معركة “البنيامينَين” في إسرائيل: بين نتنياهو وغانتس ديفيد ماكوفسكي
11 شباط/فبراير 2019
في الوقت الذي يسعى فيه رئيس الوزراء الإسرائيلي بينامين نتنياهو إلى الفوز بولاية خامسة في الانتخابات الإسرائيلية المرتقبة في التاسع من نيسان/أبريل، قد يواجه أشد منافسة له في التاريخ الحديث أمام الرئيس السابق لهيئة الأركان العامة لـ “جيش الدفاع الإسرائيلي” بيني غانتس. وثمة عدة عوامل شائعة قد تلعب دوراً محورياً في الأداء الذي سيسجله غانتس وحزبه الجديد “حصانة لإسرائيل” في صناديق الاقتراع.
السيرة الذاتية والهيبة العسكرية
يعود جزءٌ من جاذبية غانتس إلى كونه يمثّل إسرائيل القديمة بقيمها المتمثلة بالتواضع والخدمة العسكرية. فقد ترعرع في مزرعة جماعية صغيرة (أو “موشاف”) من والدين نجَيا من المحرقة اليهودية، ثم كرّس حياته لـ “جيش الدفاع الإسرائيلي”. وبفضل مظهره الجذاب وشخصيته الرصينة، تراه يجسّد نموذج المحارب الإسرائيلي المثالي – شأنه شأن الشريط المصوَّر لحملته الانتخابية الذي يسلّط الضوء على عدد الإرهابيين الذين قُتلوا خلال حرب غزة عام 2014، عندما كان غانتس كبير جنرالات إسرائيل.
ولكنّ هذه السيرة الذاتية، مقرونةً بالاحترام الذي يطبع إلى حد كبير نبرة غانتس تجاه منافسه الرئيسي، قد تكون نذير شؤمٍ لنتنياهو الذي لم يخسر حزبه “الليكود” إلا ثلاث انتخابات وطنية خلال السنوات السبع والعشرين الماضية، حيث تكبد اثنتان من هذه الخسارات بوجه رؤساء سابقين لهيئة الأركان العامة. أضف إلى ذلك أنه خلال السنوات العشر الماضية له في الحكم لم يواجه نتنياهو أي شخصية عسكرية شكلّت تحدي انتخابي رئيسي له حتى الآن. وقد ضمّ غانتس إلى تحالفه رئيساً سابقاً آخر من رؤساء هيئة الأركان العامة هو موشيه يعلون، ويسعى إلى جذب رئيس أركان أسبق ثالث هو غابي أشكنازي. والمعبّر في الأمر هو أن غانتس ونتنياهو يسجلان مستويات متساوية في استطلاعات الرأي العام عن الشخص الذي يعتبر الأكثر ملاءمة لتولي منصب رئيس الوزراء – وهذه هي المرة الأولى التي يحدث فيها ذلك منذ عدة دورات انتخابية.
هوية سياسية جذابة
لا يقتصر هدف غانتس من إضافة يعلون إلى قائمته الانتخابية على ضمّ شخصية عسكرية رفيعة إلى صفّه، بل يشمل أيضاً تكوين هوية سياسية تجذب الناخبين الوسطيين وأولئك من يمين الوسط. ويُعرف عن يعلون وبعض الأعضاء البارزين الآخرين على لائحة غانتس البرلمانية المقترحة بانتمائهم إلى اليمين، وهذا هو التوجه الذي أصبح الرأي العام الإسرائيلي يميل نحوه منذ اندلاع أحداث العنف الفلسطينية على نطاق واسع بين عامَي 2000 و2004. وما عزز هذا التوجه هو بيئة التهديد التي يسببها كلٌّ من إيران و«حزب الله» و«حماس». ووفقاً لـ “مركز غوتمان لبحوث الرأي العام والسياسات” التابع لـ “معهد الديمقراطية الإسرائيلي”، يعرّف 63 في المائة من اليهود الإسرائيليين أنفسهم بأنهم ينتمون إلى اليمين بدرجة ما.
ويسعى غانتس إلى الوصول إلى هؤلاء الناخبين برسالة تشدد على القضايا الأمنية المؤثّرة، من بينها تمسّك إسرائيل بوادي الأردن والرغبة الشعبية السائدة في الحفاظ على السيطرة على القدس غير المقسمة. ورداً على ذلك، اتهمه نتنياهو بأنه “يساري”، دون تقديم أي أدلة سياسية. حتى أن مستشاري رئيس الوزراء يستخدمون هذا المصطلح بازدراء ضد شركاء سابقين في حزب “الليكود” أمثال يعلون، سعياً منهم إلى إظهار أي معارضة لنتنياهو بشأن المسائل الجوهرية على أنها مؤشر على انعدام الوطنية.
