بومبيو والمحاولة اليائسة لاحتواء انتصار سورية: حسن حردان
منذ أن قرّرت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب التسليم بانتصار الرئيس المقاوم الدكتور بشار الأسد، بدأت تحضّر خطة للتكيّف مع نتائج هذا الانتصار وفي الوقت نفسه العمل على الحدّ من تداعياته على المشروع الأميركي الصهيوني وأدواته في العالم العربي وعموم منطقة الشرق الاوسط.. ومن الواضح لأيّ متابع لجولة وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، التي تشمل دولاً عربية وإقليمية، بأنّ رئيس الدبلوماسية الأميركية يسعى إلى تجنيد حلفاء أميركا والحكومات التابعة لها، في سياق هذه الخطة لاحتواء انتصار سورية وحلفائها في محور المقاومة.. على هذه الخطة تركز عملها في اتجاهين :
الاتجاه الأول: المسارعة للانفتاح على سورية وإعادة العلاقات معها وتقديم كلّ أشكال الدعم لها لإعادة إعمار ما دمّرته الحرب الإرهابية، التي قادتها أميركا بواسطة أدواتها الإرهابية وموّلتها من أموال النفط العربي، وذلك بهدف محاولة احتواء القيادة السورية والحيلولة دون اتجاهها نحو المزيد من الراديكالية في مواقفها الوطنية والقومية والعروبية التحررية المقاوِمة للمشروع الاستعماري الأميركي الصهيوني وأدواته الرجعية، وكما استخدم سلاح المال لمحاولة إسقاط الدولة الوطنية السورية المقاومة، وفشل، فإنّ الخطة تستهدف محاولة إغراء سورية بهذا المال لإعادة الإعمار لأجل تحقيق هذا الهدف الأميركي المذكور آنفاً.
الاتجاه الثاني: العمل على تحويل الأنظار عن الهزيمة الكبيرة التي مُني بها المشروع الأميركي الصهيوني الرجعي، في سورية واليمن والعراق، باتجاه العودة إلى صبّ كلّ الجهود نحو تصعيد العداء ضدّ الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وممارسة ضغوط استثنائية على القيادة السورية لفكّ عرى تحالفها مع إيران وبالتالي دفعها إلى سحب المستشارين الإيرانيين من سورية.. ومعروف أنّ أحد أهداف الحرب الإرهابية كان تفكيك هذا التحالف السوري الإيراني وعزل إيران، لكن بعد أن فشلت الحرب في تحقيق ذلك، وتعزّز التلاحم بين إيران وسورية في ميدان القتال ضدّ قوى الإرهاب، بات التركيز الأميركي الصهيوني الضغط لإخراج المستشارين الإيرانيين من سورية…
لا شكّ في أنّ هذه الخطة الأميركية لاحتواء انتصار سورية تهدف من وراء ذلك إلى محاولة منع تعزز بيئة المقاومة واستنهاض المشروع العروبي التحرّري في عموم الوطن العربي، وبالتالي الحيلولة دون تحوّل سورية الأسد إلى قاعدة استنهاض لهذا المشروع التحرري وبعث الروح القومية مجدّداً، كما فعلت مصر عبد الناصر بعد انتصارها على العدوان الثلاثي سنة 1956… إنّ ما يقلق دوائر القرار في واشنطن وتل أبيب هو أن تتحوّل سورية ومحورها المقاوم إلى قبلة العرب من المحيط إلى الخليج وبالتالي تتمّ محاصرة الكيان الصهيوني الاحتلالي وإضعاف الحكومات الرجعية، مما يشكل خطراً كبيراً ووجودياً غير مسبوق على هذا الكيان، واستطراداً على كلّ الوجود الاستعماري في العالم العربي…
لكن الأكيد انّ قيادة محور المقاومة في سورية وإيران ولبنان تدرك جيداً أبعاد ما تخطط له واشنطن، وتعرف أيضاً الأهداف المرادة من وراء جولة بومبيو، وهي تعرف كيف تحبط مراميها.. على أنّ القيادة السورية أدركت ذلك مبكراً عندما أكدت أنّ إعادة إعمار سورية لن يكون فيها مكان للدول التي تآمرت على سورية وشاركت في الحرب عليها، وانّ سورية ستعتمد على دعم حلفائها الأقوياء الذين وقفوا إلى جانبها، وفي المقدّمة إيران وروسيا والصين وغيرهم من الدول التي ترفض الهيمنة الاستعمارية، كما أنها ستعتمد اولاً على قدراتها الوطنية، ولهذا سارعت ومنذ عام 2014 إلى إنشاء صندوق وطني مخصص لإعادة الإعمار يجري تمويله من ضريبة مخصصة لذلك، ومن التبرّعات والمساعدات التي تقدّم من رجال الأعمال السوريين والأصدقاء والحلفاء.. ولهذا فإنّ سورية التي عرفت كيف تصمد وتنتصر في الحرب تعرف كيف تعيد البناء وتحصّن استقلالها وقرارها الوطني لتصبح أكثر قوة ومنعة، ولتبقى قلب العروبة النابض وقلعة المقاومة القومية والعربية دائماً وأبداً، وأمل فلسطين والأمة في كفاحها للتحرّر من كلّ أشكال الاحتلال والاستعمار…
(البناء)