كلمة لذكرى الرفيق ظافر الخطيب
غالب قنديل
إنه العاشر من كانون الثاني ، في مثل هذا اليوم من عام 1976 استشهد القائد الثوري المهندس ظافر انور الخطيب وفي اليوم نفسه كنت في بلدتنا برج قلوية وزارني فجأة رفاق حملوا إلي خبر استشهاد الرفيق “وسام ” مع بيان القيادة المركزية في نعيه وبدأنا التحضير للمشاركة في مراسم وداعه وتشييعه في بلدته شحيم .
كان الرفيق ظافر عندما استشهد يقود عملية تحضيرية لمشروع وطني كبير محوره تقطيع أوصال الكانتون الذي حاولت إقامته الميليشيات المتعاملة مع الكيان الصهيوني بضربة عسكرية رادعة بأفق غير طائفي بعدما تحول القتال عبر خطوط التماس إلى حرب مواقع وتراشق على تخوم علب الفرز الطائفي عبر الخطوط التي لم تخرقها إلا شراكة اللصوص والنهابين في نتيجة التهجير والمذابح التي ارتكبت على المقلبين ولاحت اخطار مؤامرة صهيونية لتقسيم لبنان وكان شعارنا : ضربة رادعة بأفق غير طائفي لقبر مؤامرة التقسيم الرجعية وقد اقترن هذا الشعار بخطة متكاملة وضعتها لجنة قيادية من القائد ظافر وعدد من الرفاق وقد عايشت تبلور نواة هذه الرؤية من منطلق إدراك خطورة الشعارات الطائفية التي تبنتها قيادات العمل الوطني ومن انفلات الممارسات الطائفية التي تجسدت بمشاركة بعض الأحزاب اللبنانية والفصائل الفلسطينية في عمليات الخطف على الهوية وما رافقها من قتل للأبرياء او ابتزاز لصوصي لأهلهم ولعائلاتهم ولم ينج بعض رفاقنا المسيحيين وكذلك مناضلون من الحزبين الشيوعي والقومي من أهوال هذه الممارسات القذرة وغير البريئة ورد الرابطة كان تكوين قوة لمنع الخطف والقنص على الهوية على محور الطيونة في بداية الحرب وكان الرفيق ظافر يتواجد في المركز يوميا ويكثف تشديده على ثقافة الوحدة الشعبية ومنع القنص والخطف وعلى ضرورة تحمل التضحيات التي كنا معرضين لها في ردعنا لصلف المتورطين الذين يرفعون يافطات بعض الأحزاب الوطنية واليسارية والفصائل الفلسطينية ويتجندون لقتل الأبرياء وخطفهم ولخدمة المخطط المعادي بعلمهم او برد فعل غرائزي ثمة من يكون جاهزا لاستثماره دائما.
بعد قرار اتخذته الرابطة قاد الرفيق ظافر حركة اتصالات واسعة لتكوين جبهة بمستوى الهدف فتفاهم على الخطة مع حزب العمل الاشتراكي العربي والحركة الاشتراكية الثورية والتنظيم الشعبي الثوري وعدد من القوى والمجموعات اللبنانية والفلسطينية المتمردة على القيادة الرسمية لمنظمة التحرير وقد ساندت الجبهة الشعبية هذا التوجه بقوة وكان الفضل للرفيق ظافر في المبادرة الهجومية إلى مناقشة الفكرة والمشروع مع سائر الرفاق في هذا المحور العريض وقد أبى إلا ان يكون على الأرض كعادته رغم وجود قرار حزبي بمنعه فاستشهد وشكل غيابه ضربة قاصمة لتحولات كثيرة كانت ممكنة.