وبالتالي، امتنع غانتس عن طرح توصيات محددة حول السياسات المتعلقة بمسائل معينة، خوفاً على ما يبدو من استغلالها من قبل حزب “الليكود”. على سبيل المثال، على الرغم من أنه سبق وأشار إلى أن الوضع القائم مع الفلسطينيين لا يخدم مصلحة إسرائيل، تحدّث بغموض بحت عن هذه المسألة في الكلمة التي ألقاها في 29 كانون الثاني/يناير بمناسبة إطلاق حملته الانتخابية حيث قال إن إسرائيل ستحدد مستقبلها “بنفسها” إذا لم تظهر أي آفاق للسلام. ولكن حتى هذه الكلمات المبهمة تغذّي تعليقات منتقديه الذين يجادلون بأنه يفضل الانسحاب من مستوطنات الضفة الغربية الواقعة خارج الجدار الأمني. وحين يدعو إلى تدعيم التجمّعات الاستيطانية داخل الجدار الفاصل حيث يعيش معظم المستوطنين، يعتبر هؤلاء النقاد نفسهم ما يقوله بأنه أسلوب “يقوم على رؤية النصف الفارغ من الكأس“.
الموعد المحدد للانتخابات يولّد فرصاً
يسعى غانتس إلى اكتساب الزخم الكافي لحملته الانتخابية بحلول 22 شباط/فبراير، الذي هو الموعد النهائي المحدد لتقديم لوائح مرشحي الأحزاب (يجدر بالذكر بأنه في الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية، يصوت المواطنون للقوائم، وليس للمرشحين الفرديين). وباستخدامه هذا الموعد كورقة ضغطٍ، يهدف غانتس إلى دمج لائحته مع تلك التي يترأسها الزعيم الوسطي يائير لبيد وحزبه “ييش عتيد” (“هناك مستقبل”). وتشير استطلاعات الرأي إلى ارتفاع حاد في تأييد هذا الجنرال في أعقاب خطابه الافتتاحي، مقترنة بالشكوك حول افتقار لبيد إلى الخبرة العسكرية. ولذلك يعتقد غانتس أن منافسه يجب أن يرضخ لمشاعر الجمهور ويدعه يترأس قائمتهما المشتركة المقترحة.
إلّا أن لبيد يترشح لهذه الانتخابات للمرة الثالثة، وحزبه منتشر في جميع أنحاء البلاد، كما أنه يعلم عن سابق تجربة أن الرأي العام قد يكون متقلّباً. وعلى الرغم من أن غانتس يتقدّمه بـ 23 مقعداً مقابل 9 في معظم استطلاعات الرأي الأحدث، فقد يعتقد لبيد أن هذه الأرقام ستتغير بشكل ملحوظ بعد اشتداد تدقيق وسائل الإعلام [بما يقترحه] الجنرال [من أمور سياسية]. وبناءً على ذلك، من المرجح أن تستمر مفاوضات الدمج بين الطرفين حتى اللحظة الأخيرة، خاصة وأن حزبيهما المبتدئين لا يستلزمان إجراء تصويت داخلي للموافقة على مثل هذه القرارات.
ومن المثير للاهتمام أن استطلاعات الرأي تشير أيضاً بأنهما إذا ترشّحا على قائمة واحدة سيفوزان بمقاعد أكثر مما إذا ترشحا على قائمتين منفصلتين (36 مقعداً مقابل 32). وبخلاف الحكمة التقليدية المتداولة في السياسة الإسرائيلية بأنه من الأفضل أن تنتظر الأحزاب حتى انتهاء الانتخابات لتوحيد الصفوف، يبدو الآن أن العديد من المشاركين في استطلاعات الرأي يريدون حزباً واحداً موحّداً يتحدى نتنياهو خلال الحملة الانتخابية. وعلى نحو مماثل، اشترط الجنرال أشكنازي بأن يتم دمج القائمتين قبل الانتخابات لكي يشارك فيها. وحتى إذا مانع لبيد هذا الدمج، من المرجح أن يكرر التزامه السابق بالعمل مع غانتس بعد الانتخابات.
في انتظار لوائح الاتهام
إذا وضعنا خطوات المعارضين جانباً، فإن السؤال الأكبر الذي يطرح نفسه حول الحملة الانتخابية هو ما إذا كان المدعي العام أفيشاي ماندلبليت سيوصي بتوجيه الاتهام لنتنياهو في أيٍّ من قضايا الفساد الثلاث التي يواجهها. فوفقاً لبعض التقارير حثّ مدّعون عامون وقضاة محكمة عليا سابقون، ماندلبليت بأن يعي بأن للجمهور الحق في معرفة ما إذا كان رئيس حكومتهم سيُتّهم قبل أن يدلوا بأصواتهم. وكان المدعي العام قد أشار سابقاً إلى أنه سيتخذ قراره هذا الشهر لتجنب إصدار إعلانٍ بهذه الأهمية في وقت قريب من موعد الانتخابات. وإذا أوصى في الواقع بتوجيه الاتهام لنتنياهو، فقد يحظى غانتس بدفعة كبيرة وسوف تُعزَّز خطابات المعارضة بشأن مكافحة الفساد (على الرغم من أنه لن يتم إصدار لوائح اتهام رسمية إلى أن تُعقد جلسة استماع برلمانية في وقت ما بعد الانتخابات).
