التهويل الصهيوني بوسائل لبنانية
غالب قنديل
من يتابع نشرات الأخبار على بعض وسائل الإعلام اللبنانية المرئية والمسموعة يلاحظ حضورا مميزا لإسرائيل ولخطابها التهويلي الموجه ضد لبنان شعبا ودولة وجيشا بينما قلما تعرض تلك الوسائل نفسها ملاحقة توثيقية متواصلة للاعتداءات والخروقات الصهيونية لأجواء لبنان ومياهه الإقليمية.
منذ أسابيع نظم الإعلام اللبناني كرنفالا حافلا بالتهديد والتحريض مع انطلاق حملة نتنياهو وأنفاقها المزعومة وبثت بعض الوسائل رسائل من فلسطين المحتلة تحكمت بمضمونها رقابة العدو وامس ومع رسائل التهديد بالحرب تباهت بعض الشاشات بمشاهد الصواريخ الصهيونية التي نشرت في فلسطين المحتلة وأرفقتها بعبارات التفخيم والمبالغة الدعائية عن فاعليتها بينما كان نشرها نتيجة الخشية الصهيوني من رد سوري بعد إنذار الدكتور بشار الجعفري الذي لوح بقصف مطار تل أبيب ردا على استهداف العدو لمطار دمشق وهي فكرة غيبتها بعض الوسائل اللبنانية مع انها أقل ما يجب القيام به مهنيا في تغطية موضوعية محايدة للأحداث ومن يكون محايدا في تغطية اخبار التهديد بتدمير بلاده؟!.
الأنكى في كل ما يبث ويوضع في التداول ان الناطق العسكري الصهيوني المكلف بالحرب النفسية ضد اللبنانيين أفيخاي ادرعي يكاد يتحول زائرا دائما في بيوت اللبنانيين بفضل الوسائل اللبنانية التي نشرت عناوين حساباته الإلكترونية المخصصة لبث سموم التحريض ضد المقاومة والجيش وهي تغرف منها جرعات التهديد والتضليل لتعيد تدويرها بين فترة واخرى وبعد تحذير المجلس الوطني للإعلام قبل أسابيع لوحظ بعض التراجع في هذه الشائنة التي أقحمت في حمى المنافسات الإعلامية المحلية بقصد التبرير ليس إلا وعاد البعض بالتدريج إليها كسابق عهدهم وانزلقوا في تكرار الترويج للعدو وترهيب شعبهم.
علمتنا التجربة الطويلة ان ما من عفوية في مثل هذه التصرفات ونعرف ان بعض مالكي الوسائل يداهنون قيادات المقاومة وكبار المسؤولين الداعمين لها وبالأخص رئيسي الجمهورية والبرلمان بل يستظلون حمايتهم جميعا لكنهم يغدرون بالوطن وبهم في تعميم مفردات ومنتجات إعلامية يبررونها بمناخ النكايات والانقسامات السياسية الداخلية بينما هي تتعدى النطاق اللبناني استجابة لطلبات وإملاءات اميركية سعودية وقطرية تقرن احيانا ببدلات مالية مجزية حيث يتذرع المالكون بالحاجة إليها بعدما تقلصت اموال الاحتكار الإعلامي والإعلاني الذي انقضى زمانه واستغلوه حتى الثمالة.
هذا الاحتماء السياسي يشمل راهنا محاولات بعض المالكين وشركائهم من مالكي المصارف والشركات الأميركية والخليجية للسطو على الأثير ولدوس القانون والحق العام بصيغ الأمر الواقع في ظل سلطة سياسية موزعة بين اللامبالاة والتواطؤ بدافع الشراكة في الغنيمة على حساب الشعب والوطن.
في نص قانون المرئي والمسموع حظر قاطع لبث كل ما من شأنه الترويج للعدو وهذا يشمل بالتأكيد حملاته الإعلامية ومضمونها وفي قانون العقوبات جرم جزائي هو حسب التعريف القانوني ” المس بمعنويات الأمة في زمن الحرب ” لكن المحاسبة ممنوعة وليست مخالفة القانون هي الممنوعة فعلا في بلدنا السعيد الذي يغني ويهتف للحريات الإعلامية ويغطي بها عوراته الكثيرة ويطمس آثاما وجرائما مثل تضليل الناس وإيهامهم بأن التكفيريين ثوار والسؤال للقضاء أليس ذلك غشا وبضاعة فاسدة أخطر من اللحوم الفاسدة والماركات المزورة او الادوية المحظور استيرادها لحماية مصالح وكلاء الشركات الغربية ألم تستدعي تلك الارتكابات الإعلامية السافرة تحرك النيابات العامة والمساءلة والتحقيق وكشف الحقائق للرأي العام ؟.
نسأل ونحن نعلم ان السلطة السياسية تغطي تلك الآفات القبيحة في مشهدنا الإعلامي منذ تقاسم التراخيص وتكريس منظومات الهيمنة الإعلامية والإعلانية المالية والطائفية وظهيرها الخارجي المعلوم والحبل على الجرار وهي احيانا خاضعة للابتزاز.
ترى إذا اتخذ المجلس الوطني للإعلام المرئي والمسموع تدابير الإحالة إلى القضاء بحق من يبثون أي مادة إعلامية تروج للتهديدات الصهيونية ألن تقوم الدنيا ولا تقعد تحت صيحات الحرية ؟
بل قبل ذلك ما هو الموقف الحكومي الذي نستطيع التعرف عليه مسبقا فالسوابق كثيرة ومحبطة فقبل سنوات وفي ظل حكومة غير حريرية كان المجلس يتدارس ملف مخالفة مشينة ووقحة في برنامج سياسي تضمن التحريض الطائفي والمذهبي ودعوة مبطنة للاقتتال المذهبي والطائفي عبر الحض على العنف واستعمال السلاح وتجميلا لعصابات التكفير كان مقصودا وربما مدفوعا كما يمكن الاشتباه وقد أعقب تقرير المجلس الوطني للإعلام وتوصيته بمعاقبة الوسيلة المعنية حفل تكريمي أقامه رئيس الحكومة آنذاك على شرف الإعلامي المرتكب والمؤسسة المخالفة وكانت رسالته للمجلس شفهيا : “خفوها شوي ما منتحمل خضة”.
لا ينبغي الصمت رغم ما تقدم وموضوع الاختراق الصهيوني للرأي العام اللبناني بأدوات لبنانية لا بد ان يوضع له حد وهذه اولوية حاسمة تستدعي الموقف المناسب ويجب اختبار استعداد القضاء لمثل هذه المواقف وهذا رأيي الشخصي كعضو في المجلس الوطني للإعلام لم اناقشه مع الزملاء لكني مقتنع جدا بضرورة المحاولة.