تفاهم مارمخايل مستمر
غالب قنديل
لم يكن اللقاء في كنيسة مارمخايل بين السيد حسن نصرالله والعماد ميشال عون حدثا عاديا او عابرا ليس فحسب كونه جاء نتيجة جولات من الحوار والنقاش بين طرفين كبيرين في الواقع السياسي اللبناني بما لهما من وزن شعبي ومكانة معنوية وتأثير سياسي بل إن استرجاع شريط الأحداث اللاحقة يثبت لنا بكل قوة ووضوح ان وثيقة التفاهم كانت عهدا شعبيا وسياسيا شكل حصن حماية للبنان امام اخطر زلزالين وهما الحرب الصهيونية في تموز 2006 والأدهى والأشد كارثية غزوة التكفير التي اجتاحت المنطقة عام 2011 وهزت سورية والعراق بأحداث دامية وخطيرة طاولت لبنان وعصفت به امنيا وسياسيا طيلة ثماني سنوات حافلة بالمخاطر.
في الحرب الصهيونية كان التيار الوطني الحر وجمهوره العريض قوة سياسية داعمة وحاضنة للمقاومة ولجمهور جنوبي كبير توزع بين سورية ومناطق انتشار التيار الوطني الحر وتيار المردة والحزب القومي في حين تعرض من لجأوا إلى مناطق اخرى أحيانا إلى التنكيل والترهيب ونهب المساعدات.
كانت المحطة اللاحقة الخطرة التي جابه فيها التيار وحزب الله التحدي معا بعد انطلاق العدوان على سورية الذي وجد فيه حزب الله استهدافا لمحور المقاومة بجميع اطرافه فسورية هي قلعة المحور وقلبه بينما رأى فيه العماد عون استهدافا للمنطقة بأسرها وقرأ في ثنايا غزوة التكفير مخططا لاقتلاع مسيحيي الشرق ولتهجيرهم وهذا ما جعله يتابع تفاصيل يوميات الصمود والمقاومة في سورية بقيادة الرئيس بشار الأسد وكانت القراءة المنهجية المشتركة التي جمعت بين حزب الله والتيار الوطني الحر سبيلا لتشخيص طبيعة المخاطر الوجودية ومن هنا كان العماد ميشال عون شريكا في نسج معادلة سياسية داعمة لدور حزب الله في التصدي لغزوة التكفير والقتال إلى جانب الجيش العربي السوري طيلة السنوات الماضية من موقع الفهم العميق لطبيعة المخاطر والتحديات.
كان ذلك خيارا حاسما اتخذه التيار هجوميا بقيادة الرئيس ميشال عون بينما راهن الاخرون على استنزاف المقاومة ووجدوا في غزوة التكفير فرصة متاحة للتخلص منها ومن حزبها وفقا لما وعدهم به جيفري فيلتمان ولم يحفظوا درس مراهناتهم الخاسرة السابقة كالعادة فحاولوا مرات ان يحرقوا البلد بنار الفتن.
انتظمت حول حزب الله وموقفه ومبادراته الدفاعية في المرتين سلسلة من القوى والأحزاب الوطنية تتصدرها حركة امل وكان الحزب في ذات الوقت مستندا إلى جبل في الداخل وفر له المساندة هو العماد ميشال عون اما القوى المناوئة للمقاومة فدورها في المرتين كان معاكسا ومتناغما مع قوى العدوان بكل أسف ورغم ذلك لم يرد فريقا التفاهم على تلك العدائية التي بلغت أحيانا حد الانخراط المباشر في تصرفات امنية وسياسية وحملات إعلامية تخدم العدو الصهيوني في الحرب الأولى وتسند عصابات التكفير في الحرب الثانية بكل أسف. وفي المرتين تحرك السيد والجنرال لاحتواء التداعيات ومعهما الرئيس نبيه بري الذي أطلق مبادرات الاحتواء الداخلي البارد بعد هزيمة العدوان اولا وثانيا لضمان الاستقرار وإبعاد اخطار الفتن والانشقاقات الداخلية وهكذا كان التفاهم ضمانة استقرار وتدعيم للسلم الأهلي وهو في الواقع وكما يتبين من استرجاع الأحداث كان تفاهما ثلاثي الأضلاع في مفاعيله وبما جسده سياسيا في الحياة الوطنية وقبل ان يتداول توصيف ثنائي امل وحزب الله.
من قلب التفاهم انطلقت مبادرة اعتماد النظام النسبي للاقتراب من عدالة التمثيل في قانون الانتخاب وفي المرات الثلاث أي خلال مقاومة العدوان الصهيوني والتصدي لغزوة التكفير وفي معركة قانون الانتخاب كان الشريك الفعلي لفريقي التفاهم هو حركة امل التي ربطتها علاقة نفور واحتكاك احيانا بالتيار وقيادته طمست وهج محطات اللقاء والعمل المشترك وطوت مبادرات للحوار حول تفاهم ممكن بين الحركة والتيار.
نسجل بالمناسبة تقصيرا من حزب الله والتيار الوطني الحر في توطيد مناخ التفاهم شعبيا وعدم تطوير حوارات وصيغ مشتركة مع حركة امل وتيار المردة والحزب السوري القومي وسائر القوى الوطنية المكونة لمعسكر الثامن من آذار وهذه مهمة قيادة الحزب قبل غيرها رغم حدية النزاعات الجانبية والمناكفات في هذا المعسكر الداعم للمقاومة والحليف لسورية بجميع مكوناته بدلا من البقاء على توليفة “حليف الحليف “.