لدى نتنياهو أوراقه الخاصة
في الأسبوع الماضي، تحسّنت حظوظ رئيس الوزراء في التصدي لهذه التحديات مع طرح لائحة المرشحين الرسمية لحزب “الليكود” في أعقاب الانتخابات التمهيدية للحزب. فمعظم هؤلاء المرشحين يتمتعون بشخصيات شعبية محبوبة (على سبيل المثال، رئيس بلدية القدس نير بركات)، في حين تم الاستغناء بشكل كبير عن النواب الحاليين الذين يحفل سجلّهم بالأقوال والأفعال المشكوك فيها.
ومن الأسماء المطروحة اسم جدعون ساعر الذي كان يعتبر سابقاً وريثاً محتملاً لنتنياهو قبل أن يأخذ إجازة من السياسة مع حزب “الليكود” حين بدأ رئيس الوزراء يخشى من التنامي المفرط لشعبيته. وحين عاد ساعر إلى معترك الحملة الانتخابية قبل الانتخابات التمهيدية لحزب “الليكود”، ألمح نتنياهو على نحو مفاجئ بأن وزير التربية السابق قد يقود انقلاباً ضده بعد الانتخابات إذا ما أعلن ماندلبليت عن تقديم لائحة اتهام. ولكن ساعر نفى هذا الادعاء واعتبره افتراءً، ثم سجل أداءً جيداً جداً في الانتخابات التمهيدية، مما يوحي بأن العديد من ناخبي “الليكود” ربما يتطلعون إلى حقبة ما بعد نتنياهو. ولكن من المفارقات أن القوّة الشاملة للائحة الحزب قد تؤدي في النهاية إلى عزل نتنياهو عن التداعيات السياسية لقرارات الاتهام المحتملة.
بالإضافة إلى ذلك، سيستخدم رئيس الوزراء منصبه لتحسين حظوظه بالنجاح، حيث سينخرط في زوبعة من الزيارات الدولية قبل موعد الانتخابات، وأبرزها اجتماعه الوشيك مع الرئيس فلاديمير بوتين بعد فترة طويلة من الجمود الدبلوماسي مع روسيا – وهي علاقة تعتبر ضرورية في ضوء هيمنة موسكو على سوريا ووجود أكثر من مليون مهاجر من سكان الاتحاد السوفياتي السابق في إسرائيل. كما يعتزم نتنياهو زيارة البيت الأبيض في نهاية آذار/مارس، آملاً بلا شك أن يشيد الرئيس ترامب علناً بشراكتهما في نقل السفارة الأمريكية إلى القدس. (وفي إطار حملة “الليكود”، تم تزيين مبنى في تل أبيب بلافتة ممتدة على عدة طوابق يظهر فيها رئيس الوزراء واقفاً إلى جانب ترامب مع شعار “نتنياهو، تحالف رفيع المستوى“).
ومن الرحلات الأخرى المزمعة هي المشاركة في مؤتمرين أمنيين في وارسو وميونيخ، حيث سيكرر نتنياهو على الأرجح معارضته المعهودة لدور إيران المزعزع للاستقرار في الشرق الأوسط ورغبتها في امتلاك أسلحة نووية. وهناك أيضاً مؤشرات على أنه يحث المغرب على دعوته لزيارتها قبل موعد الانتخابات، مما يدل على أنه مهتم في التواصل مع العرب – وهو أمرٌ سيلقى تأييد معظم الإسرائيليين، من بينهم اليهود الشرقيون، الذين ينحدر الكثير منهم من تلك البلاد. ويمكنه حتى أن يسعى لعقد اجتماعات مع القادة العرب على هامش مؤتمرَي وارسو وميونخ.
الخاتمة
بعد التمعن في الايجابيات والسلبيات، قد يفضّل نتنياهو في نهاية المطاف شن حملةً انتخابية تضعه في مواجهة مباشرة مع غانتس. فمن شأن هذه الحملة أن تقلّل من احتمالات تخلّي كل كتلة عن عدد كبير من الأصوات، نظراً لأن المنافسة التي يشارك فيها عدد كبير من الأحزاب الأصغر حجماً قد تؤدي إلى فشل العديد من الكتل في الحصول على عدد كافٍ من الأصوات لاجتياز العتبة الانتخابية ودخول البرلمان. وعلاوةً على ذلك، حتى إذا أصبحت الحملة بين هذين المتنافسين مليئة بالاتهامات المتبادلة، كان غانتس حريصاً على عدم قطع الطريق أمام تحالف محتمل مع نتنياهو بعد الانتخابات، طالما لم تصدر بحقه لوائح اتهام رسمية (مقابل لوائح اتهام معلّقة). وفي كافة الأحوال، سيكون لشهر شباط/فبراير دورٌ حاسم في تشكيل نتائج السباق الانتخابي.
ديفيد ماكوفسكي هو مدير “برنامج العلاقات العربية – الإسرائيلية” في معهد واشنطن، والمؤلف المشارك (مع دينيس روس) للكتاب القادم “كن قوياً وذو شجاعة جيدة: كيف عمل قادة إسرائيل الأكثر أهمية على تحديد مصيرها“.