الفشل الأميركي وصراخ وارسو
غالب قنديل
سيتعذر على أي خبير أميركي او صهيوني أو خليجي أن يبرهن على المكاسب النوعية لمؤتمر وارسو التي يمكن ان تنعكس في ميزان القوى العام بين الولايات المتحدة وإيران في الشرق العربي والإسلامي فالأكيد ان دولة مثل إيران تبدو قوية وكبيرة الحجم والفاعلية إذ تنتزع موقعا نديا في وجه الإمبراطورية الأميركية التي تجعلها هدفا لتحركاتها وبينما هي تعترف علانية بتوسع نفوذ إيران في المنطقة وهي تعترف بذلك بأنها قد فشلت طيلة أربعين عاما في منع توسع علاقات إيران ومدى تأثيرها في البلاد العربية والإسلامية وفي سائر شعوب الشرق وقومياته المتعددة من جوارها الآسيوي.
لاشك ان الإدارة الأميركية حققت في وارسو مكسبا سياسيا بتوسيع دائرة التطبيع العربي الرسمي المعلن مع إسرائيل وهي لم تذلل أيا من العقبات التي تمنع منذ تسعينيات القرن الماضي توسع التعامل مع إسرائيل على نحوما ترغب به تل أبيب وواشنطن معا حتى مع دولة تدور في الفلك الأميركي كالمملكة السعودية التي ذكرت تقارير مراكز رسم السياسات أن عهد تعاونها مع الكيان الصهيوني يعود إلى الستينيات وزمن النهوض الناصري ويقول معهد بروكينغز في آخر تقاريره ان العلاقة الصهيونية السعودية السرية استخباراتيا لم تنقطع حتى خلال حرب تشرين التي فرضت فيها الظروف العربية على قيادة المملكة مساندة المبادرة التي خططتها القيادتان المصرية والسورية على جبهات القتال في الجولان والسويس سياسيا ونفطيا.
خلال أربعين عاما لم توفر الولايات المتحدة ومعها دول الغرب وجميع الحكومات التابعة في المنطقة في حربها على إيران أي وسيلة خشنة او ناعمة وها هو مؤتمر وارسو يشهد تراجع حرارة التراصف الأوروبي خلف القيادة الأميركية الصهيونية للحملة على إيران لأنه خلال العقود الأربعة الماضية تعاظمت اهمية إيران وقيمة ما تمنحه العلاقات معها من فرص اقتصادية وسياسية.
نتيجة الصمود الإيراني والنمو الإيراني السياسي والاقتصادي وتوسع الانخراط الإيراني في قضايا الجوار العربي والآسيوي من موقع تحرري مناهض للاستعمار والصهيونية بدءا من قضية فلسطين وانتهاءا بدور إيران في تدعيم صمود الدول والقوى التي ناضلت ضد غزوة التكفير وقاومت خطط الهيمنة الأميركية في لبنان وسورية والعراق واليمن وغيرها وهذا الجهد الإيراني لم يسهم فحسب في التغييرات الكبرى المتراكمة على صعيد ميزان القوى لصالح محور المقاومة في المنطقة بل هو ما يجعل السلوك الإيراني قادرا على اجتذاب المزيد من التعاطف الشعبي.
يتصاعد وزن الدور الإيراني الداعم لقضية فلسطين بينما يستمر انسداد وشلل الحركة الدبلوماسية الأميركية في المسار الفلسطيني لأنها مبنية على الشروط الصهيونية بدءا من تطويب القدس عاصمة للكيان ورفض الاعتراف بحق العودة في حين تجدد إيران حيوية التزامها بدعم الشعب الفلسطيني وحركات المقاومة وسائر عناصر الطيف السياسي الفلسطيني في وجه الاحتلال الصهيوني والحصار الذي تقوده الولايات المتحدة ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة وسائر بلدان الشتات ويظهر فاضحا وكبيرا مدويا عجز واشنطن وعملائها في المنطقة عن انتزاع أي قرار فلسطيني من أي موقع كان وعلى أي مستوى كان بالحضور إلى وارسو والمشاركة في التظاهرة الأميركية ضد إيران وتماما كما هي حال العجز الأميركي عن تسويق ما يمسى بصفقة القرن عند أي جهة فلسطينية حتى داخل أشد الأوساط تهالكا وتبعية للهيمنة الأميركية وكأنما يلتزم الفلسطينيون جماعيا بتلبية نداء قائد المقاومة العربية السيد حسن نصرالله بعدم إعطاء مخطط التصفية الصهيوني للقضية مشروعية بأي توقيع فلسطيني.
بالمقابل باتت بعض الحكومات الأوروبية وبحسابات مصلحية صرفة تجد نفسها محكومة بالتمايز عن الصلافة الأميركية الصهيونية العدوانية اتجاه إيران وهذا التمايز الذي سطرت بداياته الخلافات بين الولايات المتحدة وحلفائها في الناتو تبلور في صورة حاسمة بعد الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي مع إيران وهو ما كشفه مضمون الإسهام الأووبي وحجمه الهزيل في مؤتمروارسو.
إيران تمكنت بتحالفاتها العالمية والإقليمية وبثقلها الاستراتيجي ان تشق المعسكر الغربي وتصدعه وتثير متاعب كثيرة وتشققات متلاحقة في التحالف الذي لم يهتز للحظة بين الولايات المتحدة وغرب اوروبا منذ الحرب العالمية الثانية وهذه علامة ضعف أميركية كبيرة لم تعوضها حرارة الضغط الذي تمارسه تل أبيب في التجييش ضد طهران وفي حشد لوبيات صهيونية ناشطة في جميع عواصم الغرب تحت شعار محاربة إيران وشيطنتها والعمل لخنقها اقتصاديا وسياسيا.
في الهمروجة الإعلامية تقدمت صور المشاركين الخليجيين والصهاينة التي تعزز اوراق نتنياهو الانتخابية وفي الواقع الفعلي ما يزال الرصيد الأميركي والصهيوني صفرا مكعبا فكل التظاهرات الدبلوماسية لن تبدل من ميزان القوى شيئا وهي لن تفل في عزيمة إيران وسائر اطراف محور المقاومة وهي عاجزة عن حل المعضلات التي تعرقل خطط الحلف الصهيوني الاستعماري في المنطقة العربية حيث الفشل هو سيد الموقف من صعدة إلى بغداد فدمشق فميس الجبل وبيروت.