بقلم غالب قنديل

رد الكيد إلى نحر نتنياهو

غالب قنديل

عندما انطلقت حملة نتنياهو للتحريض والاستعراض من شمال فلسطين المحتلة حول الأنفاق كان رئيس وزراء العدو يهرب من فضائحه الكثيرة ومن هزيمته امام المقاومة في غزة ومن صعوبة توازن الردع الذي أقامته سورية بعدما طورت مقدراتها الدفاعية وباتت تعترض جميع صواريخ العدوان بشبكاتها الدفاعية المتطورة.

كانت عملية مشهدية سياسية حدد لها نتنياهو هدفين الأول هو تغذية الانقسام اللبناني حول المقاومة واستثماره والثاني هو استصدار قرار او بيان من مجلس الأمن الدولي ضد حزب الله وفشل في ذلك فتماسك الموقف اللبناني بفضل مبادرة الرئيس ميشال عون ويقظته وكذلك باستجابة الرئيس الحريري ومع تحرك دينامية الوزير جبران باسيل وهكذا صار فشل نتنياهو مبرما بسقوط محاولته في مجلس الأمن الدولي.

احتفظ الصهاينة بعد تلك الخيبة برهان ثالث من خلال الضجيج والشائعات لاستدراج السيد نصرالله إلى السجال الذي يقررون توقيته فكان صمت السيد حسن نصرالله سلاحا قويا ولم تفلح المحاولة الصهيونية في تفعيله داخل لبنان بعدما ظهرت مناعة جمهور المقاومة اتجاه اكاذيب العدو بتراكم الخبرة واختار السيد ان يطل بعدما اعلن نتنياهو والقيادة العسكرية عن نهاية عمليتهم.

اللقاء الذي بثته قناة الميادين مع قائد المقاومة وأجراه الزميل غسان بن جدو كان غاية في الاتقان المنهجي والمهني وقد بدا فيه السيد حسن نصرالله في ذروة التجلي والتألق الفكري والسياسي ممسكا بناصية القضايا والمواضيع الراهنة والاستراتيجية التي صال فيها وجال واستعرض معانيها وأبعادها مخاطبا الرأي العام العربي ومتوجها إلى الجمهور الصهيوني برسائل قوية وفاعلة على الصعيدين المعنوي والسياسي.

السهل الممتنع هو أسلوب قائد المقاومة المميز والمباشر بسرعة وصول الأفكار وترسيخها وبقدرة عالية على انتزاع المصداقية في نزاهة التعبير عن الموقف والحرص على إنصاف الخصوم قبل الأصدقاء فسجل السيد لقادة العدو مهاراتهم وللرئيس دونالد ترامب حرصه على تنفيذ وعوده الانتخابية وهو بذلك يضاعف من مصداقيته ومن تأثيره داخل جبهات معادية كثيرة.

عشرة محاور كبرى في مركزية الصراع ضد الحلف الاستعماري الصهيوني تناولها قائد المقاومة بكل براعة وهدوء وهي كانت محاور هجوم سياسي بارع في معركة الوعي التي يقودها بقدرات نادرة:

اولا الصمت سلاح والتوقيت سلاح بهذه القاعدة شرح السيد في مستهل الحوار سر صمته وصمت حزب الله خلال حملة نتنياهو وبعدما ظهر الإلحاح الصهيوني على بث الأسئلة والشائعات حول صحة سماحته وعدم ظهوره إعلاميا للرد على العدو في موضوع الأنفاق فالمقاومة تختار زمان الصمت والكلام وهذا دأبها منذ انطلاقها وقد تأصل هذا النمط في التحكم بإدارة الصراع مع المزيد من خبرات التجارب فالقدرة على تطويع الزمن واختيار التوقيت المناسب لسائر الخطوات والمواقف هو ما مكن حزب الله من حصاده الباهر من الانتصارات وهذا من ميزاته السياسية حتى في الشأن المحلي اللبناني فلا تفلح أي محاولة استدراج لانتزاع موقف او تصريح حين يكون الصمت هو القرار وقد فعل صمت السيد فعله هذه المرة فجاءت المقابلة كسيل ينبسط في أرض عطشى في لبنان والبلاد العربية وفي فلسطين المحتلة حيث اضطرت قنوات العدو لنقل المقاطع الرئيسية من الحديث.

ثانيا الرد المباشر والصاعق في قضية الأنفاق هو انها قديمة وعمرها اكثر من أربعة عشر عاما وهذا بذاته فشل استخباراتي وعسكري للكيان الذي يعتد بقدراته التقنية المتفوقة وبرصده الدائم والمستمر لخطوط الجبهات وخصوصا جبهة الشمال مع لبنان التي صارت تحت النظر بقوة منذ إعلان السيد قبل سنوات عن إمكان الطلب في أي لحظة من المقاومين ان ينفذوا وثبة قتالية يسيطرون بها على الجليل وأحكم السيد إغلاق اللغز الكبير لوجود انفاق اخرى ساخرا من حصر عملية الجليل التي يخشاها العدو بالأنفاق مؤكدا ان المقاومة قادرة وجاهزة وانها ستنفذ وثبتها إلى الجليل في سياق الرد على أي عدوان جديد ومن جميع الجهات وبكل الطرق المتخيلة من البر والبحر والجو.

