من الصحف الاميركية
علقت الصحف الاميركية الصادرة اليوم على قضية اختفاء وربما قتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية،
وقالت إنها تضع الامتيازات الدبلوماسية في موضع شك، وأضافت أنه إذا كانت الأدلة على مقتل الصحفي قد تم إخفاؤها قبل أن تتمكن الشرطة التركية من إجراء تفتيش، فإن الطبيعة “المقدسة” للمبنى القنصلي تكون قد عرقلت العدالة بشكل فعال، وأشارت إلى أنه على الرغم من زعم السلطات السعودية تعاونها في التحقيق، فإنها لم تسمح للشرطة التركية بتفتيش القنصلية حتى يوم الاثنين الماضي، بعد أسبوعين من اختفاء خاشقجي، وقد أثيرت شبهات أخرى بسبب صور تظهر عمال نظافة محترفين يدخلون القنصيلة قبيل تفتيش الشرطة.
وتوقع مقال مطول نُشر بمجلة فورين أفيرز الأميركية أن تتعرض الدول العربية لعواصف أعتى من الربيع العربي، ومن الاحتجاجات التي جرت عقب الانخفاض الكبير في أسعار النفط في 2014.
وورد في المقال أن دولا عربية كثيرة بدت كأنها نجت من العاصفتين، إلا أنه من المرجح حدوث المزيد من العواصف، لأن عاصفتي 2011 و2014 ما هما إلا مظاهر لتغيير عميق يجري بالمنطقة وسيستمر إذا لم يتم تغيير العقد الاجتماعي الراهن الذي كان يقف وراء الاستقرار الذي تمتعت به الدول العربية قبل العواصف المذكورة، ولم يعد مجديا في الحفاظ على استقرار هذه الدول.
وحذرت الصحيفة من أنه إذا لم يتحرك قادة المنطقة بسرعة للتوصل لصفقة اجتماعية جديدة مع مواطنيهم، فإن عواصف أعتى ستأتي في الطريق.
وأوضحت أن العقد الاجتماعي الساري حتى اليوم في الدول العربية هو أن تقوم الدولة بالإنفاق على الوظائف المستقرة (القطاع العام الواسع)، والتعليم، والرعاية الصحية، ومقابل ذلك حصول القيادة على الخضوع السياسي من قبل المواطنين.
لكن، ومع استمرار انخفاض أسعار النفط، والتغيّر الذي يجري على التركيبة السكانية، فإن تلك الصفقة بين الحاكم والمحكومين بدأت تفقد جدواها، فبدون كفاية العائدات من النفط للإنفاق على البنود المذكورة، فإن الحكومات ستجد من الصعوبة تلبية التزامها بموجب العقد الاجتماعي مع المواطنين، وستفقد مصدرها الأساسي لشرعيتها السياسية.
تجد أميركا نفسها حائرة بين صورتين متناقضتين: فبينما يقدم ولي العهد السعودي محمد بن سلمان نفسه كإصلاحي، يُقتل بالتوازي مع ذلك صحفي سعودي جمال خاشقجي في ركن مظلم من قنصلية بلاده بإسطنبول على يد فريق أمني سعودي، وفق مصادر الشرطة التركية.
ورفض الكاتب الأميركي توماس فريدمان في مقاله بصحيفة نيويورك تايمز السيناريو الذي حمّل مسؤولية مقتل الصحفي إلى عناصر خارجة عن السلطة السعودية، وقال “لا أؤمن للحظة واحدة بأن العملية نفذتها عناصر مارقة، وأن ولي العهد السعودي لم تكن له معرفة مسبقة بالموضوع“.
وانتقد فريدمان موقف الرئيس الأميركي دونالد ترامب من القضية ودفاعه عن السلطة السعودية، وقال “كصحفي أميركي -وقبل ذلك كمواطن- أجد نفسي محرجا لرؤية رئيسي دونالد ترامب ووزير خارجيته يتشاركان مع المسؤولين السعوديين في تأليف قصة لاحتواء الموضوع، ولا أعتقد أنهم سينجحون في ذلك“.
وأمام تفاعلات القضية وتفاصليها المختلفة، تساءل كاتب المقال: “كيف يتعين على الولايات المتحدة الموازنة بين القيم التي تؤمن بها ومصالحها؟”، قبل أن يضيف أن “الجواب في رأيي هو العودة إلى الأسس“.
وقال “أعلم أن أجندة ولي العهد محمد بن سلمان للإصلاح تحتاج وقتا للنجاح، لكن لا أهتم شخصيا إن كان ولي العهد (أم بي أس) بشكل شخصي هو من يحكم السعودية أو أي أحد آخر (كي أف سي، أس أو أس…)”، مشيرا إلى أن مقتل الصحفي السعودي جعل ولي العهد شخصا فاقدا للمصداقية.
وركز المقال على أن الهدف الأساسي للولايات المتحدة هو أن تقوم المملكة العربية السعودية بالإصلاح الذي يشمل الجانبين الديني والمجتمعي، موضحا أن تطبيق ذلك النموذج سيؤثر على بقية بلدان العالم الإسلامي.
وعن الأسباب التي أدت إلى تلك الهجمات التي شكلت محطة مفصلية في التاريخ الحديث، قال الكاتب “أؤمن بأن جذور هجمات 11 سبتمبر/أيلول تعود في الأساس لصفقتين رهيبتن: الأولى بين آل سعود والمؤسسة الدينية. والثانية بين السعودية وأميركا.
ويمكن اختصارها بالقول “واصلوا إنتاج النفط، احتفظوا بأسعار المحروقات منخفضة، ولا تزعجوا إسرائيل كثيرا، وبإمكانكم أن تفعلوا ما تريدون، انشروا ما تريدون من كراهية في مساجدكم، اطبعوا ما شئتم من نظريات المؤامرات، وعاملوا المرأة بالطريقة التي ترونها“.
وكنتيجة لتلك السياسة التي طبقت في السعودية، وقعت هجمات 11 سبتمبر/أيلول، ومنذ ذلك الحين، بدأ انتقاد قادة المملكة لعدم إصلاح المناهج الدينية، بالإضافة إلى بعض المطالب المتعلقة بالتحديث الاقتصادي والاجتماعي، لكن لم يتم أبدا إقحام قادة السعودية في حرب أفكار بالخصوص، بحسب فريدمان.