عبرة للحلف الوطني المقاوم
غالب قنديل
الأهداف التي سعت إليها القوى السياسية التي دبرت عراضة غزو الجاهلية هي ذاتها نفس الأهداف التي حركت جميع المحاولات الانقلابية الفاشلة التي قام بها حلف الرابع عشر من آذار والأصل في كل ما يدور هو حساب الصراع والاختلاف منذ العام 2005 فما أشبه الثالث من كانون الأول 2018 بالخامس من أيار 2008 .
يستمر لبنان محكوما بالتناقض بين معسكرين سياسيين حول الموقف من المقاومة والعلاقة بسورية وهذا الفرز لايزال صالحا في النظر لجميع المواقع والمواقف المتقابلة وهو في خلفية رفض الرئيس الحريري للاعتراف بنتائج الانتخابات النيابية التي أظهرت وزنا شعبيا يعتد به لمنافسيه على تمثيل الطائفة السنية وفي خلفية رفض الوزير جنبلاط للتعايش مع وقائع التعدد السياسي الدرزي ورغم اعترافه على مضض بمكانة الوزير طلال إرسلان فهو يرفض بشدة الاعتراف بأدوار شركاء آخرين لهم اوزانهم كالوزير وئام وهاب وكل من النائبين السابقين فادي الأعور وفيصل الداود وحتى الحزب السوري القومي الذي لا يمكن لعاقل تجاهل وزنه العابر لجميع الطوائف في سائر المناطق وخصوصا في الجبل.
توجب غزوة الجاهلية على قوى الثامن من آذار وعلى قيادة حزب الله بالذات إجراء مراجعة نقدية لتجربتها في إدارة الصراع السياسي فقد بذلت جهودا مركزة لطمأنة خصوم سافرين تطلق عليهم تسمية شركاء الوطن من خلال ترك جبهتها السياسية العريضة تنحل وتتفكك رغم كونها وطنية التكوين عابرة للطوائف والمناطق وتتسع لقوى وتيارات وزعامات تختلف على الكثير من القضايا وتتباين مصالحها وتفترق لكنها مجمعة بكليتها على دعم المقاومة واحتضانها شعبيا وسياسيا بكل الوسائل وكذلك على اولوية التحالف مع الجمهورية العربية السورية باعتبارها عمق لبنان العربي وقلعة المقاومة وسندها وشريكة الدفاع عن الوجود والمصير كما برهنت مجددا معركة الجيش والمقامة للدفاع عن لبنان ضد الغزوة التكفيرية الاستعمارية التي ناصرتها وتورطت في فصولها قوى الرابع عشر من آذار انصياعا للتوجيهات الأميركية السعودية وتناغمت مع العدو الصهيوني في الرهان على كونها فرصة تحتمل التخلص من المقاومة وحزبها وقوتها.
لاشك ان بعض اطراف الثامن من آذار غلبت حساباتها الذاتية ورفضت العديد من النصائح للشراكة والعمل معا ولكنها لم تقابل بقرار حاسم تعرف قيادة المقامة انها حين تتخذه تملك على حلفائها مونة الإلزام وثمة من يقول انها تركت شركاءها يختبرون اجتهاداتهم لينضجوا مجددا بنتيجة التجربة ويغلبوا إرادة العمل المشترك على الذاتيات المتضخمة.
لقد تبينت حتى اليوم النتائج السياسية الفعلية لانحلال الجبهة الوطنية التي انطلقت في الثامن من آذارعام 2005 ويمكن إجمالها كما يلي :
أولا تضييع فرص التمثيل الأفضل للقوى الوطنية في تشكيل الحكومة وإهدار حقيقة حصول الحلف الوطني المقاوم على خمسة وأربعين مقعدا نيابيا هي حجمه التمثيلي والشعبي وفقا لقانون الانتخاب النسبي وهذا ما انعكس تعنتا من قوى الرابع عشر من آذار عبر استفراد العديد من شركاء الخيار الوطني واستضعافهم لأنهم يفاوضون مجردين من شركائهم لولا تحرك حزب الله الذي لم يكن مضطرا لاستلحاق الأمور كما حصل لو انطلق التفاوض بداية من القاعدة التفاوضية القوية التي يمثلها حجم نواب الثامن آذار وما يوازيه حكما من عدد الوزراء في حكومة الوحدة الوطنية الذي يمكن ان يحفظ مواقع وحقوق الجميع بكل جدارة وكرامة.
ثانيا إن انحلال حلف الثامن من آذار شجع القوى المعادية للمقاومة على محاولة تحجيمها وحصرها ضمن صفتها التمثيلية الشيعية ونزع الصفة الوطنية الجامعة التي توفر لها حصانة قوية ومتينة بحيث حصر حضورها من خلال ما عرف بالثنائي الشيعي وعلى الرغم من كون كتلتي التنمية والوفاء تضمان عددا من النواب من جميع الطوائف يتخطى تمثيله حدود الحصة الشيعية في الحكومة ويوجب حضورا وزاريا يضم نوابا من طوائف اخرى وبعدد يتخطى الوزراء الشيعة الستة.
ثالثا قوبل هذا التواضع السياسي بمزيد من الفجور وبرهان متجدد على تجريد المقاومة من حلفها العابر للطوائف وهو امر انطلق ولم يتوقف منذ العام 2000 وقبله بكثير وقد حضر بقوة في حساب المخططين الأميركيين وبيادقهم اللبنانية منذ تفاهم مارمخايل وحرب تموز فالعدو أيقن بفعل التجارب ان المدى اللبناني الوطني المتنوع الحاضن للمقاومة كخيار هو عنصر قوة وحماية للمقاومة لا يتوقف الصهاينة عن محاولة هزه وتفكيكه.
رابعا إن استهداف المقاومة وحلفها الوطني العابر للطوائف تجدد داخليا وباستمرار والقوى المناهضة للخيار المقاوم تعبر عن ولاءات خارجية يحركها حلف كبير ينهزم على مستوى المنطقة تقوده الولايات المتحدة لصالح إسرائيل وهذه القوى تعاملت دائما مع حكمة المقاومة وحلفائها بوصفها ضعفا ومواقفها ليست مجرد اجتهاد داخلي في الخيارات الوطنية والإقليمية للبنان.
خامسا من حسن الحظ ان فشل غزوة الجاهلية انتج واقعا جديدا على صعيد العلاقة بين اطراف الحلف المقاوم واتاح رأب صدع سياسي استعصت محاولات تخطيه عشية الانتخابات بين كل من الأمير طلال إرسلان والوزير وئام وهاب وهذا ما سمح لسائر اطراف الثامن من آذار ان تتناغم في موقف يشدد على وحدة صفها واستعادة تضامنها في الجبل عساها تكون نقطة انطلاق جديدة.