مقالات مختارة

الولايات المتحدة والسعودية والشرق الأوسط ما بعد خاشقجي مايكل سينغ

 

وور أون ذي روكس

10 كانون الأول/ديسمبر، 2018

أدى مقتل جمال خاشقجي إلى قيام واشنطن بمراجعة مفاجئة لمواقفها تجاه الشراكة الأمريكية – السعودية. ونتيجة موجة غضب اعترت الكونغرس الأمريكي، فإن مشروع قانون ينهي الدعم الأمريكي للحملة العسكرية التي تقودها السعودية في اليمن قد يجتاز بشكل كبير العقبة المطلوبة لتعميق النقاش، مستقطباً دعماً قوياً من الحزبين [الجمهوري والديمقراطي]. وفي هذا السياق، ينظر الكونغرس أيضاً في مشروع قانون آخر من شأنه أن يضع شروطاً صارمة على بيع الأسلحة الهجومية للمملكة العربية السعودية التي تشكّل المشتري الأكبر للأسلحة الأمريكية.

ومن جانبها، فرضت إدارة ترامب، عقوبات على 17 سعودياً يُقال إنهم متورطون في مقتل خاشقجي، ومنعت 21 آخرين من دخول الولايات المتحدة. بيد، ظلت الإدارة الأمريكية تدافع بقوة عن الشراكة الأمريكية – السعودية، حيث أشادت بالمملكة باعتبارها “دعامة للاستقرار” وتعهدت بمعارضة جهود الكونغرس الرامية إلى تقليص العلاقة مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان أو معاقبته.

بالنسبة إلى البعض، لم تعُد الشراكة بين الولايات المتحدة والسعودية تتمتع بالأهمية ذاتها. فالعلاقة قائمة إلى حد كبير حول ضمان إمداد ثابت للنفط إلى الغرب وإبعاد الأراضي الاستراتيجية عن متناول أيدي الإمبراطورية السوفيتية المنحلة الآن، ومن هذا المنطلق، لا تحتاج العلاقة إلى بعض التعديلات بل إلى إعادة تقييم شاملة. ففي النهاية، يفوق إنتاج النفط الأمريكي الآن الكميات المنتجة في السعودية، مما يؤدي إلى الاكتفاء الذاتي، إن لم يكن إلى الاستقلال في مجال الطاقة. وبدلاً من السعي إلى إبقاء الآخرين خارج المنطقة، تتطلع الولايات المتحدة على نحو متزايد إلى إخراج نفسها، حيث يرى العديد [من السياسيين] أن حلفاء أمريكا في الشرق الأوسط يشكلون أعباءً تمنعها من الهروب من المستنقع الإقليمي.

ولكن، سيكون من الخطأ التخلي عن الشراكة بين الولايات المتحدة والسعودية. فعلى الرغم من كل المحادثات التي جرت في السنوات الأخيرة حول “إعادة التوازن” إلى منطقة المحيطين الهندي والهادئ، أو الانتقال من مكافحة الإرهاب إلى المنافسة بين الدول العظمى كإطار استراتيجي منظم للسياسة الخارجية الأمريكية، ما زال الشرق الأوسط مهماً. فالولايات المتحدة تحافظ على مصالح هامة هناك، مثل مكافحة الإرهاب ومنع انتشار أسلحة الدمار الشامل. وبالفعل، فإن بعض هذه المصالح – ضمان حرية الملاحة عبر الممرات البحرية في المنطقة وضمان التدفق الحر للطاقة إلى الحلفاء الذين يعتمدون عليها، مثل اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان – تعتبر حيوية لأي استراتيجية منافسة مع منافسين شبه متكافئين مثل الصين.

وللحفاظ على علاقة استراتيجية مع المملكة العربية السعودية، هناك عدة خطوات يمكن أن تتخذها الولايات المتحدة لجعل دبلوماسيتها مع الرياض أكثر فاعلية، وتوضح أن الدعم الأمريكي ليس مشروطاً. وفي الوقت نفسه، يجب أن تكون حادثة خاشقجي بمثابة دعوة لإيقاظ صانعي السياسة الأمريكيين الذين يتطلعون إلى العمل بشكل متزايد عن طريق الحلفاء في الشرق الأوسط في الوقت الذي توجّه فيه الولايات المتحدة انتباهها نحو مسائل أخرى. ويجب أيضاً إعادة تنظيم السياسة الأمريكية تجاه الشركاء الآخرين في المنطقة لكي تحافظ هذه الشراكات على فعاليتها.

