تركيا تخنق «الخاشقجي» وتغازل الكرد!: د. وفيق إبراهيم
تركيا في الحلقة الصعبة من مشروعها، وفرصُ استمرارها في المناورة والغموض لم تعد مقبولة بعد الاستعداد الأميركي للانسحاب من شرق سورية وشمالها. أصبح مطلوباً من قيادتها الالتزام بما وعدت به في اتفاقات آستانا لجهة ضرب الإرهاب في الشمال.. لكنها لا تفعل.. وتواصلُ التملص في زمنٍ بات الحسم فيه.. محسوماً وأكثر .
فإلى أين يذهب الأتراك؟
يبدو أنهم مستمرون في اللعب على التناقضات الأميركية ـ الروسية، باحثين عن تغطية خليجية ـ سعودية لدورهم الاستعماري في سورية وذلك بالعودة إلى الاستثمار الخانق في قضية الخاشقجي. هذا إلى جانب سلسلة انفتاحات لها طابع المفاجأة الصاعقة مع التنظيمات الكردية نفسها..
ماذا يجري؟
اللقاءات الروسية ـ التركية الأخيرة وصلت إلى حائط مسدود، عجِز الرئيس التركي رجب أردوغان عن تقديم أي تبرير يفسّرُ سبب عدم إنجاز بلاده ما تعهّدت به من سحب للإرهاب من منطقة إدلب السورية.. مكتفياً بالمطالبة بمزيد من الوقت.. وذهب بعيداً في طلب موافقة روسية على منطقة آمنة داخل الحدود السورية بعمق ثلاثين كيلومتراً وبطول يربط بين جرابلس والمالكية مروراً بالقامشلي عند زاوية الالتقاء بين حدود العراق وسورية.
وكعادتهم تذرّع الأتراك بالخطر الكردي عليهم وخصوصاً من حزب العمال الكردستاني.
الروس من جهتهم، أعلموهم عبر موقف حازم، أنهم مع سيادة سورية على أراضيها، مؤكدين أنّ منع أي «إرهاب» من مصادر كردية أو مختلفة، يؤمنها الجيش السوري عند حدود بلاد، أو داخلها وهو جدير بذلك.
أما لجهة اتفاقية أضنه 1998، فتركيا هي التي نسفت مفاعيلها بفتح حدودها لأكثر من مئة ألف «إرهابي عالمي». لذلك فإن دمشق هي صاحبة الحق بالمطالبة بحقها في تعقب الإرهابيين داخل الحدود التركية، وليس العكس.
الدليل موجود، فلم يسبق أنّ تسلّل إرهابيون من سورية إلى تركيا منذ اتفاقية أضنة وربما قبلها.. وهذا كان بمفرده لتعطيل الذرائع التركية غير القانونية.
ولأن أردوغان لا يريد أنْ يقتنع.. فتح آذانه لعروض أميركية مراوغة بدورها، لأنها لا تستقر على حال،.. فتارةً يهدون أردوغان كامل سورية، وطوراً يكتفون بمنطقة آمنة منها.. وأحياناً يتصرفون غير آبهين بمصير الكرد.. حتى سادت ضبابية أميركية، لم يفهمْ منها أردوغان أي شيء.
إيران من جهتها، أفهمت تركيا بوسائلها، أنّ السيادة هي للدولة السورية في شرق الفرات حيث السيطرة للكرد المتحالفين مع الأميركيين ومناطق الشمال التي يحتلها الترك.
هناك إذاً مواقف روسية وإيرانية لا تقبل هذه المراوغات التركية، إلى جانب موقف الدولة السورية التي لم تتردّد في قصف مواقع الإرهاب المدعوم من الأتراك في منطقة إدلب السورية.
كعادتهم لم يستسلم الأتراك، فبنوا خطة جديدة من ثلاث نقاط:
– الضغط على الأميركيين والخليجيين، خصوصاً السعودية لتأمين تغطية لسيطرتهم على منطقة آمنة عند الحدود السورية.
– فتح خطوط سرية مع المنظمات الكردية السورية للبحث عن تسوية تبقي على نفوذ الطرفين في الشرق لقسد والشمال الحدودي لأنقرة.
– الإبقاء على العلاقات مع دول آستانا لإرجاء ردود الفعل المحتملة إلى ما بعد استحصال أنقرة على التأييد الأميركي ـ السعودي ـ الكردي.
لجهة الضغط، أعادت القيادة التركية تشغيل الاستثمار في جريمة اغتيال الخاشقجي من قبل الأمير محمد بن سلمان، إلى الدرجة القصوى، وأحالتها إلى الأمم المتحدة للتحقيق «الدولي الشفّاف»، على حد قولها.
وهذه الطريقة لا تستهدف لي الذراع السعودية فقط بل الأميركية أيضاً التي تغطّي جريمة محمد بن سلمان.
لذلك تترقبُ أنقرة موقفاً سعودياً ـ أميركياً بالموافقة على منطقتها الآمنة عند الحدود مع سورية، وإذا كان محمد بن سلمان اغتال الخاشقجي مرةً واحدةً، فإن أردوغان بصدد قتله حتى الخنق النهائي ولمرات استثمارية عدة على التوالي.
هناك حركات تركية إضافية تثير الدهشة أكثر، فالأتراك الذين يصرّون على إبادة المشروع الكردي في سورية وكل مكان،.. فتحوا خطوطاً سرية معهم عبر وسطاء أميركيين.. للاتفاق على كانتون كردي شرق سورية مقابل منطقة تركية آمنة وواسعة عند الحدود، على أن تفصل بينهما قوات أوروبية ـ فرنسية من التحالف الدولي. ولا تزال المفاوضات متواصلة على الرغم من أنّ أجنحة كردية في قوات سورية الديموقراطية ومجلسها السياسي، يرفضون هذه المفاوضات مصرين على الاتفاق مع سورية صاحبة السيادة والريادة.
فهل تقبل روسيا وإيران بالاستمرار على تفاهمات آستانا؟ المعتقد أنّ تركيا ذاهبة إلى خسائر على كل محاور مراوغاتها.. فالكرد لن يقبلوا عروضها مفضلين التعاون مع دمشق، ولم يعد لدى الأميركيين ما يمنحونه من هدايا في سورية، كما أنّ الدولة السورية المدعومة من الحلف الروسي ـ الإيراني، ذاهبة، نحو استعادة سيادتها من الحدود الشمالية وحتى الجنوبية.. وهذا من شأنه القضاء على أحلام بني عثمان، تماماً كما انتهت أحلام الإرهابيين العالمية المدعومة من الغرب والخليج.
(البناء)