طلبا للتعاون والشراكة.
الحزم الكوري في التفاوض يثيرالإعجاب فقد اعترفت مراكز تخطيط السياسيات في واشنطن وخصوصا مؤسسة راند الأقرب إلى المؤسسة الحاكمة بأن كيم جونغ اون فرض إيقاع التفاوض على ترامب فحصر النقاش بمبادرات صغيرة تحت شعار بناء الثقة ولجم اندفاع الضغط الأميركي المكثف إلى المطالبة بنزع السلاح النووي فاحتفظ الكوريون بقوتهم التي اجبرت الوحش الأميركي على الرضوخ لخيار التفاوض ورسموا مسارا يناسب مصالحهم وحصروا التفاهمات الممكنة باتفاقات تجارية محدودة وبمناخ من العلاقات العامة يمكنهم استثماره في تسريع الجهود لإعادة توحيد الكوريتين وبناء الدولة الوطنية الموحدة بعد تعطيل آلة التخريب الأميركية.
الدرس البليغ هو اننا في عالم لا يفهم غير لغة القوة وان من يمتلك القوة الهجومية والقدرة الدفاعية يمكن ان يحمي بلاده ويردع الغطرسة الاستعمارية وينتزع الاعتراف الإمبريالي الأميركي والغربي وهذا هو طريق الدفاع عن الشرق الذي اختطته سورية وإيران وسائر اطراف محور المقاومة ولا ينبغي ان يتردد أي كان في الإعلان أن بناء المزيد من القدرة وامتلاك المزيد من القوة لجميع أطراف محور المقاومة هو الغاية القومية والوطنية النبيلة لشعوب الشرق الطامحة إلى التخلص من الهيمنة الاستعمارية الصهيونية الرجعية وإلى تحقيق التنمية المستقلة والازدهار المنشود لبلدان المنطقة.
القوة هي ضمانة المستقبل وهي اداة الإقناع الأشد فاعلية في غابة من قطاع الطرق واللصوص الدوليين الذين تقودهم الإمبراطورية الأميركية وتتقدمهم إسرائيل التي تهدد مصير المنطقة برمتها انطلاقا من فلسطين المحتلة .
نعم نحن في لبنان البلد الصغير نريد مزيدا من السلاح والقدرة للجيش اللبناني من مصادر غير أميركية او غربية فلتكن صينية وكورية وروسية ونريد مزيدا من القوة القاهرة بيد حزب الله المقاوم وفي أيدي مجاهديه على أرض لبنان وعلى كل أرض عربية انتدب مجاهديه إليها ليساهموا في صراع قومي وعالمي في طبيعته ولا يمكن كسبه إلا بمراكمة المزيد من القوة والقدرة بأيدي جميع القوى التحررية التي تناضل ضد الهيمنة في المنطقة وفي العالم…
نتمنى مزيدا من القوة العسكرية المتطورة والصناعات الحربية المتقدمة في سورية وإيران ونرجو لروسيا الشقيقة التي بذلت دماءا وتضحيات دفاعا عن شرقنا من الميدان السوري ان تكون قوة عملاقة تردع الغطرسة وتبدل التوازنات في العالم فهذا الإمبريالي القذر الذي يشن الحروب ويدير آلة العدوان في كل أنحاء العالم يركع امام القوة القاهرة ويبدع في مجاملاته المنافقة وهاهو يبتذل الغزل في كلماته عن القادة الشيوعيين في الصين وفيتنام وكوريا لمجرد ان اطلت عيونهم الحمراء تنذر اوغاد الاستعمار الأميركي وتبرز عناصر قدرتها الاقتصادية والتكنولوجية والدفاعية فالإمبراطورية المتغطرسة المتنمرة تشبه الأزعرالذي تلقى صفعة كف قاسية فقال لمن تحدى تصرفاته : حدثني هكذا بهدوء من البداية كما تقول الرواية الشعبية المتداولة في لبنان .. الإمبريالية نمر من ورق كما قال ماوتسي تونغ الذي أسس إمبراطورية عظمى شقت طريق التقدم والتفوق بقدراتها الذاتية وباعتمادها على شعبها وإرادته التحررية.