تاريخ مضطرب

في الواقع، لطالما افتقرت العلاقة بين الولايات المتحدة والسعودية إلى السلاسة. فقد كانت عرضة للأزمات – وأبرزها مقاطعة النفط عام 1973 والهجمات الإرهابية في 11 أيلول/سبتمبر – فضلاً عن الخلافات الحادة، مثل تلك المتعلقة بحرب العراق والاتفاق النووي الإيراني. ولطالما شعرت واشنطن بعدم الارتياح من دور الرياض في رعاية التطرف. وحتى العقد الأول من عام 2000، كانت السعودية مترددة في ارتباط اسمها بشكل وثيق مع الولايات المتحدة. غير أنّ العلاقة تخطت هذه التحديات إذ على الرغم من كل شيء، رأت كل دولة أنه لا غنى لها عن الأخرى من أجل تحقيق استراتيجيتها الأمنية.

ومن المفارقات أنه قبل مقتل خاشقجي، كان صانعو السياسة يأملون في أن يؤدي صعود محمد بن سلمان إلى تخفيف التناقضات في العلاقة. وكان يُنظر إلى الأمير على أنه غير ملتزم في الشراكة مع واشنطن فحسب، بل أيضاً في برنامج الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي الذي يمكن أن يقوم بتحديث السعودية وإنهاء دورها في تعزيز التطرف الديني. وكان المحللون يدركون أيضاً خلافة الأجيال التي تلوح في الأفق في السعودية، حيث انتقل العرش لعقود من الزمن من أخ غير شقيق إلى آخر. لذا، شعرت الولايات المتحدة، والغرب على نطاق أوسع، بأن لهما مصلحة في نجاح ولي العهد.

ومع ذلك، تزايدت هذه الآمال توتراً مع سياسات الرياض الفعلية. فالعواصم الغربية أبدت عدم ارتياحها تجاه كل من اعتقال مجموعة كبيرة من النخبة السعودية، والاحتجاز الوجيز لرئيس الوزراء اللبناني واستقالته القسرية، والاضطهاد المتزايد للمنتقدين المحليين، والتجاوزات في النزاعات الإقليمية والدولية. وقد يكون مقتل خاشقجي الشرارة التي أثارت الاحتدامات الحالية، لكن كانت هناك مشاكل كثيرة في الأصل. وتسبب ذلك في أخطر أزمة تعرضت لها العلاقات الأمريكية – السعودية منذ 11 أيلول/سبتمبر، ولا يمكن للولايات المتحدة أن تأمل بأنها ستهدأ بمرور الوقت. وكما كان الحال في الماضي، سيتوجب القيام بأعمال متضافرة لتصحيح العلاقة خشية استمرار عدم استقرارها أو تفاقمها.

بين قطع العلاقات ومضاعفة الجهود: أربع طرق لإصلاح التحالف الأمريكي – السعودي

وصفت إدارة ترامب الشراكة الأمريكية – السعودية كأداة مفيدة وحيوية لتعزيز الأهداف الأمريكية مثل مواجهة إيران. وهناك أساس تستند إليه هذه التأكيدات: ففي حين لا تتمتع السعودية بنفس قدرة الشراكة كإسرائيل أو الأردن، إلّا أن المملكة أثبتت أنها تساعد في أمور مثل تبادل المعلومات الاستخبارية والعمل بمثابة نقطة تواصل للعرب مع العراق. ومع ذلك، فإن الشراكة بين الولايات المتحدة والسعودية هي في الحقيقة أكثر تركيزاً على الحماية أو الشؤون الدفاعية، وصُممت لكي تكون أقل تركيزاً على تعزيز الأهداف الأمريكية من التصدي للسيناريوهات السلبية. فالأمر ليس عدم استطاعة واشنطن الاستغناء عن مساعدة الرياض، بل خشيتها من عواقب فقدان النفوذ على سياسات الرياض الإقليمية والخارجية، أو، ما هو أسوأ، زعزعة استقرار المملكة. وفي الوقت الحالي، لا يتعين على الولايات المتحدة أن تقلق كثيراً من حلول قوة أخرى محلها في السعودية، إذ لا تملك موسكو أو بكين القدرة على الحلول محل الولايات المتحدة في الشرق الأوسط أو الإرادة للقيام بذلك. لكن هذه الإمكانية ستزداد بمرور الوقت مع تعطش الصين للنفط ورغبتها في إبراز قوتها خارج منطقتها.

