ماذا بعد إبادة الأشوريين؟ د. ليلى نقولا الرحباني
يومًا بعد يوم، تتكشف المآسي التي تحلّ بالمسيحيين في المشرق العربي، وآخرها المجزرة التي ارتكبها تنظيم “داعش” الإرهابي بالأشوريين في شرق سوريا، بدخوله الى الحسكة وقتله العشرات من أبنائها، واعتقال النساء والأطفال وحرق الكنائس. لقد صمد الأشوريون في الحسكة بالرغم من كل ما جرى حولهم والمخاطر التي تهددتهم، ولعل مصيرهم اليوم والأخطار التي تحدق بهم، لا تختلف كثيرًا عن الأخطار التي تحدق بباقي السوريين والعراقيين، وخصوصاً المسيحيين منهم .
من خلال متابعة الأحداث الجارية في كل من سوريا والعراق، وغزوات “داعش” المتكررة، يُلاحظ أن هناك ترابطًا عضويًا وأساسيًا بين الغزوات التي يقوم بها “داعش”، والتغاضي من قبل التحالف الدولي عن حماية الأقليات في المنطقة، أو التحسب مسبقًا لإبعاد خطر “داعش” ومنعه من شنّ المزيد من الهجمات على المدنيين.
وقد يكون الأخطر بالنسبة للأشوريين ولمسيحيي العراق وسوريا بالتحديد، ما ذكرته مجلة التايمز منذ أيام عن أن الأشوريين في العراق يخططون لحكم ذاتي في نينوى بعد استعادتها من قبل التحالف، وأن هناك نحو ألف جندي مسيحي آشوري يجرى تدريبهم من قبل متعاقدين أمنيين أميركيين في قاعدة عسكرية في العراق يمولها الآشوريون المقيمون في الولايات المتحدة وأوروبا، ليصلوا في النهاية الى تأسيس دولة صغيرة ذات حكم ذاتي تضم الآشوريين وغيرهم من الأقليات.
إن ما ذكرته الصحيفة – إن كان حقيقيًا- يبدو من أخطر ما يُحضّر للمسيحيين وللأقليات الأشورية فيها، إذ أنه “وصفة جاهزة” لطرد ما تبقى من المسيحيين من المنطقة، أو على الأقل إغراقهم في أتون الأوهام المدمرة التي ستقضي عليهم قبل أن تصل الى تفتيت المنطقة وتهجير من تبقى من المسيحيين فيها.
لقد تبين واضحًا من خلال كل ما جرى، والنفاق الغربي في التعامل مع المسيحيين العراقيين والسوريين وقبلهم اللبنانيين، إن تهجير المسيحيين من المنطقة، ليس مجرد تفكير يطرأ على فكر صانع السياسات الغربي، بل إنه جزء أساسي من خططه المعدّة للمنطقة. ها هم الفرنسيون الذين رحبوا بالمسيحيين العراقيين المقتلعين من أرضهم، لم يستقبلوا أكثر من 700 عراقي من حملة الشهادات العالية، وأصحاب رؤوس الأموال فقط، والتحالف الدولي الذي يُعلن أنه يقاتل داعش ترك القرى المسيحية في شرق سوريا لمصيرها أمس، ولم يكن بإمكان “داعش” الدخول الى القرى المسيحية بهذه الطريقة لو لم يكن هناك قبول تركي، وتغاضٍ دولي من قبل قوى التحالف التي أعلنت أنها قصفت تنظيم “داعش” داخل القرى المسيحية في الحسكة بعدما أحتلها!.
ثم إن مَن يطّلع على الكتاب الصادر عن أحد مفكّري القاعدة عبدالله بن محمد بعنوان “المذكرة الاستراتيجية” – والذي يبدو أنه من أحد عملاء الاستخبارات الغربية- والذي يتحدث فيه بصراحة عن تخطيط لـ “فوضى عارمة” في المنطقة، و”تهجير الأقليات المعادية”، معتبرًا أنه “من مبدأ تأمين قلب الدولة وجب علينا أن نعمل على تهجير الأقليات الدينية من تلك المنطقة وجعل الشام ثاني منطقة محظورة على غير المسلمين بعد جزيرة العرب”، ويستطرد قائلاً: “لذلك أرى أنه من الواجب علينا بعد أو قبل إعلان دولة الخلافة بحسب الظرف أن نعمل على طرد اليهود وتهجير النصارى والدروز والنصيرية والبهائية بالإضافة إلى الشيعة وعبدة الشيطان وغيرهم”. ويوضح بالقول: “بعبارة أوضح أقول أن أفضل سياسة للتعامل مع ملف الأقليات وما يحمله من مخاطر هو بفرض واقع جديد خال من تلك الأقليات“.
في المحصلة، لا بد أن يعي المسيحيون، إن الإبادة التي تحصل لإخوانهم في العراق وسوريا، لا يمكن دفعها بالسير في المخططات الغربية المشبوهة التفتيتية للمنطقة، ولا بركوب حبل الأوهام القاتل الذي ركبه بعض اللبنانيين في الحرب والتف على أعناقهم وأعدمهم وأقصاهم من المشاركة الفعلية بالقرار. لذا بات على المسيحيين اليوم، وبجدية تامّة:
1- الوعي بخطورة ما يجري حولهم، والترفّع عن الصغائر والمصالح الضيقة.
2- التأكد أن لا أمن ذاتياً يحميهم، بل أن ما يحميهم هو الانخراط مع أقرانهم في القتال، ودعم كل من الجيش اللبناني، والجيوش العراقية والسورية والمصرية.
3- الاتعاظ من الماضي والتجارب مع الغرب، وعدم الوثوق بهم مجددًا، فلو اتكّل عليهم مسيحيو سوريا ومسيحيو لبنان قبلهم، لكانوا الآن في صقيع كندا ينوحون.
4- المقاومة ثم المقاومة ثم المقاومة، فحمل السلاح بات واجبًا على العراقيين والسوريين المسيحيين والمسلمين معًا يدًا بيد، فهم أبناء هذه الأرض وأهلها، ومن لا يدافع عن أرضه وعرضه ومن لا يتكيف مع التطورات، مصيره الانقراض حتمًا.