فيصل كرامي و”الزواج المدني”: مصطلح مستورد من الثقافة الغربية
حاضر الداعية المصري الشيخ خالد الجندي عن“الزواج المدني” (آذار 2013) بدعوة من مؤسسات الكرامة للعمل الخيري في طرابلس، وذلك في قاعة المؤتمرات في معرض رشيد كرامي الدولي، بحضور وزير الشباب والرياضة فيصل كرامي، مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ محمد رشيد قباني ممثلاً برئيس محكمة طرابلس الشرعية القاضي الشيخ سمير كمال الدين، مفتي عكار الشيخ زايد بكار زكريا، المفتي طه الصابونجي، رئيس المحاكم الشرعية السنية السابق الشيخ ناصر الصالح، أمين الفتوى في دار الفتوى الشيخ محمد امام، الوزير السابق سامي منقارة، المشرف العام لجمعية العزم عبد الآله ميقاتي، مدير مكتب الرئيس عمر كرامي عبد الله ضناوي، سعيد العويك ممثلاً قيادة الجماعة الاسلامية في لبنان، امين عام حركة التوحيد الاسلامي الشيخ بلال شعبان، رئيس حزب الشباب والتغيير سالم يكن، رئيس مجلس ادارة معرض رشيد كرامي الدولي حسام الدين قبيطر، رئيس اتحاد بلديات الفيحاء الدكتور نادر الغزال، رئيس بلدية الميناء محمد عيسى، رئيس بلدية البداوي حسن غمراوي وحشد من رؤساء الأحزاب والحركات والجمعيات الاسلامية والوطنية والاجتماعية ورجال دين وأعضاء مجالس بلدية واختيارية ونقابات المهن الحرة ونقابات العمالية وهيئات المجتمع المدني ووفود شعبية طرابلسية.
بعد آية من القرآن الكريم للمقرئ الشيخ رشيد الشعار رحب عريف المحاضرة رئيس منتدى الحوار اللبناني الاسلامي الشيخ محمد خضر بالداعية الجندي في رحاب الفيحاء، شاكراً للوزير كرامي جهده المبارك لاطلاع الرأي العام الطرابلسي واللبناني والعربي عن أحكام الدين في قضية شائكة كقضية الزواج المدني.
ثم تحدث الوزير كرامي فأكد“وجود ضوابط للزواج في الشرع الاسلامي”، ولفت الى“أن مصطلح الزواج المدني مستورد من الثقافة الغربية في صراعها مع الزواج الكنسي، ومن يدقق بعقل واع يدرك أن الزواج في الاسلام هو عقد مدني بامتياز يحرسه ويصونه شرع الله حفظاً للحقوق والواجبات”،
وقال:“الحمد والشكر لله تعالى الذي يسر لنا هذا اللقاء الطيب مع ضيف عزيز من مصر الحبيبة أحب طرابلس وأهلها وقال فيها وفيهم: “يا أهل طرابلس لكم منزلة في قلبي حفرت فيه حفراً”… ونحن بدورنا نرد التحية بأحسن منها ونقول له:أيها الأزهري والعالم والامام والخطيب والداعية لك أرفع المنازل في القلوب والعقول وها طرابلس تبادلك حباً بحب، فأهلاً بك بين أهلك، أهلاً بفضيلة الشيخ خالد الجندي.
لست هنا لأشيد بمزايا خالد الجندي المتخصص في علوم الحديث الشريف وصاحب المؤلفات الهامة في شتى المواضيع الفقهية، ولكن هذا الرجل أعزه الله بموهبة النطق بلسان قومه وأسلوب عصره في كل ما يخدم الاسلام والمسلمين، حتى ليصح القول ان منهجه في الدعوة هو خير تجسيد لقوله تعالى في كتابه العزيز:“ولكل أمة جعلنا منسكاً هم ناسكوه”، صدق الله العظيم”.
أضاف:“اني متشوق مثل كل الحاضرين للاصغاء الى الشيخ خالد، ولن أطيل في الكلام، والأهم اني لن أقحم السياسة لا من قريب ولا من بعيد، في هذه الأمسية العطرة.