ومن المرجح أن يؤدي التخلي عن الشراكة الأمريكية – السعودية إلى إثارة الانعكاسات السلبية التي تسعى واشنطن إلى تجنبها أو تأجيلها. فاستهداف خاشقجي والسياسات الإقليمية المتقلبة التي تتبعها الرياض تشكّل أعراضاً للمشكلة الأساسية نفسها وهي: دخول السعودية مرحلة من التغييرات الداخلية الأساسية مع وصول جيل شاب إلى السلطة، لا سيّما في الوقت الذي تمر فيه منطقة الشرق الأوسط بأطول فترة من الاضطرابات المستمرة منذ عقود، والذي تسعى فيه الولايات المتحدة إلى الانسحاب من دورها القيادي الإقليمي الذي كان واثقاً ذات مرة. ومن غير المرجح أن يؤدي التخلي عن الرياض أو احتضانها دون تمحيص إلى التخفيف من حالة عدم الاستقرار هذه – بل توحي السنوات القليلة الماضية بأن هذه الأساليب الأكثر تطرفاً لن تؤدي إلّا إلى تفاقمها.

لكن هذه ليست الخيارات المتاحة الوحيدة. فبدلاً من عرقلة فعالية الشراكة أو التغاضي عن مشاكلها، يجب على واشنطن اختيار المشاركة المكثفة ولكن القوية مع الرياض والتي تهدف إلى تجنب المزيد من عدم الاستقرار. ولا بد لنهج كهذا من أن يتضمن أربعة عناصر.

أولاً، تحتاج الولايات المتحدة إلى تطهير عملها الدبلوماسي مع السعودية. فقد تمتع السعوديون في كثير من الأحيان، وعبر إدارات أمريكية متعددة، بامتيازات الوصول إلى المكتب البيضاوي في البيت الأبيض ووزراء الحكومة الأمريكية. ولكن في المرحلة القادمة، يجب على هذه الجهات الفاعلة أن تفسح المجال أمام السفير الأمريكي والمسؤولين الأمريكيين في المنطقة من خلال الحد من اتصالاتهم المباشرة مع الرياض لمنع “المفاضلة الدبلوماسية بين الولايات القضائية” وضمان اتباع نهج أمريكي منسق. وفي إطار الحد من عدد صناع القرار وتبسيط العلاقة، يجب تثبيت اختيار الجنرال جون أبي زيد، سفير واشنطن المعين لدى المملكة، على وجه السرعة، وتمكينه من تقديم توجيهات شخصية محنكة للقيادة السعودية.

ثانياً، ينبغي على واشنطن أن تصر على أن تعيّن الرياض مسؤولين في مرتبة دون منصب الملك وولي العهد وتمنحهم السلطة الكافية ليتمكن المسؤولون الأميركيون من التعامل معهم. إذ لا تستطيع الولايات المتحدة اختيار من يقود السعودية، كما لا يجب أن تحاول فعل ذلك. ولكن وجود نقاط اتصال قليلة لا بد من أن يضعف العلاقة الثنائية، إذ لا يمكن توقع أن يولي شخص واحد اهتماماً كافياً لمجموعة كاملة من القضايا التي تحتاج الولايات المتحدة والسعودية إلى مواجهتها معاً. والأهم من ذلك، يجب على الولايات المتحدة التشديد على أن ذلك يصب في مصلحة البلدين.

ثالثاً، يتوجّب على الولايات المتحدة أن توضح أنّ مبيعات الأسلحة وأشكال الدعم الأمريكي الأخرى لا تتوقف على مجرّد تصوّر مشترك للتهديدات، بل على استراتيجية مشتركة لمواجهة تلك التهديدات. وفي حين ستستمر الخلافات بين الجانبين، يجب أن يكون دعم الولايات المتحدة ثمرة للأهداف والاستراتيجيات المشتركة، وليس أمراً مشابهاً لاختبار ولاء واشنطن للشراكة أو الصرامة تجاه إيران والخصوم الآخرين. وبالمثل، ينبغي على واشنطن بذل المزيد من الجهود للتشاور مع الرياض وحلفاء إقليميين آخرين قبل المبادرات الكبرى التي تؤثر على المشهد الأمني للمنطقة، مثل الاتفاقية النووية مع إيران أو التغييرات في السياسة الأمريكية في سوريا.

