بقلم غالب قنديل

خلفيات الهروب الأميركي من سورية

غالب قنديل

ليس مقنعا القول ان إخراج ألفي عسكري أميركي من الشرق السوري سيستغرق مئة يوم كما قال بعض مسؤولي البنتاغون فقدرة القوات الأميركية اللوجستية تتعدى في سرعتها وإمكاناتها ذلك المدى الزمني المفترض لإخراج وحداتها المحتلة من الشرق السوري لكن الوقت المطلوب هو هامش مطلوب لإنجاز ترتيبات ميدانية وسياسية بعد الهروب الأميركي الذي كان وعدا انتخابيا لدونالد ترامب كرره قبل عشرة أشهر ثم أرجأ تنفيذه بناء على طلب البنتاغون ومجمع الاستخبارات الأميركية وبات أمس قرارا وأمرا رئاسيا للتنفيذ.

خلط الرئيس الأميركي أوراقا كثيرة بتغريدته التي أثارت البلبلة داخل المؤسسة الأميركية الحاكمة وفي صفوف جميع حلفاء الإمبراطورية الأميركية وعملائها في الميدان السوري وعلى مستوى المنطقة وحلت خيبة ثقيلة في تل أبيب تشي بأن القرار هو نتيجة لتغير البيئة الاستراتيجية في المنطقة لصالح محور المقاومة بقدر ما هو تعبير واضح عن تحولات كبرى فرضها صمود سورية وانتصارها مع محورها على العدوان الاستعماري الصهيوني الرجعي.

أثار القرار الأميركي تساؤلات عديدة عن المرحلة القادمة وهو في الواقع خطوة استباقية منتظرة بنتيجة منطق الأحداث ولعله جاء ترجمة عملية وحرفية لنبوءة السفير الأميركي السابق في دمشق روبرت فورد الذي وجه نصيحة للقيادات الكردية بعدم التعويل على الدعم الأميركي قائلا “إنهم سينسحبون ولن يدافعوا عنكم وسيخرجون فجأة كما فعلوا في لبنان عام 1983”.

ما هي العوامل الفعلية المكونة لقرار الخروج الأميركي ؟ يمكن في نظرة اولية رصد إطار هذا القرار وترقب التداعيات الميدانية والسياسية القادمة لما بعد تنفيذه :

أولا عندما قررت القيادة السورية وحلفاءها تحرير الجنوب السوري من العصابات الإرهابية وسائر الجماعات المسلحة كان اختبار القوة الأهم للتحالف الأميركي الصهيوني الرجعي المنخرط في العدوان على سورية وقد شكل الانكفاء الأميركي والإسرائيلي الواضح في منطقة حساسة جدا لحسابات الأمن الصهيوني مؤشرا استراتيجيا حاسما إلى تبدل ميزان القوى فقد سبقت عمليات التحرير السورية للجنوب تهديدات أميركية صهيونية بخوض مواجهة كبرى ما لبثت ان تلاشت امام تصميم الدولة السورية وحلفائها على حسم الوضع على الأرض وتداعت سريعا هياكل الجماعات المسلحة التي دعمها الأميركيون والصهاينة بمعونة سعودية قطرية تركية وانهار مشروع الشريط الصهيوني الواقي امام عزيمة الجيش العربي السوري وحزم الحليف الروسي وجاهرت القيادة السورية بمشاركة المستشارين الإيرانيين ووحدات من حزب الله في معركة تحرير الجنوب ناسفة خطوط ترامب ونتنياهو الحمراء واستردت سورية برضوخ صهيوني واضح جميع مواقع الجيش على خط الفصل بين القوات على جبهة الجولان وتباهى الأميركيون والصهاينة بعودة وحدات الإندوف التي ساهموا في اقتلاعها بعملية مخابراتية دبروها معا بالشراكة مع عصابات القاعدة وحكومة قطر.

حساب معادلات القوة منع الولايات المتحدة من توسيع نطاق التدخل العسكري والمغامرة بحرب كبرى لحماية امن إسرائيل وهو اولويتها المطلقة في المنطقة وكان انكفاؤها مؤشرا نوعيا إلى طبيعة التوازنات المتحولة في سورية وقلنا يومها انهم لن يفعلوا في شرق سورية ما عجزوا عنه في جنوبها.

ثانيا تتصاعد عمليات المقاومة الشعبية في الشرق السوري وهي أصابت اهدافا اميركية عديدة وكما تقوم تلك المقاومة بعملياتها بتكتم ودون استعراض تحرص الولايات لمتحدة على طمس المعلومات حول هذه الظاهرة المقلقة التي تشير إلى تشكل مستنقع استنزاف سيغرقها في جحيم قابل للتصاعد في حال تعززت جهود المقاومين بقوى إضافية يمكن ان تزج بها القيادة السورية وحلفاؤها من محور المقاومة في أي وقت خصوصا في حال انجزت سورية تحرير إدلب وانهت وجود العصابات الإرهابية هناك بعد المماطلة التركية في تنفيذ تفاهمات سوتشي التي وقعها أردوغان مع الرئيس فلاديمير بوتين.

ثالثا من الواضح ان الرئيس الأميركي كرس جهوده مؤخرا لاستعادة حرارة التحالف مع تركيا التي أعلن رئيسها بعد اتصال مع البيت الأبيض انه نال موافقة اميركية على العملية التي يزمع شنها لإقامة شريط تركي على طول الحدود مع سورية وبدا بوضوح ان الرئيس الأميركي اخلى الساحة لأردوغان واوكل إليه المهمة على حساب وحدات الحماية الكردية التي ستدفع ثمن انحيازها للمحتل الأميركي على حساب الفرصة التي تتيحها لها الدولة الوطنية السورية ويبدو الموقف الكردي المرتبك امام التهديد التركي عاجزا عن الانتقال إلى مستوى المجابهة بتسهيل انتشار الجيش العربي السوري والتخلي عن اوهام الانفصال والفدرالية بسبب رهانه الخائب على الأميركي.

رابعا إن مسارات الصراع الذي تخوضه سورية دفاعا عن سيادتها ووحدة ترابها الوطني ستشهد تحولات متسارعة نتيجة انعكاسات وتفاعلات القرار الأميركي وينبغي مراقبة العلاقة الأميركية التركية بعد إعادة ترميمها وتفاعلات الميدان التي تطرح أسئلة كثيرة عن مصير الأهداف الأميركية من نشر قوات الاحتلال في سورية وبصورة حاسمة منع التواصل السوري العراقي في ضوء التغييرات السياسية الأخيرة ويفترض رصد مصير المغامرة التركية المزمعة على الأرض وماهية حساب القيادة الوطنية السورية للوائح التهديدات والفرص لكن تبقى كلمة وهي ان كل انكفاء للمحور المعادي هو تقدم لمحور المقاومة ومزيد من الرصيد لمسيرة تحرير سورية وانتصارها القادم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى