السباق على شرق سوريا مايكل نايتس
“ذي بريف“
24 كانون الأول/ ديسمبر 2018
أدى قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي أُعلن في 19 كانون الأول/ديسمبر القاضي بسحب القوات الأمريكية والقوة الجوية الأمريكية من سوريا إلى إلقاء الفوضى ببعض سياسات الولايات المتحدة وإنجازات الشراكات الأمريكية. ونتيجة لذلك، أصبحت حالة خطيرة من عدم اليقين تواجه الحرب ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» وحملة الضغط القصوى على إيران، وسيتحرك كل من تنظيم «داعش» والمتشددين الأمنيين والوكلاء الإيرانيين بسرعة لاستغلال الفرص الجديدة.
ومع ذلك، هناك أيضاً فرصة أمام الولايات المتحدة وحلفائها وشركائها لأن يكونوا مبدعين وأن يقوموا بذلك بطريقة قد ترضي الرئيس ترامب – المعرقل الأساسي – بشأن نجاحه في ضمان صفقة أفضل خلال هذه العملية. وكما صوّر بوضوح تقرير مفصّل لوكالة “أسوشيتد برس” بشأن الإحاطة الهاتفية للرئيس الأمريكي مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، دفع تركيز قصير النظر حول خسارة خلافة تنظيم «الدولة الإسلامية» للأراضي إلى توصل الرئيس ترامب إلى استنتاج مفاده بأنه قد تمّ الانتصار في الحرب ضد هذه الجماعة. وقد وجد المسؤولون الأمريكيون أنفسهم واقعين في شرك ادّعاءاتهم الخاصة بأن تنظيم «داعش» لا يحتفظ سوى بواحد في المائة من الأراضي التي كان يحتلها سابقاً في سوريا.
وفي الواقع، لم تكن الأراضي يوماً مقياساً رئيسياً. وتظهر أعداد مقاتلي العدو وأعداد الهجمات المستمرة أن تنظيم «الدولة الإسلامية» لم يُهزم سواء في سوريا أو العراق.
ففي سوريا، تمّ تطويق الهيئة الرئيسية لمقاتلي تنظيم «داعش» في منطقة صغيرة تدعى هجين، ولكن لا يزال هناك أكثر من 2000 إرهابي متشدد في الجيب. (كما هناك الآلاف من مقاتلي التنظيم في إدلب غربي سوريا، حيث تختبئ الجماعة حالياً).
وإذا ما تحركت قوات نظام الأسد والقوات الموالية لإيران عبر نهر الفرات باتجاه هجين، كما هو متوقّع، سيستغل تنظيم «الدولة الإسلامية» الفوضى لكي ينتشر مرة أخرى بينما يقوم التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة بإرخاء الخناق عن رقبة التنظيم. وفي حين سيتزعزع الاستقرار في شرق سوريا وأقسام من العراق مجدداً، سيتبيّن بسرعة وبشكل مباشر للرئيس ترامب أنه أساء فهم الوضع وكرر خطأ الرئيس أوباما في الانسحاب من العراق عام 2011 أو خطأ الرئيس جورج دبليو بوش بإعلانه أن “المهمة أُنجزت” عام 2003.
أما في العراق، وكما يُظهر تقريري الجديد الصادر عن “مركز مكافحة الإرهاب في ويست بوينت”، فإن تنظيم «الدولة الإسلامية» نشط تماماً، حيث أطلق 1271 هجوماً خلال الأشهر العشرة الأولى من عام 2018 (من بينها 762 عملية تفجير). وخلال الفترة بين كانون الثاني/يناير وتشرين الأول/أكتوبر 2018، نفذ التنظيم 135هجوماً في محاولته تحقيق أكبر قدر من الإصابات فضلاً عن 270 عملية تفجير فعالة بواسطة قنابل مزروعة على جوانب الطرق. كما شنّ عدداً من الهجمات على 120 حاجزاً أو مركزاً لقوات الأمن العراقية، ونفذ 148 عملية قتل متقنة استهدفت على نحو خاص أفراداً على غرار مخاتير قرى، أو زعماء قبائل، أو أفراد في مجالس المحافظات، أو قادة في قوات الأمن.
وبين عامي 2011 و2014، منحت الحرب الأهلية السورية تنظيم «الدولة الإسلامية» في العراق ملاذاً ونفاذاً موسعاً إلى معدات عسكرية ومتفجرات شديدة الانفجار وموارد بشرية ومالية. ويمكننا أن نتوقع زعزعة الاستقرار في العراق مرة أخرى إذا توافرت هذه الظروف من جديد.
