عون – الحريري: الحصة قبل الطائف وبعده: نقولا ناصيف
يعود الى الصدارة مجدداً مأزق تعثر تأليف الحكومة الذي يدخل بعد غد شهره التاسع. ليس مصادفة ان حل عقدة تلو اخرى، في هذه الطائفة او تلك، يحتاج الى بضعة اشهر كي ينضج ويصح، قبل ان يتبيّن انها ابسط من التي ستليها
تطلّب حل العقدة الدرزية اربعة اشهر. في الشهر الخامس من التكليف سُوّيت العقدة المسيحية. ها هي العقدة السنّية تجرجر نفسها منذ اكثر من ثلاثة اشهر. على مرّ العقد المتعاقبة هذه، لم يكن من السهل توقّع حلها لو لم يقرّر اصحابها في نهاية المطاف تقديم تنازل اساسي.
ذلك ما فعله النائب السابق وليد جنبلاط الذي قَبِلَ اخيراً بوزيرين درزيين بعدما تشبّث طوال اربعة اشهر بالثالث، ثم تخلى عنه في تسويته مع رئيس الجمهورية. كذلك رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع تصلّب، وصعد على سلم المقاعد والحقائب ونزل مراراً، الى أُرغم اخيراً على القبول بالحصة التي أُعطيت الى حزبه وهي اربعة وزراء بثلاث حقائب، الى حقيبة دولة رفضها على الدوام ثم استجاب. لم تكن العقدة السنّية افضل فألاً. عاند النواب السنّة الستة واصرّوا – مع ظهيرهم حزب الله – على تمثيل احدهم الى ان قبلوا بمَن يمثّلهم من خارجهم. مع ذلك لم تنتهِ عقدتهم بعد، ولا تزال تبحث عن مخرج من غير ان يعني ذلك العودة الى الوراء.
مع انها ليست المرة الاولى تمر اشهر طويلة دونما تأليف حكومة، وقد اعتاد الاستحقاق هذه الرياضة منذ حكومة 2008، الا انها المرة الاولى يمر تأليفها باختبار قوي وحاد بين الرئيس ميشال عون والرئيس المكلف سعد الحريري، وإن بدوا متحالفين، يصرّ كلاهما على الوقوف الى جانب الآخر ورفض فكاك التعاون او التخلي عنه. للمرة الاولى ايضاً يمارس كلا الرجلين صلاحياته حتى اقصاها بما في ذلك الوصول الى المأزق، ويصبحان معنيين تماماً بتسهيل تأليف حكومتهما، كما بإغراقها في العرقلة.
آخذاً بنتائج الانتخابات النيابية في ايار 2018، وحصوله مع حلفائه على الغالبية، وضع عون سقوفاً قصوى لم يتزحزح عنها: ان لا يسمح لفريق بالاستئثار بتمثيل طائفته، ولا بالحصول على حجم قدّر انه لا يستحقه، ولا بإخفاء نشوته بالفوز في انتخابات 2018 للوصول الى الثلث+1 بما في ذلك حصة كبيرة لرئيس الجمهورية للمرة الاولى منذ اتفاق الدوحة. سبب كاف كي يجعله متيقناً ان تخليه عن نيابة رئاسة الحكومة ليس خسارة فادحة ولا تنازلاً جسيماً. لكنه هَيَّنَ عليه حل العقدة المسيحية، كما فعل مع العقدة الدرزية عندما وضع المقعد الدرزي الثالث ـ للمرة الاولى منذ اتفاق الطائف – في حصة رئيس الجمهورية. حتى هذا الوقت، كانت المقاعد الدرزية في حصة الطائفة وليس في اي مرجعية غير درزية، وإن اعتاد جنبلاط، في الحقبة السورية ثم بعدها حتى عام 2008، وضع مقاعد مسيحية في حصته هو.
