نعم … يهربون دون قيد اوشرط
غالب قنديل
دخل الشرق العربي مع العام الجديد في فصل أساسي من غزوة استعمارية صهيونية كبرى اطلقتها إدارة جورج بوش بحربها لاحتلال العراق واستكملتها إدارة باراك اوباما بالحرب على سورية التي انطلقت بالوكالة وتحولت احتلالا أميركيا لأجزاء من سورية ثم مؤخرا بإعلان الرئيس دونالد ترامب عن قراره بالهروب من سورية الذي استدركه من العراق متحدثا عن عمليات قد تنطلق من القاعدة الأميركية هناك نحو الأراضي السورية وإذا بالاستدراك يتحول إلى خطة تم التداول في ترتيباتها خلال اجتماع لمجلس الحرب في البنتاغون حضره خليفة الجنرال ماتيس في الوزارة ومستشار الأمن القومي جون بولتون ووزير الخارجية مايك بومبيو.
كذبة الولايات المتحدة عن محاربة داعش سقطت وانكشفت في الميدان السوري وفي شرقي سورية بالذات فبعد معركة تحرير مدينة دير الزور على يد الجيش العربي السوري وحلفائه بات معروفا ومعلنا أن فلول داعش المندحرة لجأت إلى أوكار الاحتلال الأميركي على الأرض بينما سجلت عمليات خاصة للقوات الأميركية مهمتها انتشال قادة وكوادر من داعش من أرض المعارك في العراق وسورية لنقلهم بالطوافات الحربية وثمة تقارير صحافية غربية عديدة تحدثت عن قيام القوات الأميركية بإيفادهم بعد ذلك إلى ساحات اخرى في ليبيا ودول غرب أفريقيا وفي شرقي آسيا حيث أوكلت إليهم مهام خاصة في حروب أميركا المتنقلة لتفتيت الدول والمجتمعات في العالم الثالث بقصد إخضاعها للهيمنة الاستعمارية.
الترتيبات التي سرب الكلام عنها عبر موظفين في الإدارة ومن مكتب الرئيس يقال إنها تقضي بتنفيذ قرار الهروب من سورية خلال مئة يوم وبإقامة بنية لوجستية تتيح لوحدات الكومندوس الأميركية الانتقال من قاعدة عين الأسد في العراق نحو شرق الفرات في سورية لتنفيذ بعض العمليات تحت شعار مطاردة مجموعات داعش التي سبق ان جعلت إدارة اوباما من انفلاشها الميداني في العراق وسورية ذريعة لتعزيز رقعة الاحتلال الاميركي في العراق وتدشين التدخل العسكري الأميركي مباشرة في سورية بعد فشل محاولة الغزو الشامل في خريف العام 2013 .
في هذا المناخ ما يزال بعض المتشبثين بوهم الجبروت الأميركي يسألون عن المؤامرة التي تدبرها الولايات المتحدة من وراء إعلان ترامب قراره بسحب القوات من سورية وفي هذا المناخ تمارس على لبنان حملة تهويل يتولاها سفراء غربيون سربوا رسائل إعلامية تتحدث عن عواصف جارفة وزلازل استراتيجية في المنطقة وهددوا بالويل والثبور خلال الأيام المئة المقبلة وكأننا عشية حرب كبرى تقودها الإمبراطورية الأميركية في المنطقة بالشراكة مع الكيان الصهيوني لقلب الموازين رأسا على عقب.
وكم يذكرنا هذا النوع من الهذيان والرعب بما شهدناه بعد الهروب الصهيوني الكبير من جنوب لبنان ومما يدعو للسخرية ان تكرر الخرافة الجديدة عن الانسحاب من سورية عبارة استعملت يومها في متلازمة الرعب اللبنانية فيتكرر ما قيل عن هروب الصهاينة المستعجل من جحيم المقاومة “ومن طرف واحد ودون اتفاقات أو ترتيبات ” ويردد المرتعبون اليوم السؤال السخيف نفسه الذي تردد قبل ثمانية عشر عاما هل من المعقول ان يكون هذا الانسحاب بدون مقابل ؟
نعم إن الهروب الأميركي هو انسحاب من طرف واحد أي بدون ترتيبات مشتركة مع الدولة السورية وحتى من غير اتفاق سياسي او ميداني مع روسيا القوة العظمى والحليفة الحاضرة في الميدان السوري والتي دعمت دعوة الدولة الوطنية السورية إلى رحيل الغزاة الاميركيين دون قيد أو شرط.
كان الأميركيون هم من خطط وقاد العدوان على سورية من غرف العمليات المشتركة التي حشدوا فيها خبراء وضباطا صهاينة ونخبة قادة العمليات الخاصة في دول الناتو وممثلين لجميع الحكومات التابعة لهم في المنطقة ولما فشلت خططهم قدموا إلى سورية وتواجدوا على أرضها كقوة عدوان واحتلال وتذرعوا بعصابات إرهابية هم من أنشأوها ورعوها وأمدوها مع رجلهم أردوغان ومع حلفائهم في حكومتي قطر والسعودية بالمال والسلاح ولما يئسوا من القدرة على تحقيق أي هدف سياسي ولم يجدوا “غير الرمال والموت” على حد تعبير الرئيس الأميركي فالمنطقي أن تكون حصيلة الفشل رحيلهم وهروبهم بخفي حنين أي دون قيد او شرط كما قالت بيانات الدولة السورية وكما شرح الرئيس بشار الأسد غير مرة عبر وسائل الإعلام وأين وجه الغرابة إلا في عرف البلهاء والمهزومين المرتعبين؟ نصيحتنا لبعض صحافيينا ألا يصدروا المأزق الصهيوني الأميركي إلى ساحاتنا فالمرتبك هو نتنياهو ويصح اليوم اعتماد نصيحة القائد الفيتنامي العظيم “هوشي منه” بأن نسأل أنفسنا عما يزعج العدو عندما تقع تطورات واحداث مربكة حتى لا نقع في حيرة اتخاذ الموقف الصحيح .