ما أريد قوله هو بسيط وسريع…وهو لسان حال مسلم ملتزم لا أكثر ولا أقل. أنا تعلمت أيها الأخوة والأخوات أن ديننا مقاصد ووسائل، وفي المقاصد له صلابة الفولاذ، وأما في الوسائل فله نعومة الحرير.
نعم، تعلمنا اسلامنا والتزمنا به ومارسناه على قاعدة ان نتشبث بالعقائد والمقاصد العظمى، ولكن بالمقابل أن نبحث في الوسائل بما يتلاءم مع عصرنا وزماننا، لا سيما وان الاسلام يسر لا عسر، والتيسير هو نهج أمرنا به الرسول محمد، صلى الله عليه وسلم، شرط أن يوافق هذا التيسير كتاب الله وسنة نبيه.
واني في هذه المناسبة الطيبة، أثني على جهود المشرفين على مؤسسات الكرامة، هذه المؤسسات التي تنشط في الميادين الاجتماعية والصحية والتربوية والثقافية والكشفية والرياضية وفي كل ما يخدم مجتمعنا الطرابلسي والشمالي، ولكنها ايضاً معنية بكل ما يطرأ من مسائل تثير جدلاً في المجتمع، لا سيما اذا كان الأمر يتصل بشأن ديني وفكري واجتماعي مثل الزواج المدني وما يثيره اليوم في لبنان من جدال واسع…وهنا أؤكد أن مؤسسات الكرامة لا تخشى خوض أي جدال على المستوى الفكري، بل لعل من واجبنا ان نبين لمن نخالفهم الرأي وجهة نظرنا وان نحاول اقناعهم بالعلم والحجة والمنطق، هذا مع تأكيدي على تمسكنا الثابت بأحكام الشريعة التي تحتمل الكلام حولها ولكن لا يمكن ان نعدل او نغير فيها حرفاً واحداً”.
وختم الوزير كرامي:“لن أتطرق الى موضوع المحاضرة وهو“موقف الاسلام من الزواج المدني”، ولكني حسب فهمي المتواضع للدين وللشرع، أنا اعرف أن لدينا ضوابط للزواج، وهو باختصار ايجاب وقبول ولا يصح الا بولي وشاهدين واشهار، ومتى تحقق ذلك صح الزواج وليسمونه كما يشاؤون…لكنه حتماً ليس زواجاً دينياً، بل لعله أول زواج مدني في التاريخ…من هنا ألفت النظر الى هذه المغالطة التي تجعل من الزواج في الإسلام مناقضاً للزواج المدني، والحقيقة أن مصطلح“الزواج المدني”مستورد من الثقافة الغربية في صراعها مع الزواج الكنسي، ومن يدقق بعقل واع يدرك ان الزواج في الاسلام هو عقد مدني بامتياز يحرسه ويصونه شرع الله حفظاً للحقوق والواجبات، ولكن يترك للمتعاقدين حرية أن يتعاقدوا على ما يناسبهم ويتلاءم مع ظروفهم.
أكتفي بذلك معتذراً من الضيف العزيز لأنني طرحت أفكاراً هي في الحقيقة بمثابة أسئلة نريد أن نستنير بأجوبته عليها…وحسبي أن اقول ختاماً:أيفتى وخالد في المدينة؟ أهلاً بكم في معرض رشيد كرامي الدولي، وشكراً لكل الحاضرين الذين يقدمون اليوم صورة مشرقة للمجتمع الطرابلسي. وأهلاً بالشيخ خالد في مدينته طرابلس. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته”.