سطع نجم المناضل الثوري العروبي المقاوم ظافر الخطيب من مخاض الحركة الطلابية وكان قياديا بارزا في تمرد طلاب الجامعة الأميركية الشهير في سنوات ما قبل الحرب ومساهما أساسيا في قيادة جميع التحركات الطلابية ضد العدوان الصهيوني على جنوب لبنان وشارك بنشاط في دعم وتطوير العديد من الحركات الاحتجاجية والإضرابات التي شهدها لبنان قبل الحرب فهو تميز بسحر شخصي خاص وجماهيرية واسعة لتواضعه والتصاقه بالفقراء ولبساطة سويته ودماثة اخلاقه وتهذيبه الشديد ورحابة صدره في تقبل الاختلاف والتعامل معه بآداب الحوار واستعداده الدائم لكل مبادرة ثورية وهكذا كان حاضرا مباشرة ومن خلال مجموعات كونها بنفسه وقادها مع رفاق آخرين مع عمال غندور وعمال الريجي ومزارعي التبغ وانتفاضات الفلاحين في كل مكان وكذلك مع إضرابات المعلمين المتكررة وفي التحركات الطلابية المتلاحقة وفي الحملات التطوعية لحفر الخنادق وبناء الملاجيء في القرى الجنوبية الأمامية.
تجسدت طليعية هذا القائد بالجمع الخلاق بين النظرية والممارسة فقد تميز بقدرة هائلة على التفاعل مع الناس والانغراس في صفوفهم ومواكبة نضالاتهم إلى جانب المشاركة الفكرية والسياسية في العمل على تطوير مبادرات الحركة الشعبية بالتفاعل معها بهدف تحصينها بشعارات وخطط عمل تضمن تصاعدها وتطورها وترسخ لديها وعيا أعمق للمشكلات ولسبل حلها الفعلية بعيدا عن الأوهام والوعود الخادعة وقد أدرك الرفيق ظافر العلاقة العميقة بين البعد الاجتماعي والسياسي لحركتنا النضالية وبين القضية الوطنية والقومية في بلد مستعمر كلبنان خاضع للهيمنة الأجنبية والاستباحة الصهيونية الدائمة ولذلك اعتنق فكرة المقاومة الوطنية والشعبية وبشر بها مبكرا واقترح خطة شاملة لتطوير المبادرات الشعبية المسلحة في الجنوب في وجه العدوان الصهيوني المستمر وللبناء على انتفاضة الصيادين في صيدا لبلورة نواة سلطة شعبية جديدة وقد عصف استحكام العصبيات والمذابح وعبثية العنف الطائفي المبرمج والغزو الصهيوني بجميع الفرص المتاحة لتغيير المسار ورغم شراسة السعي لتأبيد الهيمنة الاستعمارية شقت المقاومة الوطنية طريقها وانتصرت بطرد العدو الصهيوني وردعه بعد عشرات السنين من الكفاح البطولي الذي قاده حزب الله في العقود الثلاثة الماضية بدعم من المحور المقاوم والتحرري الذي يجمع سورية وإيران منذ قيام الثورة الإيرانية وانتصارها.
من اهم أفكار الرفيق ظافر التي يذكرنا بها مسار الأحداث هي استحالة انتصار أي حركة تغييرية لا تكون وطنية الهوية وقومية الأهداف انطلاقا من طبيعة العدو الاستعماري الصهيوني الرجعي الذي يستدعي مقاومة تتخطى حدود سايكس بيكو المرسومة لتمزيق الشعب بينما يجري توحيد صفوف الرجعيين والعملاء في التصدي لكل بادرة تحررية.
في ذكرى الشهيد القائد ظافر الخطيب تحية وفاء وعهد له ولجميع الشهداء يتقدمهم من شهداء رابطة الشغيلة القائد الشهيد إيلي الزغبي والشهداء مروان الذيب واحمد اليمن وسكنة ياسين ومصطفى اللبن وعبد النبي فقيه وصلاح الدالاتي ولكل من بذلوا أرواحهم في سبيل الدفاع عن وطنهم ضد الحلف الاستعماري الصهيوني الرجعي وعملائه ولجميع الذين آمنوا بشعبهم وبأمتهم ومضوا على طريق التحرر الوطني والقومي وسعوا لتأسيس حركة ثورية عربية ملتزمة بتحرير فلسطين وبالوحدة العربية وبالاشتراكية طريقا لفك قيود الاستعمار والاستلاب والاستغلال وتحطيمها في جميع انحاء الوطن العربي نقول اليوم كم كانت حراسة هذه المبادئ مكلفة وصعبة وعكس التيار الجارف … حالمون ؟ ومن قال ان الأهداف الكبرى ترتسم بغير احلام في حجمها يحملها مناضلون أشداء مصممون على اقتحام المستحيل؟؟!