هل يشمل النأي بالنفس الصراع الأميركي الروسي؟: ناصر قنديل
– كان مفهوماً أن يعتبر دعاة النأي بالنفس أن البعد الإقليمي من الصراعات هو المقصود بدعواتهم حتى نهاية عام 2015، أي قبل أن تصبح روسيا على حدود لبنان وتتحوّل عبر تموضعها في سورية إلى دولة إقليمية. وكان مفهوماً أن يكون النأي بالنفس صعباً في الصراعات الإقليمية لتموضعه على خطوط مذهبية داخلية تتشابك مع المرجعيات الإقليمية المتنازعة وخصوصاً السعودية وإيران، لكن منذ تاريخ التموضع الروسي في سورية صارت المواجهة أميركية روسية، وصار البعد الإقليمي جزءاً منها محكوماً بسقوفها، ولم يعد ممكناً التعامل مع التجاذب الإيراني السعودي بمعزل عن الصراع الأميركي الروسي. كما لم يعد ممكناً تجاهل العامل الإسرائيلي سواء في التجاذب السعودي الإيراني ووقوف السعودية وإسرائيل في خندق واحد، أو في الصراع الأميركي الروسي، حيث روسيا عامل تحصين بوجه العدوانية الإسرائيلية بتموضعها وتوضيع شبكاتها للدفاع الجوي في سورية .
– لا يستطيع أحد في لبنان الرسمي الادعاء أن الحكومة اللبنانية التي نجحت نسبياً في النأي بالنفس في التجاذب السعودي الإيراني لم تقم بترجيح الكفة السعودية بوضوح، سواء في الزيارات الرسمية أو في الرعاية الخاصة للغضب السعودي وتفاديه، أو في التبرؤ المستمر من أي إيجابية نحو إيران، وفي الرفض المستمر لكل مبادرة إيرانية إيجابية نحو لبنان، وفي المشاركة اللبنانية في العقوبات على إيران، وبالرغم من المراعاة الإيرانية للحساسيات اللبنانية والتعامل السعودي الأرعن الذي بلغ حد احتجاز رئيس الحكومة اللبنانية قبل عام، بقيت السعودية تحظى بالدلال والدلع وإيران تلقى التبرؤ والنكران.
– في الصراع الأميركي الروسي لا خصوصية لبنانية مذهبية، ولا مرجعية مباشرة للأطراف اللبنانية في واشنطن أو موسكو حسب الظاهر، لكن الحال يقول إن لبنان وبلا تفسير ولا سياسة يقف في الخندق الأميركي ويستعدي روسيا بلا مبرر يخصّه. فالسياسة اللبنانية الرسمية لا تزال تتبنى في ملف النازحين السوريين والأزمة السورية، الموقف الأميركي الذي يقاطع الحكومة السورية بصورة رسمية رغم وجود سفارتين متبادلتين بين البلدين، ولا يزال التعاطي اللبناني في قضية النازحين متطابقاً مع الموقف الأميركي بعدم التشجيع على العودة ربطاً بالحل السياسي كما تقول أميركا، رغم المبادرات التي يقودها الأمن العام والتي لا تغير واقع الحال، ورغم مواقف رئيس الجمهورية ووزير الخارجية التي لا تتحوّل إلى سياسات رسمية، ويبدو أن أحد الأسباب الخفية لعرقلة ولادة الحكومة هو النأي بالنفس عن مواجهة هذا التحدّي.
– الفضيحة الصادمة هي في الموقف من السلاح الروسي، حيث تقدم دولة عضو في الناتو هي تركيا على شراء منظومة صواريخ دفاع جوي روسية، ولا يجرؤ لبنان على التصرف بميزان المصالح في تجهيز جيشه وتنويع مصادر سلاحه كما تفعل كل الجيوش، ومنها الجيش السعودي الذي يفاوض روسيا على شبكة دفاع جوي ومثله يفعل الجيش المصري، وهما على أفضل العلاقات بالجيش الأميركي. وربما يكون لبنان الدولة الوحيدة في العالم التي تمسك أميركا بزمام قرارها التسليحي كعلامة على الإمساك بالقرار السياسي والسيادي. فالمؤسسات العسكرية وتسليحها هي ميزان القرار الاستقلالي والسيادي.
– السؤال الكبير هو: ما هي مصلحة لبنان باستعداء دولة عظمى كروسيا صارت شريكاً في أمن المنطقة، ولماذا يرتضي المسؤولون اللبنانيون أن يُرهن قرار الدولة السيادي للأوامر الأميركية؟