وأخيراً، يجب على الولايات المتحدة أن تكمل دبلوماسيتها الثنائية مع الرياض بدبلوماسية إقليمية معاد تنشيطها. فللحلفاء الإقليميين الآخرين مصلحة أكبر في استقرار السعودية وسياساتها الإقليمية من الولايات المتحدة. ويمكن للمحافل المتعددة الأطراف إعلاء أصوات القادة الإقليميين المحنّكين الذين قد تستفيد واشنطن من نفوذهم وخبرتهم حتى لو كانت أصولهم العسكرية والاقتصادية ضئيلة نسبياً. ومن الأمثلة على ذلك هو الحوار الأمني الخليجي في عهد جورج دبليو بوش، والذي سعى إلى تنسيق سياسات الولايات المتحدة وحلفائها عبر مجالات تتراوح من العراق إلى الدفاع الصاروخي المسرحي.

فيما يتخطى السعودية: إعادة إحياء الشراكات الإقليمية

كما تشير التوصية الرابعة، لا ينبغي رد الولايات المتحدة على قضية خاشقجي أن يقتصر على إصلاح علاقتها بالمملكة العربية السعودية والتعامل مع الأزمة الراهنة. فجميع علاقات الولايات المتحدة في الشرق الأوسط تقريباً معرّضة لهذا النوع من الأزمات، ولا يمكن فصل السياسة الأمريكية تجاه السعودية عن نهجها الشامل تجاه المنطقة.

يجب أن تحثّ الأزمة السعودية على إجراء تصحيحين واسعي النطاق في سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. أولاً، يجب على الولايات المتحدة إعادة تقييم نهجها للشراكات الأمنية وتقاسم الأعباء في المنطقة. فإذا أرادت واشنطن أن تخفض بنجاح تأثيرها في الشرق الأوسط دون التضحية بمصالحها، فعليها أن تضمن أن تكون شراكاتها الإقليمية فعّالة – محورية، وليست مجرد وقائية – وكذلك مستدامة محلياً. وهذا أمر صحيح بالنسبة إلى الشراكة الأمريكية – السعودية، لكن الأمر ينطبق كذلك على علاقات المساعدة العسكرية الأمريكية الرئيسية في المنطقة، مثل تلك مع مصر ولبنان.

عندما تظهر أزمات مشابهة للصراع في اليمن، يجب أن تكون واشنطن صريحة مع الشركاء، وأن توضح أنّ دعم الولايات المتحدة يعتمد على أهداف عسكرية واقعية وجدول زمني معقول، مقرون باستراتيجية سياسية – وتسعى إلى ممارسة هذا النظام في تدخّلاتها الإقليمية الخاصة. وهذا يعني حتماً قدراً أكبر من ضبط النفس.

وعندما يتعلق الأمر ببرامج المساعدة الأمنية المستمرة الطويلة الأمد، يجب أن تركّز الولايات المتحدة بدرجة أقلّ على مجرد تقديم التدريب والمعدات، وبدرجة أكبر على الإدارة الشاملة للشراكة مع الدولة حول شؤونها العسكرية، كما أشارت مسؤولة البنتاغون السابقة مارا كارلين. وهذا يعني تناول مسائل حساسة مثل هيكل الشركاء العسكريين الأجانب ومعتقداتهم، وكذلك العلاقات المدنية والعسكرية. ولكنّه يعني أيضاً مقاومة إغراء التعاطي مع المساعدة الأمنية كورقة مساومة قصيرة الأمد من خلال ربطها بقضايا اليوم. وبما أنّ إصلاح قطاع الأمن هو بالضرورة مشروع طويل الأجل، يجب على الولايات المتحدة أن تربطه بتلك الحالات التي من المرجح أن تحوّل الشريك عسكرياً إلى قوة فعالة مع مرور الوقت.

ثانياً، يجب على الولايات المتحدة أن تساعد في إبراز [قضايا] حقوق الإنسان والحقوق المدنية في علاقاتها الثنائية الإقليمية. فالتأييد الأمريكي لحقوق الإنسان والحقوق المدنية في الشرق الأوسط تضاءل بشكل كبير في السنوات الأخيرة. وكان ردّ الفعل هذا واضحاً خلال إدارة أوباما، التي ربطت “أجندة الحرية” للرئيس جورج دبليو بوش بحرب العراق وسياسة التدخّل. وقد عزز ما يُعرف بـ “الربيع العربي” من عام 2011 هذا الاتجاه، على الرغم من الإحياء القصير والمبدئي للحماس الغربي حيال الإصلاح السياسي. وفي ظل إدارة ترامب، التي سعت إلى ممارسة شكل من أشكال السياسة الواقعية في علاقاتها الخارجية، فقد ازداد هذا التقليل من شأن حقوق الإنسان قوة.