في ابرز ما عنته ممارسة رئيس الجمهورية صلاحيته، المنصوص عليها في سطر ونصف سطر في الفقرة 4 من المادة 53 من الدستور، كشريك للرئيس المكلف في توقيع مرسوم الحكومة الجديدة، تحوّله الى شريكه ايضاً في تأليفها:
1 – الحصة الوزارية لرئيس الجمهورية في صلب التأليف، وجزء لا يتجزأ منه. تشبه حصة الرئيس المكلف الذي يمسي بعد صدور مرسومها رئيساً لمجلس الوزراء. لم يكن جديداً ولا غامضاً او ملتبساً في دستور ما قبل اتفاق الطائف، ان يحوز رئيس الجمهورية المليء بالصلاحيات الدستورية الاجرائية آنذاك حصة، وكذلك رئيس الحكومة الذي افتقر ـ كما شاع حينذاك ـ الى صلاحيات دستورية حصة مماثلة. كان الرجلان يتفاهمان على حصتيهما. لرئيس المجلس كذلك حصته المحسوبة سلفاً، وسائر الافرقاء من دون ان يتمثّلوا جميعاً، ومن دون ان يعرف لبنان حكومة وحدة وطنية سوى مرة واحدة في تاريخه حينذاك عام 1973، عندما ألّف الرئيس تقي الدين الصلح حكومته الوحيدة الاكبر عدداً (22 وزيراً)، وسمّاها «حكومة كل لبنان». في ظل اتفاق الطائف، انقلبت الصلاحيات رأساً على عقب، الا ان حصتي الرئيسين ظلتا رئيسيتين.
2 – رغم ان دستور الطائف جرّد رئيس الجمهورية تماماً من صلاحية تسمية الرئيس المكلف، وناطها بالغالبية النيابية، الا ان توقيعه الملزم مرسوم تأليف الحكومة مكّنه من فيتو لا يقل قوة وتأثيراً عن الرئيس المكلف، صاحب اختصاص التأليف. اكثر من اي وقت مضى منذ اتفاق الدوحة على الاقل، لم يعد رئيس الجمهورية يكتفي بحصته، بل اضحى مقرّراً في حصص الافرقاء الآخرين. لعل دور عون في التأليف الحالي، اكثر منه في مرحلة تأليف حكومة 2016، تصرّف على انه معني بالمقعد والحقيبة التي تذهب الى هذا الفريق او ذاك، مستثنياً سلفاً حصته من هذا الحساب، مبرّراً الحصة التي يطلبها الرئيس المكلف لنفسه. هو بذلك لا ينازعه الصلاحية الدستورية او ينتقص منها، بل يقاسمه اياها من دون التعرّض لاختصاصه.
سوء فهم المقعد السنّي في حصة عون يطيل عمر العقدة السنّية
3 – لا يسع رئيس الجمهورية، في النص على الاقل، انتزاع التكليف من الرئيس المكلف ما دام ليس صاحب هذا الاختصاص، وان بدا ان ثمة مَن يلوّح بذلك. الا ان في وسعه، في موازاة التكليف الذي جعل منه الحريري حقاً مذهبياً غير قابل للطعن، استخدام توقيعه لمنع تأليف حكومة لا يرضى عنها. على نحو كهذا يتساوى رئيس الجمهورية والرئيس المكلف في استخدام الفيتو السلبي.
4 – اتاح الاعتكاف الذي ادخل الحريري نفسه فيه قبل شهرين، ممتنعاً عن اي دور لحل ازمة التأليف سوى القول انه لا يعطي النواب السنّة الستة وزيراً من حصته ولا يوافق على توزير اي منهم، لرئيس الجمهورية الدخول على خط المشاورات وتحوّله رئيساً مكلفاً، مباشرة او من خلال صهره الوزير جبران باسيل. ليست مصادفة ان عون هو مَن اوجد حلّي العقدتين الدرزية والمسيحية، عندما ألحق المقعد الدرزي الثالث بحصته وتخلى عن نيابة رئاسة الحكومة. وهو الذي اوجد – او كاد – حلاً للعقدة السنّية عندما وافق على احلال احد يمثّل النواب السنّة الستة في احد المقاعد الاربعة في حصته هو المقعد السنّي. بالتأكيد حصل سوء تفاهم حيال تفسير موافقة رئيس الجمهورية: عنى عون بالموافقة على وزير سنّي يمثّل هؤلاء انه يدخله في حصته، يختارونه هم لكنه يصوّت الى جانبه هو، بينما حسب اولئك حصولهم على مقعد من الرئيس انتزاعه منه ووضعه لديهم اسماً وتصويتاً. رغم استمرار العقدة تراوح مكانها، الا ان حلّها لا يزال يدور في فلك حصة رئيس الجمهورية. اما الرئيس المكلف فليس له سوى ان يطلع على الافكار.
(الاخبار)