إنها لحظة تحدد إرث رئاسة ترامب. وكما وصف الرئيس أوباما تنظيم «الدولة الإسلامية» بـ “فريق المبتدئين” مباشرة قبل ظهوره مجدداً، واحتلاله ثلث العراق، يخاطر الرئيس الحالي في أن يتمّ تذكره دوماً باعتباره الرجل الذي سمح لتنظيم «الدولة الإسلامية» بالخروج من الأزمة في ظل تلاشي قوته، ليكون بذلك قد انتزع الهزيمة من فكّيْ النصر. كما قد يُذكَر كانون الأول/ديسمبر 2018 بأنه الشهر الذي انهارت فيه الإستراتيجية المعادية لإيران، الأمر الذي مهّد الطريق أمام توسّع تنظيم «الدولة الإسلامية» في المنطقة، وسرّع التوجّه نحو حرب مدمرة شملت إسرائيل، وشجّع خطوة إيرانية تمثلت بالإسراع في امتلاك سلاح نووي.
أما حول الفشل الكامل للولايات المتحدة في سوريا فستكون هناك تداعيات عالمية على الحلفاء والخصوم. وكما أدّى تخلي أوباما عن الخط الأحمر للأسلحة الكيماوية في عام 2013 إلى المزيد من الحزم من جانب روسيا والصين وكوريا الشمالية في السنوات التي أعقبت ذلك، فمن المرجح أن يؤدي هذا القرار إلى تشجيع عزيمة خصوم الولايات المتحدة بشكل أكبر، ويشجع أصدقائها وشركائها على اتخاذ خطوات شاذة على غرار السعي لامتلاك أسلحة نووية أو إطلاق عمليات عسكرية استباقية أو إبرام صفقات مع إيران.
ولكن لا تزال هناك وسائل لإعادة هيكلة الجهود الأمريكية لمكافحة الإرهاب في سوريا. لقد كان الانسحاب بسرعة فائقة وبشكل كامل نموذج أوباما المدمّر: يجب أن يكون نموذج ترامب المحاربة بذكاء وخفة أكبر مع المزيد من تشارك الأعباء مع الشركاء.
يُذكر أن مهمة الولايات المتحدة في سوريا منخفضة التكلفة وذات تأثير كبير. فبواسطة عدد قليل جداً من القوات الأمريكية في سوريا، قضى الرئيس ترامب على سيطرة تنظيم «الدولة الإسلامية» على الأراضي التي كانت تحت حوزته، مما دفع الولايات المتحدة شوطاً طويلاً نحو تحقيق هدف الهزيمة الدائمة لتنظيم «داعش». وكانت هذه صفقة رائعة مقارنة بالمهام الكبيرة في الماضي. وليس من الصائب وصف العمليات في سوريا بأنها عالية التكلفة، وذات تأثير ضئيل، لأن العكس صحيح.
وفي الأسبوع الأخير من كانون الأول/المنصرم، أعلن الرئيس الأمريكي أن مكافحة الولايات المتحدة للإرهاب في سوريا ستستمر وبأن بلاده يمكنها الانخراط من جديد في سوريا إذا دعت الحاجة لذلك. والآن يجب اختبار هذه المرونة ولكن ليس بطريقة تضع الرئيس ترامب مباشرة في موقف صعب لاتخاذ قراره، علماً بأن هذا من حقه كونه القائد الأعلى للولايات المتحدة.
يجب النظر في كافة التدابير على الفور لزيادة المساهمات غير الأمريكية (الأوروبية، والتركية، والكردية العراقية) في حملة مكافحة الإرهاب التي تقودها «قوات سوريا الديمقراطية»، ولخفض التواجد الأمريكي الدائم، ولجعل العملية حتى أقل تكلفة بالنسبة للولايات المتحدة. يجب القيام بذلك بعجل لأن إيران وروسيا والأسد سيتحركون بسرعة للدخول إلى شرق سوريا ولكن ليس بهدف التخلص من تنظيم «الدولة الإسلامية» – بل على الأرجح للاستيلاء على حقول النفط ودفع تنظيم «داعش» باتجاه العراق أو تركيا أو أجزاء أخرى من المنطقة حيث سيستمر في تشكيل تهديد [إرهابي].
مايكل نايتس هو باحث في معهد واشنطن.