ثم قدم الداعية الجندي في محاضرته الأدلة والبراهين“المرتكزة على كلام رب العالمين في القرآن الكريم وكلام سيد الخلق النبي الأكرم محمد صلى الله عليه وسلم، والتي تبين أن الدين الاسلامي كل لا يتجزأ، وهو سلسلة فقرات مترابطة لا انفصام بها، فمن فرط في احداها فكأنما فرط بالدين كله، وهكذا فإن دعاة الزواج المدني انما يهدفون الى ضرب الدين الاسلامي من جذوره عبر استهدافهم مؤسسة الأسرة التي من خلالها يصلح المجتمع وتستقيم كل الأمور في الدنيا والآخرة”، وأيد الشيخ الجندي الفتوى التي أطلقها مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ محمد رشيد قباني حيال الزواج المدني واعتباره“كل من يؤمن أو يعمل به، ويقبله ولا يرفضه فهو مرتد ولا يدفن في مقابر المسلمين”.
وعلى مدى 90 دقيقة من الوقت“تسمر الحضور من نساء ورجال يمثلون مختلف شرائح طرابلس والشمال ومن كل الأعمار، سياسيون ورجال دين، هيئات مجتمع مدني وأحزاب دينية ووطنية وجمعيات متنوعة شعبية يستمعون بشغف بكل كلمة يتلفظ بها الداعية الجندي.
واعرب الجندي عن سروره للتحدث عن“قضية لها ارتباط بكل مفاصل الحياة الدنيوية والدينية، عندما وجهت لي هذه الدعوة من قبل الوزير الشاب المضياف فيصل كرامي، الذي أدعو له ولعائلته بالخير، سعدت كثيراً كوني سأزور طرابلس مدينة العلم والعلماء المدينة الاسلامية، وأدرك جيداً أنني لن اضيف الى معلومات أي عالم منكم أو أي عالم من مشايخ لبنان في حديثي عن الزواج المدني، لكني جئت للتأكيد على أن كل العلماء في لبنان وفي مصر وفي العالمين العربي والاسلامي يرفضون العبث بالشريعة الاسلامية ويرفضون العبث بالمقدسات وبالقرآن وبالتراث الفقهي المستند الى الكتاب والسنة وأرجو أن تصل رسالتي الى كل الناس والى من يعنيهم الأمر”. وقال:“تنقسم محاضرتي الى ثلاثة محاور:
الأول هو بيان معنى الدين والشرع وعلاقته بالزواج المدني. والمحور الثاني هو في خطورة الفتوى بغير علم وأهمية صناعة الفتوى لترشد الناس. والمحور الثالث هو خطورة ما يسمى بالزواج المدني وكأنه عقد في الحياة وما هو بالزواج بقريب، فالقضية قضية مصير دين وليست قضية زواج بين رجل وامرأة، وهناك الكثير من الآيات التي تحدد وتحقق سر وجود الانسان في الدنيا“إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ”، وليس لنا أي الناس مزاج شخصي في اختراع وسن قوانين وضعية تخالف شرع الله، فهناك فارق بين الحرية والعبودية، فالعبد سيده يسر حياته، ونحن عبيد لله وعبوديتنا لله تعالى هي أسمى واشرف ما نحيا من أجله، وبعضهم يقول ان ما يجري في الزواج المدني متوافق مع الزواج الشرعي، ونحن نقول لا فهناك الكثير الكثير من المغالطات والمخالفات في الزواج المدني أولاها أن الزواج المدني يخالف قوله تعالى“يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم”، وجاءت طاعة اولي الأمر مقرونة بطاعة الله ورسوله، فإن جاءت أوامر أولي الأمر مخالفة لأوامر الله ورسوله فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق”.
وأكد أنه لا يجوز للمسلم أن يختار بين الدين الاسلامي وغيره“وما كان لمؤمن ولا مؤمنة اذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبينا”. ولفت الى أنه لا يجوز أن يتحاكم الزوج والزوجة بغير شرع الله“ألم تر الى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل اليكم وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا الى الطاغوت”، الزواج المدني وأحواله الشخصية مخالف لأحكام الشريعة في الطلاق والتبني وعدة المرأة وتشرع الهجر وتثبت النسب من الزنا، ولا تعترف بالرضاع المحرم، فالرجل في الزواج المدني يتزوج من اخته في الرضاعة، والشرع أكد عدم وجود فرق بين رابط الرضاعة ورابط النسب”.
