بقلم ناصر قنديل

الربع الأخير من ساعة الحرب… والسيد: ناصر قنديل

بمقدار ما ترمز حرب تموز 2006 إلى المواجهة المفتوحة بين المقاومة كمشروع للتحرير وكيان الاحتلال كمشروع للعدوان، يمكن وصف كل جولة لاحقة من هذه المواجهة بالفصل الجديد من حرب تموز. وهكذا كانت جولات الاستنزاف الداخلي اللبنانية للمقاومة بين حرب تموز 2006 وتسوية الدوحة عام 2008 التي أنهت الفراغ الرئاسي والوضع الحكومي الشاذ، بعد ربع أخير في الساعة الداخلية آنذاك تمثل بقرار حكومة الرئيس فؤاد السنيورة باقتلاع شبكة الاتصالات الخاصة بالمقاومة، أنهته عملية قيصرية في السابع من أيار 2008 شكلت المرة الأولى لاضطرار المقاومة للانتقال من معاملة الخلافات الداخلية بقيمتها المضافة إلى استحضار فائض قوتها في الميدان، ولو لساعات قليلة .

وصف الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في خطابه ما قبل الأخير، الحرب التي شنت على سورية لثمان سنوات بحرب تموز الكبرى، باعتبارها بعدما صار كل شيء فيها شديد الوضوح، قد تكشفت عن مشروع حلف حرب تموز الأميركي الإسرائيلي السعودي لتحقيق أهداف حرب تموز ذاتها في جغرافيا جديدة، محاولين الإفادة من دروس حرب تموز، وأولها الابتعاد عن المواجهة المباشرة والخاطفة، والذهاب للعبث بالنسيج الداخلي واللعب على الفتن الطائفية والمذهبية، وتعميم الفوضى واستثمار الإرهاب التكفيري كجيش رديف، ما يتيح إدارة الحرب لسنوات دون التورط في خوضها مباشرة، ويوفر الفرص التفاوضية لفرض شروط هذا المحور على قوى المقاومة كطريق وحيد لوقف هذه الحرب المدمرة لسورية ودول المنطقة.

نجح محور المقاومة باحتواء حرب تموز الكبرى ببعدها الداخلي السوري بفضل قوة ومتانة ورسوخ مشروع الدولة السورية، والأبعاد السياسية والثقافية والتاريخية للوجدان الجمعي للشعب السوري بشرائحه المختلفة، والتركيب العقائدي الصلب للجيش العربي السوري واستحالة تفكيكه وفقاً لخطوط التماس المرسومة للطوائف والمذاهب. كما نجح محور المقاومة بفضل فائض القوة الذي زجّت به إيران وحزب الله بتحقيق التوازن العسكري المطلوب بوجه فائض القوة الخارجي العسكري والمخابراتي، ومعه مئات آلاف مقاتلي تنظيم القاعدة ومتفرعاته، فتحقق ميزان الردع اللازم لمشروع إسقاط سورية، وفي مرحلة لاحقة نجح محور المقاومة بفضل القرار الاستراتيجي الذي اتخذته روسيا وإيران والدولة السورية بتطهير سورية من الوجود الأجنبي والمجموعات الإرهابية، بإطلاق الهجوم المعاكس لاستعادة وحدة وسيادة سورية على كامل جغرافيتها، دون تقديم أي تنازلات على حساب ثوابت سورية وهويتها الجيوستراتيجية. فسقط مشروع تقسيم سورية أو تقاسم أطرافها كأحزمة أمنية لـ«إسرائيل» وتركيا، وصارت حرب تموز الكبرى في الربع الأخير من ساعة النهاية، بعدما فشل كل تفاوض لتسوية تحقق بعض أهداف مشروع الحرب، أسوة بلحظات التفاوض الأخيرة التي رافقت آخر أيام حرب تموز 2006.

تبدو أحداث السنة الماضية وكأنها قد صممت لملاقاة هذا الربع الأخير من الساعة، من قبل قيادة محور الحرب للنيل من رأس الحربة والقيمة المضافة لمحور النصر في سورية، الذي يمثله حزب الله، فيكاد يختصر الانسحاب الأميركي من التفاهم النووي والعودة للعقوبات المشددة على إيران ليصير مشروعاً لتجفيف مصادر قوة حزب الله، بعدما سلّم الأميركيون باستحالة أن يؤدي حصار إيران لخفض سقف مواقفها أو لإطلاق مسار الفوضى فيها. وتكاد الخطوات الأميركية الداعمة لـ«إسرائيل» في مصير القدس أو الحديث عن صفقة القرن، أن تبدو بلا قضية سوى تحفيز القوة العدوانية لإسرائيل تمهيداً لملاقاة شروط إضعاف حزب الله بالجهوزية لجولة مواجهة حاسمة إذا توافرت ظروفها. وهنا لا يعود اليمن ولا العراق ولا فلسطين إلا ساحات انتظار، حتى تتبلور صورة المشهد اللبناني، حيث يظهر معنى احتجاز رئيس الحكومة سعد الحريري في الرياض لترويضه وتهيئته للجولة المقبلة، جولة الربع الأخير من ساعة الحرب.

– بين إدلب وشرق الفرات تسير عقارب ساعة الحسم السياسي والعسكري بسرعة، ويسعى الأميركي جاهداً لعرقلتها، لإفساح المجال للجولة التي يجب أن تسبقها ويكون لبنان مسرحها، فلا تبقى عرقلة ولادة الحكومة بمطالب تعجيزية مجرد تكبير أحجام داخلي، بل انتظار مطلوب لقرار المحكمة الدولية الذي بات التمهيد له كمدخل لتجريم حزب الله والدعوة لاستبعاده عن الحكومة، والخطة لا تستقيم لواضعيها في واشنطن وتل ابيب والرياض بلا استجابة المطلوب شراكتهم في بيروت. وبات الأمر الحكومي الآن، أمراً يرتبط بمفهوم الأمن القومي لمحور المقاومة، كما باتت المحكمة آلة حرب مباشرة. وهذا معنى كلام السيد نصرالله «لا تلعبوا بالنار» و»نقطة عالسطر»، لأن هذا اللعب في الربع الأخير من الساعة بجولة أخيرة من حرب تموز الكبرى، تستعيد بحجم أكبر ما جرى عام 2008 في ربع الساعة الأخير من حرب تموز الصغرى، سيجلب حريقاً بحجم 7 ايار كبرى إقليمية وليست لبنانية فقط، تسقط فيه المحكمة والحكومة طالما أن المحكمة تكون قد سقطت قبلهما، والمطلوب ألا تسقط الحكمة… هذا مغزى تحذير السيد من اللعب بالنار، العودة للحكمة، قبل أن يتحول البعض من اللبنانيين إلى مجرد وقود لحرب إسرائيلية، لا تريدها المقاومة لكنها لا تخشاها، لأنها تدرك أنها ستغير وجه المنطقة وتأخذ معها الكثير من أوثان وأصنام المنطقة في القرن الحادي والعشرين عندما تقع.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى