تصحيح قواعد المساكنة
غالب قنديل
قامت قيادة حزب الله بمبادرتين مهمتين لتصحيح قواعد المساكنة داخل السلطة السياسية من خلال مساندتها لمطلب تمثيل مجموعة نواب الثامن من آذار الذين تكتلوا في اللقاء التشاوري وعبر رسالتها الرادعة لمحاولة شطب الوزير وئام وهاب من خلال إشعال فتنة في الشوف تقول بعض المعلومات أن المخطط لها في الغرف السوداء الغربية والسعودية كان يقضي باقتناص فرصة اندلاعها وانتشارها لتنفيذ عملية عسكرية صهيونية تستهدف حزب الله بذريعة الأنفاق المزعومة والتحرك السريع لقيادة الحزب قطع الطريق على هذا السيناريو الجهنمي الذي أفشلته دماء الشهيد محمد أبو ذياب.
رغم ما تقدم ما تزال المساكنة بين المحورين تشكو من خلل خطير يقتضي التصدي لمعالجته بغض النظر عن مسالك الملف الحكومي ومساراته في الفترة القريبة القادمة وهذا الخلل الخطير يتمثل في استمرار الالتزام الحكومي اللبناني بالممنوعات التي تفرضها الوصاية الأميركية السعودية منذ الإفراج عن رئيس الحكومة المكلف من محبسه في الرياض وهي تطال مسار العلاقات السياسية والاقتصادية مع سورية وروسيا والصين والهند وإيران.
بناء على الطلبات الأميركية السعودية يجري التعامل مع هذا الملف بالتذاكي والتحايل من قبل اطراف عديدة لاعتراض وتأخير أي تطوير محتمل وقد بلغت صلافة التقيد بالإملاءات حد رفض الهبات وإدارة الظهر للمبادرات وتجاهل المصالح والمزايا الكثيرة التي تشتد الحاجة اللبنانية إليها اقتصاديا ودفاعيا ونفطيا وكذلك يتم سد الطرق إلى فرص جدية فعلى سبيل المثال لم تقدم أي جهة لبنانية تفسيرا مقنعا لخلفيات تجاهل الصين وإمكاناتها المالية ومنهجية شراكاتها المتوازنة مع الدول الأخرى في مناقشة تمويل المشاريع المتضمنة في سلة سيدر بل وأكثر في احتمال إعادة هيكلة وجدولة ديون الدولة اللبنانية وهو ما فعلته الصين مع دول اخرى عديدة في إطار شراكاتها الاقتصادية عملا بمبادرة الطوق والحزام التي تنفذها وهي تشمل لبنان نظريا وحكومة لبنان تدير ظهرها.
هذا الخلل المتعمد خطير للغاية بما يحمله من آثار وانعكاسات تمس بنتائجها الوضع الاقتصادي والمالي الذي يعلو الصراخ السياسي عن تدهوره صوب مأزق خطير لايتحدث السياسيون عن أسبابه وجذوره ويدور نفاق كبير في تحاشي الإدانة الواضحة لنهج الاستدانة المفرطة والهدر المنظم الذي فرضته جهة سياسية ما تزال تحتكر الملفين الاقتصادي والمالي رغم ان نهجها أدى إلى تدمير قطاعات الإنتاج لصالح الاقتصاد الريعي والمديونية المتضخمة منذ تسيدها على السلطة بعد اتفاق الطائف وتعميمها للوصفات النيوليبرالية المستوردة من مراز التخطيط والاستشارة الأميركية وتقيدها بتوصيات البنك الدولي وصندوق النقد التي خربت بلدانا عديدة وحتى عندما شرعت الولايات المتحدة في تطبيق توجهات مختلفة لاقتصادها بعد ازمة 2008 استمر التمادي في الوصفات اللبنانية نفسها من قبل الفريق التابع للهيمنة الغربية في لبنان.
منذ ما بعد الطائف لم تتخذ خطوة واحدة لتطوير قطاعات الإنتاج وتنمية الثروة الوطنية ولا لحماية المنتجات الوطنية ولا للبحث في خطط منهجية متدرجة لإطفاء الدين العام كما تفعل اليوم حكومات الدول الكبيرة والصغيرة في العالم وقد تم إغراق البلاد بالمديونية المتضخمة ورهنها للخارج تحت ستار تأهيل بنية تحتية ما تزال مخربة رغم هدر عشرات المليارات بينما يجري تدمير موارد الثروة المائية التي كانت تسمى نفط لبنان.
يكثر الفريق الريعي كلامه عن علاقات خارجية متوازنة وهو يطبق واقعيا سياسة منحازة بصورة أحادية إلى الولايات المتحدة والمعسكر الغربي والمملكة السعودية بينما يلتزم الفريق الوطني المشارك في السلطة الصمت التام على ذلك الخلل وقد توانى مسايرة ورهبة عن خوض معركة تصحيح داخل مجلسي النواب والوزراء في قضية حيوية بل وجودية سياسيا واقتصاديا تستحق اشتراط إدراجها في أي بيان وزاري قادم بعد كل ذلك الخراب.
تقول الحسابات الواقعية والمنطقية بضرورة الالتفات إلى دول الشرق الصاعدة انطلاقا من الشقيقة سورية التي يغلب البعض أحقادهم اتجاهها على المصالح الحيوية للبنان ويتهرب بعض آخر بتعابير ملتوية من الاعتراف بأهمية هذه العلاقة ويبدو السلوك اللبناني الرسمي مخجلا في هذا المجال ورغم ذلك أبدت سورية حرصا على هذه المصالح في اعقاب تحرير الجيش العربي السوري لمعبر نصيب واستئناف الترانزيت اللبناني نحو البلاد العربية بكتلة من الصادرات الصناعية والزراعية تناهز قيمتها السنوية ملياري دولار.
هذا الانفصام اللبناني لابد أن يحسم بتحرير السياسة الخارجية والنهج الاقتصادي والمالي من الارتهان للوصاية والمطلوب هو التوازن في علاقات دولية وإقليمية متعددة تحتمها المصالح اللبنانية بدلا من التمترس في حضن معسكر دولي إقليمي يريد جذب لبنان إلى أجنداته الخاصة بما فيها خارطته السياسية الذاهبة صوب التطبيع مع العدو واستضعاف لبنان عبر تعطيل خطوط الشراكة التي تكمن فيها مصالح لبنانية أكيدة راهنة ومستقبلية فهل يستكمل الفريق الوطني منهجبا عملية التصحيح السياسي التي بدأها حزب الله بمنع استعمال أدوات السلطة التنفيذية لإحكام قبضة الهيمنة والوصاية بإلغائية سافرة؟.