على هامش خطاب قائد المقاومة
غالب قنديل
وضع خطاب السيد حسن نصرالله خطا فاصلا مع مرحلة سياسية لبنانية كان فيها حزب الله يخفض من وتيرة تظهير قوته السياسية والشعبية ويقلل من حجم ما يحيط بالمقاومة من طيف شعبي سياسي لبناني عابر للطوائف وقد بدا الحزب بعد الانتخابات النيابية في وضعية أقرب إلى قرار حل جبهة الثامن آذار وحصر حركته السياسية والنيابية في تحالف ما سمي بالثنائي الشيعي متكيفا مع طائفية النظام وحساباته السياسية رغم كون ذلك انتقاصا من وزن هذا الثنائي السياسي الوطني وحجمه التمثيلي الذي يضم ممثلين لطوائف اخرى وهو تغييب لكون المقاومة مركز منظومة الدفاع عن الوطن مع الجيش اللبناني وراية السيادة والاستقلال أي الممثل السياسي الأوضح والأقوى للوطنية اللبنانية ولنزعة التحرر التي كلفت حزب الله دماءا غزيرة وأجيالا من مناضليه الذين بذلوا أرواحهم بلا سؤال دفاعا عن كل لبنان وعن كل شعبه بكل مناطقه وبكل طوائفه.
ما أبرزه سماحة السيد من عيوب التعامل مع تشكيل الحكومة وطريقة التعاطي مع الحزب وحلفائه أقل ما توصف به انها تفيض خفة وقلة ادب وتطاولا على جهة سياسية لو أرادت ان تظهر ما عندها من مساندة شعبية هادرة وعابرة وإعراب المتعاطفين معها من اللبنانيين لوجد خصومها انفسهم في مأزق شديد ويكفي فقط لو تمعنوا جيدا في حاصل صناديق الاقتراع ودلالاته الإجمالية وما حصده المرشحون الوطنيون الذين نجحوا او اخفقوا في جميع الدوائر ومن جميع الطوائف.
هم يعرفون ان القوة الإقليمية التي يخشاها الأميركيون والصهاينة وعملاؤهم في المنطقة تتواضع كثيرا في تعاملها الندي مع الاطراف اللبنانية المناوئة التي تعتاش ماليا وسياسيا على أن تكون صدى التآمر الدولي والإقليمي ضد حزب الله وتلك وظيفة تدر أرباحا وفيرة منذ عقود وتحفظ مواقع فعل سياسية وأدوارا لرموز وزعامات ولوسائل إعلام لبنانية لم يكن أصحابها ومشغلوها الدوليون والإقليميون ليشتروها بقروش صدئة لولا حاجتهم لنقيقها ولسمومها ضد المقاومة وقد رأيناهم جميعا على مائدة عوكر يؤنبون ويتلقون التهديد والإهانة من كونداليسا بابتساماتهم الصفراء وبوجوههم الممتقعة على عجزهم عن تنفيذ ما تعهدوه قبل العدوان ولم يتمكنوا من فعله لطعن المقاومة في ظهرها بخناجر مسمومة خلال حرب تموز فلم يتخطوا حدود النقيق الذي مزقته صرخات أبطال المقاومة وشعبهم الأبي بدويها العظيم.
الخانع الذليل ليس جديرا بمضاهاة الحر الأبي المقاوم الشريف وهذا أصل الخلل ورغم ذلك يتواضع المقاومون وسائر الوطنيين واللعنة على النظام الطائفي الذي يحتم مساكنة المقاوم والمرتبط التابع وجيرتهما في مؤسسات السلطة التي يخضع بعض من فيها لمنظومة الهيمنة الاستعمارية الصهيونية ولا نقول الدولة فمشوار تشكلها طويل ومرير فوق العصبيات التي هي تركة المستعمر ويتباهى بها أذنابه بفجور.