وتوضح الأزمة الحالية في العلاقات الأمريكية – السعودية الجوانب السلبية لهذه التحوّلات. فقضية خاشقجي هي تذكير بأنّ إهمال المخاوف المرتبطة بحقوق الإنسان لا يمكن أن يعرّض الدعم الأمريكي المحلي للعلاقات الإقليمية فحسب، بل قد يحجب النور عن صانعي السياسة من رؤية هشاشة الدول الشريكة. ويكون خفض مستوى حقوق الإنسان أمراً مناسباً عند التعامل مع الشركاء المستبدّين، ولكنه يأتي بتكلفة. فهو يتناقض مع القيم الأمريكية، وبالتالي يصعب الحفاظ عليه محلياً ويضرّ بشكل واسع بالمصداقية الأمريكية. يجب على صانعي السياسة أن ينظروا إلى الأمر ليس فقط كضرورة أخلاقية، بل استراتيجية أيضاً – ذلك أنّ الأنظمة القمعية غالباً ما تكون عرضة لعدم الاستقرار، وأولئك الذين يتّبعون سياسات قاسية في الداخل، نادراً ما يمارسون الحكمة في الخارج.

يجب على المسؤولين الأمريكيين رفع قضية حقوق الإنسان في جداول الأعمال الثنائية والإقليمية وضمان تمتّع برامج المساعدة الأمريكية التي تركز على الحقوق والمجتمع المدني بالدعم الدبلوماسي الواضح والرفيع المستوى. إن التوضيح للشركاء بأنّ هذه القضايا ستبقى دائماً موضوعاً للحوار عند زيارة كبار المسؤولين الأمريكيين، وبأنّ جداول المسؤولين الزائرين ستشمل لقاءات مع ممثلي المجتمع المدني، قد يساعد في كبح الانتهاكات وإتاحة الفرصة للمجتمع المدني في المنطقة، وهو أمر حيوي لرفاهيته واستقراره. وقد يساهم ذلك بدوره في استدامة الدعم الأمريكي المحلي لهذه العلاقات. ومجدداً، يجب أن تكون الولايات المتحدة متفانية لذلك على المدى الطويل ومستعدة للتحلي بالصبر، واتباع نهج معيّن يقوم على أساس كلّ حالة على حدة، مع التركيز بشكل أقلّ على المكاسب الرئيسية مثل الانتخابات، وبشكل أكثر على العمل الإضافي لبناء المؤسسات الحيوية للدول الأكثر مرونة.

الخاتمة

مع سعي الإدارات الأمريكية المتعاقبة إلى إخراج نفسها من الشرق الأوسط وتحويل الموارد إلى منطقة المحيطين الهندي والهادئ وروسيا، فقد اكتسبت فكرة العمل من خلال الشركاء زخماً كبيراً. ولكنّ لا توجد طرق سهلة للنجاح في هذه المنطقة. وقد شهدت الولايات المتحدة سلبيات المشاركة المباشرة والمفرطة في الشرق الأوسط ومحاولة غسل يديها من مشاكل المنطقة. أما الآن، فإنّ إدارة ترامب تدرك عثرات اتخاذ الموقف الوسط، أي أن العمل من خلال الشركاء يجعل واشنطن عرضة لعيوبهم وأسيرة لمصالحهم الضيقة.

ولا يكمن الحل في العودة إلى الإفراط في الالتزام أو التراجع، بل في عملية الإشراك الصبورة التي تسعى إلى تحويل الشراكات الوقائية إلى علاقات أكثر فعالية. وتؤدّي إعادة ضبط النهج الأمريكي بهذه الطريقة إلى جذب الاعتراضات، سواء من الشركاء أو من داخل البيروقراطية الأمريكية، حيث أن المصالح الأمنية القصيرة الأجل أشد وطأة من المخاوف الطويلة الأجل. ومع وجود مخاطر جيوسياسية مشروعة – في حين تتصدّر المشاكل في العلاقات الأمريكية الإقليمية العناوين الرئيسية – تكسب الولايات المتحدة بهدوء الكثير من خلال التعاون مع هؤلاء الشركاء، وقد تكون أسوأ حالاً من دونهم. وسيتطلّب الحد من هذه المخاطر أن توضح الولايات المتحدة أنّ استراتيجيتها الخاصة بالحد من الالتزامات ليست بمثابة قطع وهرب؛ وأنّها مستعدة للاستثمار في جهد طويل الأجل لتحسين قدرات الشركاء؛ وربما الأهم من ذلك أنّها مستعدة لأن تكون أكثر صرامة مع خصومها مما هي على أصدقائها.

مايكل سينغ هو المدير الإداري لمعهد واشنطن. شغل منصب كبير مديري شؤون الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي من 2007 إلى 2008.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى