لبنان وسورية : نقاط على حروف
غالب قنديل
كشفت تجربة لبنان مع سنوات الحرب على سورية مجددا حتمية التعاون بين البلدين كقضية حياة يوجبها الجوار الجغرافي والتشابك السكاني والاقتصادي وتفرضها حقيقة الانتماء القومي التي يتنكر لها بعض اللبنانيين الذين تغلبهم الأحقاد وتسوسهم ارتباطات خارجية معروفة أقحمتهم في تورط وانغماس كبيرين بتنفيذ الخطط الغربية الصهيونية الرجعية لتدمير سورية واستباحة لبنان … قيل قديما إن الحقد موجه أعمى في السياسة وقيل حديثا إن الاقتصاد يقود السياسة المعاصرة وفي حقوله ومزاياه تنتظم الصداقات والشراكات وتقوم الخصومات والخلافات فكيف بسورية ولبنان ؟
حاولت قوى الرابع عشر من آذار التي تورطت في الحرب على سورية ان تبرهن على وجود طرق بديلة للترانزيت اللبناني منذ انطلاق العدوان على سورية ومحاصرتها بإغلاق المعابر البرية مع الأردن وتركيا التي سلكتها إرساليات السلاح والمسلحين بينما ظلت المعابر اللبنانية تعمل بشكل طبيعي وسدت عصابات داعش الطرق بين سورية والعراق.
ارتفعت قياسيا كلفة التصدير اللبناني وزادت أعباء الاختناق الاقتصادي والركود الصناعي والزراعي وتحمل لبنان أعباء مضاعفة قياسا إلى الظروف السابقة والتزمت سورية بحرص شديد على شرايين الحياة بين البلدين رغم ما أقيم على أرض لبنان من غرف عمليات وتخطيط لتخريب امنها ولشن حملات إعلامية تحريضية موجهة إلى الداخل السوري عبر جميع وسائل الإعلام اللبنانية المرتبطة بالتوجيهات الأميركية وبالتمويل الخليجي المباشر وبواسطة الاحتكارات الإعلانية السعودية.
واللافت ان الفريق الوطني المشارك في السلطة وبينه أصدقاء وشركاء كبار لسورية كان متغاضيا بداعي الحساسيات الطائفية والسياسية ووافق بصورة غير مشروطة على اعتماد كذبة النأي فلم يضع في متن اولوياته منع التدخلات اللبنانية التخريبية في سورية على الصعد الأمنية والسياسية والإعلامية رغم وجود قوانين واتفاقات ثنائية لبنانية سورية تحتم ذلك وتفرضه على أي حكومة لبنانية.
عطلت تلك القوانين والاتفاقيات جميعا بفعل فاعل بل اكثر من ذلك كان الفريق الآخر يمارس فجوره السياسي والإعلامي بكل صفاقة وقام بخطوات هجومية ضد الوطنيين ويكفي استعراض تعامل السلطات اللبنانية مع المحرضين على الفتنة وشيوخ التكفير وحماتهم من السياسيين الذين امنوا انتقالهم إلى لبنان وقدموا لهم التسهيلات والأسلحة ونقلوا لهم الأموال من قطر والمملكة السعودية التي يلاحق منتقدوها بقضايا القدح والذم واساءة العلاقات بينما تحولت شتيمة سورية والتطاول على رئيسها إلى امر مألوف وشائع في الإعلام اللبناني واهملت الحكومات المتعاقبة وشركات الإعلام جميع تقارير وتوصيات المجلس الوطني للإعلام بهذا الشأن بل إن بعض الأطراف تقدم الحماية حتى اليوم لبث إذاعي غير شرعي موجه إلى الداخل السوري بدافع التحريض والتخريب ورغم كونه يعتدي على الترددات بما فيها الخاصة بإذاعة الدولة اللبنانية.
بينت الأحداث ان من سمتهم قوى الرابع عشر من آذار ثوارا ونالوا الحماية الرسمية في لبنان هم انفسهم محاربو داعش والقاعدة الذين تنصلت منهم لاحقا بضغوط اميركية وغربية عندما لاح خطر ارتدادهم إلى غربي حوض المتوسط ونتيجة نجاح مبادرات حزب الله والجيشين اللبناني والسوري في ضرب معاقلهم وطردهم من سفوح السلسلة الشرقية فأي سلبية وصمت ومعايشة لخلل خطير كانت من جانب الفريق الوطني الذي صدمه مجددا حقد وغباء وتهور الفريق ذاته في غزوة الجاهلية.
الفريق المعادي لسورية يدير ظهره للحاجات اللبنانية التي راعتها دمشق بنبل لأنها تحترم العلاقة بشعب لبنان فلم تطلب ثمنا سياسيا للربط الكهربائي اولاستئناف الترانزيت عبر أراضيها وأبقت خطوط التواصل بين الدولتين عند الحدود التي تعتمدها الرئاسة اللبنانية من خلال الملفات التي يتولاها اللواء عباس ابراهيم بحرص شديد وبتفويض رئاسي ورضوخ حكومي.
لاتقف أضرار ذلك السلوك اللبناني عند إدارة الظهر للحاجات اللبنانية الكثيرة التي تحتم علاقة وثيقة وشراكة جدية بين سورية ولبنان وإذا كان نادي الارتهان الغربي السعودي يعترف بفرصة ورشة بناء سورية بعد الحرب ويسيل لعاب أركانه لسمسرات وعمولات متخيلة مع الشركات الغربية والخليجية المتلهفة فهذا نسج خيال تبدده الرؤية السورية الصارمة واولوياتها التي تتركز على شركاء الصمود والمقاومة من دول الشرق التي يعاديها ذلك النادي ويعزل لبنان الرسمي عنها ويصد مبادراتها بصورة فاقعة برهنت عليها مواقف رسمية من الهبات الروسية والإيرانية والمبادرات الصينية وهي نتيجة استجابة صارخة لإملاءات اميركية خليجية.
هؤلاء انفسهم يديرون ظهورهم لمبادرة روسيا وسورية حول عودة المهجرين السوريين إلى بلدهم ليبقوهم أسرى برامج التسول والنهب الأممية التي ينخرها اللصوص متعددو الجنسيات وتنفيذا لمشيئة محركيهم في الخارج هل تنتقل جبهة الفريق الوطني بعد ردعها للتهور مؤخرا إلى التصحيح السياسي الجذري الذي تفرضه حاجات ملحة وفرص مهدورة بقوة حقد وعداوة حمقاء ؟.