اغتيال نيمتسوف: هل بدأت حرب استنزاف روسيا؟ حميدي العبدالله
اغتيال المعارض الروسي البارز الممثل الأصلب للاليغارشية المالية الروسية التي هيمنت على روسيا في عقد التسعينات والحليفة بقوة للغرب، وضعته بعض وسائل الإعلام الغربية في سياق حملة الرئيس الروسي لإرهاب معارضيه، ولا سيما أنّ عملية الاغتيال جاءت بعد ساعات من الإعلان عن تنظيم تظاهرة بمبادرة من المعارضة الروسية، تشجب تدخل روسيا في أوكرانيا.
لكن كثيراً من المحللين لا يؤخذون بهذه النظرية، ويرون أنّ الاتهام لا يستند إلى أسس صلبة، سياسية أو قضائية، يمكن الاعتداد بها، وعادةً عند وقوع جريمة من هذا النوع دائماً يبدأ التحقيق القضائي بطرح سؤال عن المستفيد من وقوع هذه الجريمة في هذا التوقيت بالذات؟
لا شك أنّ الغرب ومعه الأوكرانيون هم المستفيد الأول من هذه الجريمة، في حين أنّ روسيا هي المتضرّر الأول. الغرب هو المستفيد لأنّ هذه الجريمة تشكل نقطة انطلاق لإعلامه ولسياسييه لشيطنة نظام الرئيس بوتين، وهم بدأوا هذه الشيطنة حتى قبل أحداث أوكرانيا، وتصاعدت بعد ذلك، ولكن دائماً تحتاج إلى مادة إضافية يتمّ الاستناد إليها لإضفاء المصداقية على عملية الشيطنة، وقد تكون عملية الاغتيال قد تمّت في هذا السياق. وروسيا متضرّرة لأنّ عملية الاغتيال سوف تستخدم للنيل من النظام ولتفعيل الاتهامات ضدّه، ولحشد قوىً للعمل على استنزاف روسيا سياسياً وخلق مشاكل تقود إلى تقويض الاستقرار وإثارة الاضطرابات، لا سيما بعد أن تبيّن أنّ العقوبات التي فرضت على روسيا من قبل الحكومات الغربية، وكذلك انخفاض أسعار النفط، وتدهور قيمة العملة الروسية، لم تقد إلى حدوث اضطرابات وتراجع شعبية الرئيس بويتن ونظامه.
لكن هل تنجح الحكومات الغربية في تحقيق ما تصبو إليه؟ وهل تشهد روسيا اضطرابات حادة على خلفية الاغتيال تؤدّي إلى تقويض الاستقرار، والتسبّب بأزمة لم تتمكن العقوبات من تحقيقها، وحرمان نظام الرئيس بوتين من التأييد الشعبي الحالي؟
الأرجح أنّ ذلك لن يتحقق لأسباب عديدة أبرزها، أنّ روسيا قد اختبرت المعارضة الموالية للغرب في عقد التسعينات وعانت في تلك الفترة كثيراً إلى درجة أنّ بعض الإحصائيات تشير إلى تناقص عدد سكان روسيا بحوالي 14 مليون نسمة في عقد واحد بسبب الأزمات الاجتماعية والفقر الحادّ وانتشار المافيا، وغياب العدالة الاجتماعية، كما أنّ مكانة روسيا العالمية في تلك الفترة تراجعت إلى مستوىً غير مسبوق في تاريخ روسيا التي كانت على امتداد قرون طويلة لاعباً مركزياً في الأحداث الدولية، ولا سيما في منطقة الأوراسيا، وعامَلَ الغرب روسيا في هذه الحقبة كدولة ضعيفة وتابعة، وهو الأمر الذي أثار حفيظة غالبية الروس، ودفعهم للبحث عن قيادة جديدة وحجب التأييد عن القيادات المرتبطة بالغرب.
سياسة الرئيس بويتن الحالية في أوكرانيا، والوقوف في وجه التفرّد الغربي، ولا سيما الأميركي، في رسم معالم السياسة الدولية يحظى بتأييد غالبية الروس، ومن الصعب على أيّ مخطط غربي التأثير على مستوى هذا التأييد أو عكس مساره، وأيّ مغامرات غربية مثل اغتيال المعارض الروسي ستقود إلى نتائج عكسية.
(البناء)