هيل : تطمينات وممنوعات أميركية
غالب قنديل
كان لبنان عرضة لاجتياح سياسي اميركي مع حضور السفير ديفيد هيل الذي يعرف البلد جيدا وقد جمعته لسنوات علاقات وثيقة بالمرتبطين بالولايات المتحدة من الزعامات اللبنانية الذين افترض الدبلوماسي الأميركي – وهو محق في ذلك – انهم لا يقلون ارتعابا عن حكومات المنطقة التابعة للهيمنة بعد إعلان الرئيس دونالد ترامب قراره بسحب الوحدات الأميركية من سورية.
قرار الانسحاب من سورية جاء بعد تراكمات الفشل الكبير الذي تقرنه مراكز تخطيط السياسات في واشنطن بالتذكير بكونه حصيلة عشرين عاما من الحروب والغزوات الفاشلة مباشرة أم بالواسطة وقد نال لبنان منها الكثير من العدوان الصهيوني المتواصل ومن الغزوة التكفيرية المدبرة ومن تداعيات العدوان على سورية وقد تجندت القوى اللبنانية الدائرة في الفلك الأميركي لمحاولة جعل لبنان منصة في تلك الحروب وفشلت امام صلابة وعناد المقاومة وسائر القوى اللبنانية الوطنية ولذلك فقد انصب تركيز هيل وفقا لما تسرب عن لقاءاته السرية والعلنية على مجموعة من الأهداف :
اولا إشعار الأطراف اللبنانية الحليفة لواشنطن بأن الرعاية الأميركية مستمرة وان قرار ترامب لا يعني الخروج السياسي او الاستخباراتي من المنطقة وبالتالي فلا داعي للهلع والخوف وتأكيد استمرار المواجهة بين المحورين في المنطقة وتصميم واشنطن على دعم حلفائها في لبنان .
ثانيا يدرك ديفيد هيل بنتيجة خبرته وبعد سنوات عمله في لبنان مدى رسوخ التوازنات اللبنانية القاهرة وعجز معسكر أصدقائه عن تحمل كلفة أي مغامرة سياسية او امنية وهو الذي حمل إليهم عشية تشكيل حكومة الرئيس تمام سلام موقفا اميركيا صادما لخصه بعضهم بعبارة ” لا نستطيع ان نفعل لكم شيئا فأسقطوا الفيتو عن حزب الله واشتراكه في الحكومة”.
ثالثا حمل هيل إلى أصدقائه اللبنانيين توجيها بمنع قيام حكومة فيها حضور بارز لتيار مناصري المقاومة بأي ثمن ومن هنا فقد بدا في تصريحاته متلهفا لاعتماد خيار إنعاش حكومة تصريف الأعمال لأن الحكومة التي تناسب نتائج الانتخابات الفعلية ستأتي مرجحة لكفة أصدقاء المقاومة وحلفائها وهو حذر من تضمين البيان الوزاري أي عبارات واضحة في تكريس المقاومة.
رابعا شدد السفير هيل على العقوبات الأميركية التي تستهدف حزب الله وسعى إلى نصب فخ تفاوضي جديد حول ملف حقوق لبنان البرية والبحرية في الجنوب بعدما فشلت حملة بنيامين نتنياهو عن الأنفاق المزعومة فلم تخلف توتيرا لبنانيا داخليا ضد حزب الله ولم تنجح في استيلاد قرار أممي يستهدفه.
خامسا تصريحات هيل ومداخلاته في القاعات المغلقة تضمنت تدخلا سافرا في عدد من الشؤون السيادية كما تبين من التقارير والمعلومات المتداولة فهو لم يقف عند حدود التحريض ضد حزب الله بل ركز على غاية محددة هي إضعاف التنسيق الجاري بين الجيش والمقاومة وابتزاز قيادة الجيش بالمعونات الهزيلة التي لا تقارن بما يعرض على لبنان من هبات سلاح يرفضها النظام السياسي لاسترضاء واشنطن.
سادسا من دلالات فهم التوازن اللبناني امتناع المسؤولين عن التجاوب مع دعوة هيل إلى لبنان الرسمي للمشاركة في مؤتمر محاصرة إيران الذي يعد له وزير الخارجية الأميركي بجولته على عواصم المنطقة وقد نقلت المصادر الصحفية ان بعض من التقاهم ديفيد هيل من المعسكر المناهض للمقاومة أشعروا المسؤول الأميركي بان أي تورط لبناني في هذا النوع من المواقف سيعرضهم لردود فعل وتداعيات داخلية لا تحمد عقباها.
سابعا أبلغ هيل من التقاهم بان الولايات المتحدة تعترض بشدة على أي تعاون لبناني محتمل مع روسيا محذرا من شمول لبنان بمظلة موسكو وحذر كذلك على أي تطوير للعلاقة اللبنانية مع الشقيقة سورية وبالطبع مع إيران وكرر اللازمة الأميركية عن ضرورة انتظار الحل السياسي وهي اللازمة التي تعترض واشنطن مع حلفائها الغربيين بواسطتها جميع عمليات الاعتراف المتسارعة بانتصار سورية على العدوان من جانب بعض الحكومات الإقليمية والغربية وهي تلزم بعض توابعها بذلك.
هذه العناوين تضمنت دون شك مسا بالسيادة وخرقا خطيرا لأصول التعامل مع دولة سيدة ومستقلة وهي اعتداء خطير على الكرامة الوطنية والصمت عليها مشين دون شك وهو يكشف خضوعا لبنانيا متماديا للابتزاز وللوصاية الأميركية تحت شعار الظروف القاهرة.
فإلى متى يهان اللبنانيون وتستباح كرامتهم الوطنية وإلى متى تهان ذكرى شهداء مقاومتهم الذين بذلوا أرواحهم لحماية الشعب والوطن على ألسنة زوار أميركيين متغطرسين يلاقيهم المسؤولون بالابتسامات والمجاملات ودون تذكيرهم باحترام الأصول مع البلد اذي كسر شوكة قاعدتهم العدوانية التي يريدون تسويق الركوع في جميع دول لها المنطقة؟!