وأشار الى أن الزواج المدني يدمر الأسرة فهو ينزع حق الزوج بقيادتها وينسف ضمانات المرأة من حيث المهر ودور الأهل والمجتمع وينقل هذا الحق الى غريب عنها(القاضي)ويدمر المشاعر(الغاء العدة)ويلغي وصية الجد عند غياب الأب ويضيع الأنساب(الغاء العدة واثبات التبني الكامل والنسب من الزنا)بخلاف الزواج الشرعي الذي حفظ الأسرة طوال 1400 عام في حين دمرها الزواج المدني في أوروبا وأميركا وغيرها من العالم”.
وشدد على“أن الفتوى تحمي الدين وعلى المفتي أن يتمتع ويتحصن بـ75 قاعدة اصولية لا بد أن يكون الذي يتعرض للافتاء ملماً بها، وعقد الزواج أسمى عقد في الحياة والاسلام مبني على العقائد والشرع، والعقود مبنية على عقد النكاح واذا انهار عقد النكاح انهار كل الدين الاسلامي الحنيف، والزواج يحتاج الى الارتياح النفسي والى الحب والحنان والى الرحمة وهذه ثلاثة جدران، واذا اتقى كل من الزوج والزوجة يرفع الله الجدار الرابع كون كل سقف لا بد له من أربعة جدران. والدين الاسلامي أكرم المرأة وأعطاها كامل حقوقها وخص هذه الحقوق في قوله تعالى“وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً”. ومعنى ذلك أيها الرجل احفظ المرأة كما تحفظ نفسك وكل قضايا الحياة تنطبق على هذا المقياس ولا يجوز أن يقال“حق الزوج”و”حق الزوجة”بل“حقوق زوجية”، وقوامة الأسرة للرجال بمعنى أن أن القوامة هي لخدمة النساء وليس لاهانتها، فالرجل ليس أحسن من المرأة عند الله،“إنا خلقناكم من ذكر وأنثى”. والسؤال ماذا يراد بعقد نكاح يخالف الحال المتعارف عليها في الدين في كل العالم، فأي عقد يخالف شرع الله ورسوله لا قيمة له وما يراد وضعه على الناس فيه الكثير من الشوائب والعثرات وهو يخالف شرع الله في جوانب متعددة كما ذكرت من حيث الزامية تطبيق العقد ومنع تعداد الزوجات والزواج من الأخت بالرضاعة والنفقة وما الى ذلك وهذا يخالف مخالفة صريحة للكثير من الايات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة”.
وقال:“من وضع ما يسمى“الزواج المدني”همه تدمير الأسرة المسلمة، وعمله هذا خراب وعبث وشيطان مدني وليس زواج مدنياً بأي حال من الأحوال، وفي المادة 64 من الزواج المدني وفي النسب تحديداً يجوز اثباته مباشرة، وفي الدين من تعجل شيئاً قبل أوانه عوقب بحرمانه. وهنا لا بد أن أحيي وأؤيد وأقف الى جانب مفتي الجمهورية اللبنانية سماحة الشيخ محمد رشيد قباني عندما أفتى على من قبل بالزواج المدني بالردة. فالدين كل متكامل ولا ينفع أن نقوم ببند من بنوده ونترك البند الآخر وتأشيرة الدخول الى الاسلام هي الالتزام بكل أوامر الله سبحانه وتعالى والالتزام بأوامر رسوله واوامر أولي الأمر، ومن يرفض أوامر الله في الزواج فليس له تأشيرة دخول الى الاسلام، والاسلام براء من ذمته ولا علاقة للاسلام بكل من يشجع أو يؤيد أو يعمل بهذا الزواج المدني، وما يقال عنه اليوم ببدعة“الاختياري”فسيتحول بعد تدمير الأسرة الى“الالغاء”عند تكاثر المشاكل والتناقض مع الزواج الديني عندها يطلبون الزامية هذا الزواج عبر الغاء المحاكم الشرعية وهو ما لن يحصل على الاطلاق بوجود الكثير من حماة الدين الإسلامي الحنيف.
وفي الختام قدم الوزير كرامي درعاً تكريمية للداعية الشيخ الجندي.