منذ عام 2005 لم يمارس حزب الله أي استقواء في الداخل وفي أقصى الأحوال قام بقرصة أذن تذكيرية مرة يتيمة لمن تجاهلوا او تناسوا واظهر طول البال دائما امام الاستفزاز ومارس احتواء الفتن التي دبرت وأشعلت مع سبق الإصرار والتصميم وخرج قادة التيار الوطني المقاوم يحثون الناس على الصبر في وجه الاستفزاز وعمموا ثقافة تفويت الفرص والصبر على الفجور السياسي والحملات الإعلامية وعلى اللغة الساقطة التي استعملت لشيطنة المقاومة وحزبها وجميع حلفائه.
بعض تلك الحملات ما فضح فيلتمان كلفته بنصف مليار دولار صرفها بيده في سنوات قليلة لمن شدقوا أنياعهم طويلا عن السيادة والحرية والاستقلال ليشتموا حزب الله هذا الحزب الذي دافع عن الوجود بما فيه وجود جميع خصومه الذين ارتعدوا كالخفافيش من زحف داعش والقاعدة رغم التطمينات الأميركية وكانوا يلتقون بممثلي القاعدة بالواسطة السعودية القطرية ويوجدون الأوكار وخطوط التمويل والتهريب لمرتزقة التكفير بالأمر الأميركي السعودي القطري وسائر مخابرات الناتو وقبضوا أموالا طائلة.
اتجه حزب الله لمقاتلة أصل الخطر لأنهم دون مستوى النزال معه ولأنه ضنين باستقرار البلد وسلامة شعبه فنهض في البداية منفردا بعبء الدفاع عن الوطن وتصدى لوحوش التكفير ولم ينل منهم إلا النكران والجحود والغدر والنقيق وحتى بعد انتصاراته الباهرة المشتركة مع الجيش اللبناني والجيش العربي السوري تجاهلوا حقائق تفقأ عيونهم وركزوا على المعونة الأميركية للجيش ولم يتحدثوا عن مصير كذبة المليارات السعودية التي تبخرت بين الرياض وباريس وتل أبيب .
ذلك تماما ما فعلوه في ملاحم التحرير والدفاع التي خاضها حزب الله عن كل لبنان في وجه الاحتلال والعدوان الصهيوني وهي تستحق التقدير والعرفان عند الوطنيين فنالت نكران الأجلاف المتمسحين على اعتاب القناصل والمتسعبدين لتعليمات عوكر ولإيحاءاتها التي تدير صحفا وراديوات وتلفزيونات واحزابا في ظل قوانين غيبت عمدا وتم شل آلياتها وتعطيلها ويحدثوننا عن دولة القانون.
جبهة الثامن آذار عابرة للطوائف والمناطق وطنية النبض عروبية التوجه من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب توارت وحلت نفسها بعد الانتخابات حتى لايرتعب “شركاء الوطن” الذين رصوا بالمقابل صفوفهم “في السراء والضراء” كما قال الرئيس المكلف الذي تعنت بدلا من التصرف العاقل وفهم رسالة التواضع المقاوم ضعفا وعجزا وقلة حيلة وهي كانت بادرة تسهيل إيجابية في حسابه رغم القسمة الضيزا بحق التيار الوطني العروبي وبحق تحالف حركة امل وحزب الله وبحق القوى والتيارات الوطنية العلمانية المغيبة.
فلتوضع الأمور في نصابها الوطني ولتظهر قوة التيار الشعبي العريض الذي يحضن مقاومة بطلة تحمي لبنان وعمقه العربي والإقليمي الممتد وليستمر التواضع مع من يستحق اما الخصوم الفجرة فليلقنوا دروسا سياسية لابد منها لتصويب الأمور بالحد الأدنى من العدالة والتكافؤ المغصوبين ولتنهض جبهة الثامن من آذار كحلف سياسي عريض داعم للمقاومة وحاضن لها وليفهم خصوم المقاومة إن كانوا يعقلون معنى اعتذار قائدها من عائلات الشهداء.