هل أضاع الحريري فرصته الذهبية؟: ناصر قنديل
– تطرح عملية الترابط بين تشكيل الحكومة والقمة العربية الاقتصادية المنتظرة في بيروت والسعي لضمان حضور سورية فيها، موقف الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة سعد الحريري من زاويتين، الأولى ثقته بأنه في النهاية سيتنازل الأفرقاء الآخرون لما يضمن تشكيل الحكومة التي سيترأسها، فإن لم نأخذ بفرضية تعطيله لتشكيل الحكومة عمداً، كما يظن كثيرون بخلفية سعيه لربط ولادة الحكومة بتوقيت مصالحة سعودية سورية تمهد الطريق لقرارات حكومية بالانفتاح على سورية يعرف انه لا بد منها لنجاح الحكومة التي ينتظرها ملفان كبيران، ملف النازحين وملف إعادة إعمار سورية، وكل منهما يرتبط بطبيعة علاقة الحكومة اللبنانية بالحكومة السورية، وأخذنا بفرضية أنه يريد للحكومة أن تولد فالأكيد الذي لا يمكن إنكاره أنه لم يبذل جهداً ويقدم تنازلاً ممكناً يسهل التشكيل. فالتنازل عن وزير لا يغير في توازنات الحكومة ويضمن ولادتها السريعة، فهو في أقل تقدير واثق من أنه سيشكلها وفقاً لرؤيته وبتنازلات من الآخرين .
– الزاوية الثانية المرتبطة مباشرة بالعلاقة بسورية، فالواضح ايضاً أن منطق الحريري هو أن المصالحة السعودية السورية، التي يسميها الموقف العربي أو قرار الجامعة العربية، في نظام عربي تديره السعودية، هي المقدمة التي يجب أن تسبق أي مسعى لبناني حكومي نحو سورية، فلا يقع رئيس الحكومة تحت عتب سعودي لا يتحمّل تبعاته، ويضمن تمهيداً سعودياً يزيل العقبات من طريقه، طالما أن كل علاقة في ملفات عملية ستكون من مهام رئيس الحكومة، وهو يعلم ما اقترف بحق سورية، ويراهن على التمهيد السعودي لضمان معاملته في دمشق بمعزل عن مواقفه السابقة بحق سورية ورئيسها. وينطلق الحريري في هذه المعادلة من تجربته عام 2009 عندما رتب له الملك السعودي الراحل عبدالله بن عبد العزيز موعده الأول في دمشق مع الرئيس السوري بشار الأسد بعد قطيعة نشأت على خلفية اتهاماته لسورية باغتيال والده الرئيس رفيق الحريري عام 2005.
– ثلاثة اشياء تغيرت منذ ذلك الحين لم يضعها الحريري في حسابه، وربما يكون الحريري معها قد أضاع فرصته الذهبية. فالمماطلة الطويلة في تشكيل الحكومة جعلت الترابط بين ملفي العلاقة بسورية وتشكيل الحكومة شبه حتمية أكثر من اي وقت مضى، في ظل برود الحراك نحو تشكيل الحكومة وتسارع الحراك نحو عودة العلاقات السعودية السورية. وفي حال هذه العودة قبل تشكيل الحكومة، يصير مهماً التساؤل حول ما إذا كان الحريري قد أقام حساباته جيداً، تجاه هذه القضايا الثلاث، وأولها أن الوضع ما بعد الملك عبدالله لم يعد كما كان معه وقبله، وأن مكانته السعودية تحكي حكايتها أكثر من أي شيء آخر تجربة احتجازه، رغم كل الماكياج الذي قدمه ولي العهد السعودي للتغطية على جرح الاحتجاز في لحظة الحاجة لحملة علاقات عامة دولية بعد مقتل جمال الخاشقجي، فجاء سلوك ولي العهد مهيناً أكثر من الاحتجاز نفسه، والثانية هي أن التمسك بالحريري لرئاسة الحكومة منذ ذلك التاريخ هو تمسك لبناني أكثر مما هو سعودي، والرهان اللبناني شبه الجامع هو أن الحريري بات بعد الاحتجاز لبنانياً أكثر وسعودياً أقل، بينما هو يثبت العكس، فماذا لو تراجع منسوب هذا التمسك اللبناني ولم يجد التمسك السعودي المنتظر؟ أما الثالثة فهي أن وزن السعودية تجاه سورية لم يعُد كما كان عام 2009 فالسعودية تبحث عن أثمان تقدمها لسورية لتعويض إساءات كثيرة، وما فعلته مع وزير خارجيتها عادل الجبير بإقصائه تمهيداً للانفتاح على سورية، نموذج يستحق التأمل من الحريري نفسه.
عملياً، قد تحدث المصالحة السعودية السورية، وتكون قد مرت تسعة شهور على تعقيد تشكيل الحكومة، ويبلغ السعوديون للسوريين أنهم سيرشحون لرئاسة الحكومة في لبنان مَن لا يحرج سورية ويتفاهمون مع دمشق على اسم بديل، ربما يكون الرئيس تمام سلام مجدداً، فيقولون للحريري إنهم سمعوه يقول إنه إذا اقتضت المصلحة الوطنية اللبنانية تستدعي العلاقات القوية مع سورية فعلى المعنيين التفتيش عن غيره، وأنهم فعلوا ما أراد بما يحفظ له معنوياته ليتولى هو الاعتذار عن تشكيل الحكومة وترشيح الرئيس سلام باسم كتلة المستقبل، وربما يكون مثل هذا البحث قد بدأ فعلاً. اللهم أشهد أني قد بلغت.