المجلس الدستوري أسقط روح الديمقراطية ناصر قنديل
– لا ينفع في تلميع قرار المجلس الدستوري بربط إبطال نيابة النائب ديما جمالي مشفوعة بإعادة الانتخابات النيابية عن مقعدها على أساس النظام الأكثري، أن يُصدر تيار المستقبل وكتلته النيابية بياناً شديد اللهجة يصف فيه قرار الدستوري بالكيدي والمسيّس، فأبسط إدراك سياسي وانتخابي يوصلنا إلى أن رد الطعن بنيابة جمالي كان أقل فائدة وأكثر ضرراً لتيار المستقبل من إبطال النيابة وإعادة الانتخابات على المقعد وفقاً للنظام الأكثري، وتيار المستقبل سيذهب للانتخابات بعدما تشكّلت حكومة برئاسة رئيسه، وتوزير وزيرة داخلية من طرابلس من حصة التيار، وترصيد شراكة التيار الوزارية مع كتلتين طرابلسيتين أساسيتين هما كتلة الرئيس نجيب ميقاتي وكتلة النائب السابق محمد الصفدي، بما يتيح له أن يعزل عبر التحالف معهما في الحكومة، خصماً وحيداً في طرابلس هو النائب فيصل كرامي وحلفاؤه، ليخوض معركة على مقعد واحد وفقاً للنظام الأكثري يظهر فيها قوته، ويستعرض زعامته المطعون بها وفقاً لنتائج الانتخابات التي فشل في حصد أغلبية مقاعد الدائرة فيها كما جرت العادة، وكان مجرد أول بين متساويين عملياً، بنيله خمسة مقاعد صاروا أربعة، من أصل أحد عشر مقعداً، فيخرج بفوز يقول فيه إنه يمثل ثلثي طرابلس لا ثلثها فقط، وأي هدية ينالها تيار المستقبل ستكون أعظم؟
– لا ينفع بالمقابل تذرّع المجلس الدستوري بأنه غير معني بما سيترتّب على قراره من نتائج، فيقول إن هذه ليست مسؤوليته بل مسؤولية الناخبين وفقاً لإعادة الانتخاب التي قرّرها، وهو يعلم أن الناخبين سيكونون مدعوين للانتخاب، وفقاً لغير النظام الذي انتخبوا على أساسه، وقاعدته النسبية والدائرة الواسعة، بينما تتم الإعادة وفقاً للنظام الأكثري وفي الدائرة الصغرى، ما يعني أن ما سيجري ليس إعادة للانتخاب، بل انتخاب مختلف وفقاً لنظام مختلف ودائرة مختلفة، والمجلس الدستوري معني مرتين بما سيجري، وما كان يمكن له فعله، فهو مجلس دستوري معني بما أسماه صحة العملية الانتخابية كركيزة للنظام الانتخابي، ومعلوم للمجلس الدستوري جوهر ما أراده المشترع من اعتماد النظام النسبي، وهو ضمان صحة التمثيل، وخصوصاً ضمان تمثيل الأقليات التي يحرمها النظام الأكثري من فرص تكافؤ الفرص، وما فعله المجلس الدستوري طعن بهذا الجوهر. وكان كافياً بمجرد أن برز الفارق في الأصوات ترجيحاً ولو بسيطاً لصالح الأقلية أن يعتبر المجلس الدستوري حسم المقعد لمرشح هذه الأقلية ترجمة لروح وجوهر القانون النسبي، رافضاً السير بإعادة الانتخابات على المقعد وفقاً للنظام الأكثري، بما يصيب صحة التمثيل بخلل جوهري تناقض ما أراده المشترع من القانون القائم أساساً على اعتماد النسبية.
– يعرف المجلس الدستوري أن خيار إسقاط النيابة مربوط حكماً بفوز المنافس المقابل الأقرب للخاسر المبطلة نيابته، وأن الخيار البديل بإعادة الانتخابات يتم إذا كان المجلس الدستوري قد وجد أن العملية الانتخابية برمتها كانت عرضة للتلاعب وكثرت فيها الأخطاء والمخالفات بحيث يصعب البتّ بفوز مرشح أو أكثر، وفي هذه الحالة وجمعاً بين معادلتي إبطال العملية الانتخابية والوفاء لروح القانون النسبي وصحة التمثيل التي تشكل جوهر ما يعتبره المجلس الدستوري مهمته السامية، كان أفضل للمجلس الدستوري أن يذهب لإبطال العملية الانتخابية في الدائرة كلها ويعيد الانتخابات فيها على أساس القانون النسبي.
– قد يكون مفيداً بعد التفكير أن تقرر لائحة الكرامة أمام هذه المهزلة الدستورية العزوف عن خوض الترشيح إعلاناً للإضراب السياسي والانتخابي بوجه قرار المجلس الدستوري المجحف بحق الديمقراطية، سواء كان السبب سياسياً أو نتاج حسابات خاطئة للمسؤوليات. هذا مع العلم أن الكلام عن قرار خسارة تيار المستقبل للمقعد الخامس في طرابلس كان في التداول منذ شهور، وليس سهلاً الاقتناع بأن التأخير بقرارات الدستوري لما بعد تشكيل الحكومة وتسديد فواتير التحالفات الانتخابية فيها وزارياً، جرى بالصدفة، ولتفز جمالي بالسياسة، أي بالتزكية، طالما أن القرار الدستوري لم يُنصف الديمقراطية، بل استعمل مفرداتها ليطعن روحها.