ثالثا ثبت السيد معادلة الردع ضد المغامرة الصهيونية بحيث سيكون الرد على أي عدوان ضد لبنان مؤلما وقاسيا وبكلفة عالية لا يتخيلها قادة العدو مشددا على حقيقة امتلاك حزب الله للصواريخ الدقيقة التي برر نتنياهو بمحاولة منعها جميع الغارات على سورية بذريعة اعتراض قوافل تنقل شحنات لحزب الله وجدد قوله “تم الأمر” ولدينا ما يكفي من الصواريخ الدقيقة لردع أي عملية عدوانية مثبتا من ضمن تعريفات العدوان الواسع أي اغتيالات ينفذها الصهاينة في لبنان. ورسم السيد نصرالله من موقعه في لبنان وفي محور المقاومة مجتمعا معادلة الردع الشامل في مجابهة أي حرب صهيونية حيث ستكون كامل فلسطين المحتلة في مرمى النيران ولن توفر صواريخ المقاومة هدفا للعدو.

رابعا الحاصل في سورية هو فشل صهيوني مبرم فجميع اهداف الكيان الصهيوني كسرت رغم ان العدو رمى بثقله في خطة تدمير سورية وإسقاطها والجيش العربي السوري استعاد قدراته الدفاعية وطورها وهو يثبت قدرته على التصدي للعدوان الصهيوني وسيكون جميع اطراف محور المقاومة في تصرف القيادة السورية بقدراتهم وإمكاناتهم في الرد المؤلم على أي عدوان صهيوني جديد.

خامسا معادلة الردع في غزة ثابتة وقد برهنت عليها المواجهة الأخيرة واضطرار نتنياهو لاستدراج الاتصالات التي سمحت بوقف إطلاق النار وصلابة الموقف الشعبي وعزيمة المقاومين هي حقيقة حاسمة بينما أفرد سماحته فقرة خاصة لما يسمى بصفقة القرن ونوه بالموقف السياسي الفلسطيني الذي استجاب في الواقع لنداء نصرالله منذ إعلان الرئيس الأميركي تكريس القدس المحتلة عاصمة للعدو.

سادسا قدم قائد المقاومة ترسيما لحصيلة العدوان على سورية في الظرف الراهن فأكد ان حلف العدوان في مأزق والقيادة السورية مرتاحة مع حلفائها إلى التوازنات وهي تتحكم بإدارة الصراع منوها بالارتباك الاميركي الذي صاحب واعقب قرار ترامب بالهروب من سورية وبالارتباك التركي وكذلك الارتباك الكردي والهلع الذي هز الحكومات العربية الدائرة في فلك واشنطن بينما القيادة السورية المقاومة تعرف ما تريد واثقة من شعبها وجيشها ومن حلفائها جميعا وهي من سيحصد ثمار المخاض ببسط سلطتها التامة على كامل التراب السوري وهو المبدأ غير المعروض للمساومة مع أي كان.

سابعا كشف سماحة السيد عن معلومات تؤكد حالة الارتباك والمأزق المهيمن على حلف العدوان بجميع اطرافه فكشف عن قدوم وفد كردي إلى بيروت يطلب التوسط مع دمشق وعن اجتماعات عاجلة سعودية إماراتية خلصت إلى اعتبار الخطر التركي هو الأكبر ولذلك تمت مناقشة مراجعة الموقف من سورية رغم مساعي الإدارة الأميركية لفرملة هذا التوجه من خلال الإيحاء بسعيها لإبطاء عملية الانسحاب بعد الهلع الذي أصاب الحلفاء واولهم نتنياهو.

ثامنا إعلان الرغبة التركية بالعودة إلى اتفاق أضنة مع الجمهورية العربية السورية الذي تم توقيعه عام 1998 هو اعتراف بهزيمة العدوان على سورية وإعلان ضمني لطلب انتشار الجيش العربي السوري على الحدود بوصفه الضامن للأمن والاستقرار وللجوار وهذا انقلاب في الموقف التركي سجله سماحة السيد واستدل به على طبيعة معادلات القوة الجديدة.

تاسعا كل ما تقدم هو تعبير في نظر قائد المقاومة عن تحول نوعي في البيئة الاستراتيجية يقع للمرة الأولى منذ انطلاق العدوان على سورية وهنا اورد السيد نصرالله واقعة غير معروفة عن عرض اميركي حمله الحلفاء الروس إلى الرئيس بشار الأسد يقضي بمقايضة الخروج الأميركي بانسحاب المستشارين الإيرانيين ورفضه الرئيس الأسد مؤكدا ان إيران شريك استراتيجي في الدفاع عن سورية وليس أي وجود او دور إيراني أو حليف في سورية قابلا للمقارنة او المقايضة بمحتل او معتدي كما هي حال الولايات المتحدة وإسرائيل.

عاشرا كان حديث السيد حسن نصرالله مميزا بحيوية نبضه التحرري في مجابهة الحلف الاستعماري الصهيوني الرجعي وهو في جميع مفرداته يعزز منهجية التمرد والمقاومة ورفض الهيمنة وعزيمة القتال والكفاح من اجل تحرير فلسطين وتخليص سائر البلاد العربية من براثن الاستعمار والسطوة الصهيونية العدوانية ويمكن القول لقد طوع قائد المقاومة سائر الظواهر والتطورات ليصيغ بها املا جديدا لقوى التحرر المناضلة بين المحيط والخليج وبصورة خاصة في الشرق العربي انطلاقا من لبنان وسورية وفلسطين وحيث صب السيد على رأس نتنياهو وجنرالات العدو كتلة من الألغاز والرسائل التي ترد كيدهم إلى نحورهم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى