حول تزايد العمليات ضدّ الأميركيين في سورية: حميدي العبدالله
الوجود العسكري الأميركي في سورية عمره حوالي خمس سنوات، وتحديداً منذ عام 2014، وإنْ كان التدخل الاستخباري الأميركي في الحرب الإرهابية التي شنّت على سورية يعود إلى بداية الحرب، أيّ مطلع عام 2011 .
وقد شهدت السنوات الخمس الماضية مواجهةً عسكرية بين تنظيم داعش والميليشيات المدعومة من التحالف الدولي الذي شكلته الولايات المتحدة تحت ذريعة محاربة داعش. وعلى الرغم من أنّ الولايات المتحدة لم تكن جادة في محاربة هذا التنظيم الإرهابي، وتعايشت معه، بل قدّمت له تسهيلات كثيرة وفي مقدّمتها تصدير نفط سورية إلى تركيا مباشرة أو عبر شمال العراق طيلة أكثر من عام، ولم تُقدم على التصدي للتنظيم الإرهابي إلا بعد مشاركة روسيا للجيش السوري وحلفائه في الحرب على الإرهاب، إلا أنّ ذلك لم يحُل دون حدوث صدام عسكري بين الولايات المتحدة، والتحالف الدولي ومجاميع من تنظيم داعش. وكان من البديهي توقع شنّ داعش عمليات عسكرية انتقامية رداً على قيام قيادة التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة بمساندة «قوات سورية الديمقراطية» في حربها على داعش في منطقة شرق الفرات، رداً على المجازر التي ارتكبتها قوات التحالف بحق المدنيين الذين كانوا في مناطق سيطرة داعش، أو بحق قتلى هذا التنظيم الإرهابي. ولكن على امتداد خمس سنوات لم ينفذ داعش أي عملية عسكرية ضدّ قوات التحالف الدولي، وتحديداً ضدّ القوات الأميركية.
فجأة لوحظ الأسبوع الماضي اندلاع هذه العمليات لأول مرة منذ أن تواجدت القوات الأميركية في سورية، حيث قام انتحاري من داعش، وفقاً لوكالة أعماق الناطقة باسم التنظيم الإرهابي، باستهداف دورية أميركية في منبج أسفرت عن مقتل أربعة جنود أميركيين، وبعد مرور أقلّ من أسبوع، قام انتحاري آخر باستهداف دورية أميركية في الحسكة وتسبّب بجرح جنديين أميركيين تبعاً لبيان صادر عن قوات التحالف.
هذه الهجمات تؤكد أنّ داعش لديه خلايا نائمة في مناطق انتشار القوات الأميركية، وهذه الخلايا قادرة على شنّ هجمات تلحق الأذى بالجنود الأميركيين، ولكن السؤال لماذا لم تنفذ هذه العمليات طيلة السنوات الخمس الماضية، وجرى تنفيذها الآن؟
مما لا شك فيه أنّ هذه العمليات مرتبطة بقرار الانسحاب الأميركي الذي اتخذه الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ومما لا شك فيه أيضاً أنّ هذه العمليات هي لعبة استخبارية وليست هجمات شنّتها داعش حتى وإنْ تبنّى داعش هذه العمليات، وثمة رأيان حول الجهة الاستخبارية التي تقف وراء هذه الهجمات، رأيٌ أول، يعتقد أنّ الجهات الاستخبارية الأميركية التي تعارض قرار الانسحاب هي التي تقف وراء هذه الهجمات للردّ على ادّعاء الرئيس الأميركي الذي قدّمه في تبرير الانسحاب من سورية، الذي جاء فيه أنه تمّ القضاء على داعش والمهمة قد أنجزت، وبالتالي الرسالة التي حملتها الهجمات هي أنّ داعش لا زال موجوداً، وبالتالي فإنّ قرار الانسحاب قرارٌ خاطئ ومتسرّع.
رأيٌ آخر، يقول إنّ الهجمات من تدبير جهات استخبارية مرتبطة بالرئيس الأميركي لدعم خياره بالانسحاب من خلال توظيف ردّ فعل الرأي العام الأميركي على الخسائر لتسريع قرار الانسحاب والتمسك به.
في مطلق الأحوال الهجمات الأخيرة المفاجئة لداعش هي لعبة استخبارية لا أكثر ولا أقلّ.