من يريد نسف المساكنة ؟
غالب قنديل
تشن الصحف السعودية حملات مركزة ضد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وحزب الله بلهجة تحريض يستفاد منها وجود تصميم على نسف التوجه التسووي الذي رضخت له المملكة منذ تشكيل حكومة الرئيس تمام سلام عندما نفذت الرياض توجيهات اميركية نقلها السفير ديفيد هيل وأبلغها إلى الرئيس سعد الحريري الذي استخدم من لاهاي عبارة ربط النزاع مع حزب الله بدلا من وضع فيتو على مشاركة الحزب في الحكومات اللبنانية.
كان اعتقال الحريري وإملاء كتاب الاستقالة عليه ليذيعه مجبرا خطوة خارج السياق السياسي التقليدي حملت إشارة إلى ضيق وتوتر سعوديين من موجبات ما سمي بالتسوية الرئاسية التي انطلقت بمبادرة اميركية عبر عنها تبني الحريري لترشيح العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية.
استدركت الولايات المتحدة التصرف الإنقلابي السعودي بواسطة الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون وقد وصف بعض الدبلوماسيين اعتقال الحريري بالحماقة وفي حصيلة وساطة ماكرون أفرج عن رئيس الوزراء اللبناني بعد تهديد الرئيس عون بمخاطبة مجلس الأمن الدولي في كلمة تشرح التفاصيل التي تجمعت لديه وتصف احتجاز رئيس الحكومة كعمل عدائي ضد دولة مستقلة وسيدة وهكذا خرجت المساعي بتفاهمات أفضت إلى بيان النأي الذي صدر عن مجلس الوزراء بعد عودة الحريري وقبلت القوى الوطنية داخل الحكومة بالتعايش مع وصاية اميركية سعودية فرنسية تحظر أي تواصل رفيع مع سورية وإيران وعدم الذهاب بعيدا في العلاقات مع روسيا والصين على أصعدة سياسية وعسكرية واقتصادية متداولة وتم بناء عليه حصر علاقات لبنان بهذه الدول بمستوى السفراء وفي مقدمتها سورية مراعاة لدول الوصاية الثلاث وبالذات السعودية.
صدرت يومها مواقف اميركية تشير إلى انزعاج واضح من الخطوة السعودية التي ظهرت بعدها مؤشرات عديدة على حملة سعودية سياسية وإعلامية مستمرة ضد الرئيس ميشال عون ومحورها موقفه من المقاومة والشقيقة سورية وهو امر معلن ومعروف منذ سنوات ورغم مداراة الرئيس اللبناني لموقف المملكة وتأخيرقصر بعبدا للبحث في تريتبات الزيارة الرئاسية المرتقبة إلى سورية وملاقاة الرئيس بشار الأسد الذي كان اول المهنئين ورغم جدول القضايا المشتركة المتضخم والداهم الذي يستوجب معالجة بين الرئيسين والدولتين وأقلها تنظيم عودة النازحين السوريين ومشاكل الترانزيت وفتح طرق التصدير امام البضائع اللبنانية.
المواقف السعودية المترافقة مع تهديدات الحلف الاستعماري الاميركي البريطاني الفرنسي بضرب سورية ومع الكلام الصهيوني المتكرر عن حرب ثالثة ضد لبنان وسورية وإيران والعراق تطرح السؤال هل قررت الولايات المتحدة تفجير المنطقة بعد العجز عن إخضاعها وبالتحديد يطرح السؤال عن خيار فض المساكنة السياسية مع خصومها في لبنان رغم خضوع فريق محور المقاومة لاستمرارتلك المساكنة وانفتاحه على فرص تجديد التسوية بسقوف سياسية منخفضة دون مستوى ما يتيحه الحجم السياسي التمثيلي لقوى الثامن من آذار وفقا لنتائج الانتخابات النيابية ؟.
إنها المفارقة العجيبة كالعادة في لبنان فالفريق المهزوم والفاشل في المنطقة يعربد بفجور بينما الفريق المنتصر الذي ساهم في إفشال حرب كونية على سورية والعراق ولبنان واليمن يبدو متمسكا بمنطق التسويات والمساكنة التي نشأت عنه رافضا الذهاب إلى مغامرة التفجير داعيا الفريق الآخر لعدم التصعيد.
تتمسك قوى الثامن من آذار وبالذات حزب الله بصيغ المساكنة السياسية الممكنة في الحكومة المقبلة بما ينسجم مع نتائج الانتخابات والتوازنات التي عبرت عنها بكل وضوح ولكن الفريق المعادي للمقاومة يلوح بالحروب والتفجيرات السياسية ويواصل التصعيد في حملات يقودها المسؤولون السعوديون عبر وسائل الإعلام التي يماشيها بعض الإعلام اللبناني ومن الواضح ان المعركة ليست على عدد وزراء الرابع عشر من آذار بل هي أصلا وأساسا على الخيارات السياسية اللبنانية في المرحلة المقبلة وحول موقع لبنان في توازن المنطقة المتغير ومعادلاتها المتحركة.
إن على قوى الثامن من آذار في مواجهة كل ذلك المبادرة لتصحيح اخطائها الناتجة عن تطرفها في منطق التسهيل الذي تحول إلى تساهل في اكثر من موضوع مفصلي وبالذات في امرين حاسمين طرحا مؤخرا :
– مفهوم إبعاد لبنان عن المحاور يعني فقط علاقات متوازنة بين المحورين وهذا يعني العلاقة الجيدة بسورية وإيران وبالسعودية وبالثلاثي الغربي (الأميركي والفرنسي والبريطاني) بالتوازي مع روسيا والصين بدلا من صيغة الوصاية والالتصاق الأحادي بالمحور السعودي الأميركي التي رضخ لها لبنان بكل أسف.
– تواضعت قوى الثامن من آذار في التعبير عن حجمها النيابي وتحاشت العمل معا بعد الانتخابات بينما يجاهر خصومها باسترجاع صيغة الرابع عشر من آذار كحلف متماسك وهم ينسقون مواقفهم وشروطهم المتعلقة بتشكيل الحكومة وبعلاقات لبنان الإقليمية والدولية بكل عنجهية فلا مبرر لمواصلة قوى الثامن من آذار اتباع أسلوب النعامة بتحويل الحلفاء إلى مفردات مناطقية وطائفية تتحاشى تعريف نفسها سياسيا فتستضعف وتستفرد ويفترى عليها وتستباح حقوقها.