حسن مشرَّفية تكريمك يوم العبور إلى الوطن رودولف القارح
إلى حسن مشرَّفية، في يوم تَكريمك الرسمي، أستأذِنُكَ يا أستاذي وصديقي كي أستَذْكر مَعَك بَعْضاً من ذِكْرياتنا المشتركة مِنْ سبعينات القرن المُنْصَرِم حيث كان مُجتمعنا يَبحَثُ عن مسارات سياسية، اقتصادية، اجتماعية، ثقافية وأكاديمية تُخرجُهُ من حالة التَبعيَّة التي وَرِثَها من حقبة الاستعمار التاريخية، المغلَّفة عندنا بثوْب «الانتداب» وتَرْكَتِهِ الثقيلة .
لن أنسى أبداً أحَادِيث الفَرحِ التي تبادلناها عندما أشرقَت الشمس على الحرم الجامعي «الموحَّد» في الحدث. حَرَمٌ جامعي وُلِدَ من رَحَمِ نِضَالاتٍ مُعَقَّدة بدأت مطلع سنوات الاستقلال. لن أنسى أبداً ما تَبَادَلْناهُ من أَفكارٍ خلال هذين اليومين اللذين أمضيناهما نَنقُل في سيارتي أرشيفك ووثائقكَ الخاصة من مبنى اليونيسكو إلى كلية العُلوم الجديدة.
كانت الجامعة الوطنية تَسْبَحُ في بَحْرٍ هَائج تَتَجاذَبهُ تيارات عَدِيدَة ومُتَناقِضَة أستحضِرُ منها اثنين:
يُجَاهدُ الأول من أجْلِ الخروج من حالة التبَعية الثقافية الموروثة التي كرّسها الانتداب وثَبّتَ آليات إعادة إنتاجها – هل ننسى الضغوط التي مارسها المُفَوَّض السامي على الجامعة الأميركية كي تُبدّل لُغَة تَدْريس مادة الرياضيات والعلوم الطبّية من العربية إلى الإنكليزية من أجل تكريس اللغة الفرنسية في جامعة اليسوعية؟
كان هذا التيار يُشَدّدُ على مبدأ «تقريب» المَنَاهج لكن من دون تحديد مضمون الشِعار وبرامجه التطبيقية.
أما الثاني فتكوّن من خليط سياسي طائفي أكاديمي صاحب مَصَالِح مُشتركة كان يجتهد (بالخِطاب والعُنف…) لمنع نمو جامعتنا الوطنية وتقوية قدراتها المؤسّسَاتية والمعرفية، مُعْتبِراً أنها تهدّد مراكزه «ومركزيّتهِ» منذ عهد الانتداب، مُستَحْضراً مُعَلبّاتٌ أيديولوجية عن عجز اللغة العربية البُنيوي عن مواكبة تطور العلوم.
كان هَمُّنا المشترك آنذاك يَتلخّص في الأسئلة التالية: كيف نعمل على استِيعَاب الإرث الأكاديمي الموروث من أجل توظيفه لرفد صعود الجامعة الوطنية ودورها والعُبور من الشرذمة الطائفية – الاجتماعية إلى الانصهار الوطني؟
كيف نعمل على صياغة خطّة وطنية تُتَرجَمُ في سياسة الدولة الجامعية والتربوية وترتكز على رؤيا شاملة لمُستقبل المجمع الوطني ومُتَطَلبّات تقدُّمِه واستقلالِهِ؟
كيف نحوّلُ آليات التبعية التعليمية إلى مؤسسات للإبداع والإنتاج الَمعْرفي؟
كيف نُخَطِّطُ فَنُحَوّل الأفكار إلى مشاريع تطبيقية؟
أودُّ أن أستذْكر هُنَا أحد أحلامنا الذي انصرفنا إلى العمل من أجل تحوُّله إلى مشروع عملي. قمنا بصياغة برنامج يهدف إلى إنشاء كلية طبٍ في الجامعة اللبنانية تتقاسم معارفها وأجهزتها ومناهجها وحياتها الأكاديمية مع كلية الطب في الجامعة اليسوعية، وكان لنا سَنَدٌ قوي فيها يجاري أحلامنا هو الأب ميشال آلار العالِمَ الْلُغوي الذي ذهب ضحية التبادُل المَدْفَعي في أوائل أيام الحرب المشؤومة.
كان هذا المشروع بَاكورة خطّة شاملة تهدف إلى انتقالنا إلى مرحلة تحقيق حلْم بناء الوطن.
تكريمك الفعلي يا أستاذي وصديقي لن يكون إلّا في ذاك اليوم الذي يَعبُرُ فيه لبنان من حالة التشظّي والشرذمة إلى المواطنة والوطن.
* أستاذ سابق في الجامعة اللبنانية ـــ الكلمة ألقيت خلال احتفال بذكرى الدكتور حسن مشرفية (1925 – 2018 ـــ الوزير السابق ومؤسّس كلية العلوم في الجامعة اللبنانية) أقامته الجامعة اللبنانية أخيراً.