تجديد المساكنة في العراق
غالب قنديل
يجمع المراقبون والمحللون على وصف التطورات السياسية والدستورية الأخيرة في العراق بأنها الصدى لتوافقات صامتة وغير مباشرة بين إيران والولايات المتحدة والحقيقة انها تعبير عن تجديد المساكنة بين محوري المقاومة والهيمنة في المنطقة وفقا للتوازنات التي عبرت عنها نتائج الانتخابات العراقية.
كانت الميزة الأبرز في النتائج انها حملت إلى النسيج السياسي العراقي فصائل المقاومة المكونة للحشد الشعبي العراقي وقد حاولت الولايات المتحدة من خلال استغلال الغضب والشكوى الشعبية المتراكمة اقتصاديا ومعيشيا أن تطيح في أحداث البصرة بهذه المعادلة الجديدة وسددت ضربة معنوية رمزية بإحراق القنصلية الإيرانية كانت في السياسة استكمالا لموقف رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي الذي اكد التجاوب العراقي مع العقوبات الأميركية ضد إيران وهو الأمر الذي رفضه في السابق سلفه نوري المالكي الحليف الحالي للحشد الشعبي بقواه وفصائله ونوابه.
كرست تسميات الرؤساء العراقيين الثلاثة نتائج فشل انقلاب البصرة وانفتح الباب على مسافة انتظار لاتبدو قصيرة في نظر العديد من المحللين عل مخاض التشكيل الحكومي وهي في الواقع حصيلة منتظرة في نظام التقاسم الطائفي المستنسخ عن النظام اللبناني رغم العبرة التي قدمتها التجربة اللبنانية المريرة ولم يضعها القادة العراقيون في اعتبارهم عندما ارتضوا وصفة بريمر بعد الاحتلال رغم المعرفة الوثيقة للعديد بينهم بتفاصيل ما جلبه النظام الطائفي على لبنان من اضطراب داخلي متجدد ومن استباحة خارجية لاحصر لها.
المساكنة بين المحورين مكرسة بقبولهما ورضاهما وبعد سقوط المحاولة الانقلابية الأميركية التي استهدفت القوة العراقية الشعبية الصاعدة من خارج منظومة الهيمنة والتبعية والتي قاتلت في العراق وفي سورية وهي تجاهر بعزمها على ان تكون على جبهات القتال ضد الكيان الصهيوني في أي حرب مقبلة وهو الأمر الرئيسي المتغير في خارطة العراق السياسية وهو بذاته مصدر القلق والخوف الأميركي من تحولات داهمة تفرض على الولايات المتحدة سحب قواتها من العراق ومن الحدود السورية العراقية وبالتالي فشل كل الجهد الأميركي الذي تكرس لمنع تواصل المحور من إيران إلى العراق فسورية ولبنان.
إن ما جرى حتى الآن في العراق يؤكد الرضوخ الأميركي لقواعد المساكنة بعد فشل انقلاب البصرة وهو تعبير حي عن توازن القوى الذي فرض انكسارات متلاحقة لمحاولات اميركية وسعودية وغربية متلاحقة استهدفت تعديل التوازن السياسي العراقي واستمالة بعض الأطراف إلى محور الهيمنة واستعداءها على إيران وقد سخرت واشنطن والرياض جهودا حثيثة خلال السنوات الماضية في هذا الاتجاه ومنذ دعمهما الصارخ لغزوة داعش التي كانت مشروعا شاملا لانقلاب سياسي عراقي يسقط كل احتمال لارتباط العراق بتحالف مع إيران وسورية ناهيك عن انضمامه إلى محور المقاومة.
بعد نجاح محور المقاومة في دحر غزوة التكفير وهزيمة داعش المدوية في سورية والعراق والمشاركة الحاسمة لقوى الحشد الشعبي وفصائله المقاتلة تغير ميزان القوى وباتت الولايات المتحدة مكرهة على المساكنة وحصر خسائرها السياسية دون ان تكف عن المحاولات المتكررة لقلب الطاولة وآخر الخيبات كانت في أحداث البصرة التي حسمها الحشد الشعبي وأحرق الأوراق والرهانات الأميركية.
النظام الطائفي وتركة بريمر في رسم قواعد نقاسم السلطة يحكمان المعادلات العراقية ويفرضان قبول المساكنة على محور المقاومة وقواه المحلية والإقليمية وبات واضحا ان مساحة التجاذب والتنافس بين المحورين في العراق تتعلق بنسبة القوى داخل المساكنة وقد نجح حلفاء محور المقاومة في هذه الجولة بتكريس مكانة سياسية وحجم تمثيلي وازن لفصائل الحشد الشعبي المعادية للحلف الأميركي الصهيوني والداعمة لخيار المقاومة في المنطقة.
تشكيل الحكومة العراقية سيكون تعبيرا عن هذا الواقع بكل تناقضاته طال الزمان ام قصر لكن الاختبار الجدي الذي يواجه العراق هو مدى قدرة القوى المنتمية لمحور المقاومة والمحسوبة عليه أن تفرض فتح قنوات التواصل السوري العراقي التي يقطعها ويعطلها الأميركيون بقواتهم وبوصايتهم على القرار السياسي العراقي وهم قاموا بالانقلاب على الرئيس السابق للحكومة نوري المالكي لهذا السبب وجاء خلفه العبادي باستجابة كاملة لشروطهم متكيفا معها برضا المحور وقبوله نتيجة تقدير معين لميزان القوى الذي يتأثر اليوم وبصورة مضطردة بانعكاسات ونتائج الانتصارات المحققة في سورية وبتوازن الردع الذي يفرضه المحور مجتمعا ضد الكيان الصهيوني وبحصيلة انبثاق قوة شعبية عراقية مقاتلة شاركت في التصدي لغزوة التكفير على الأرض العراقية والسورية معا.