بقلم غالب قنديل

مقاومة تراكم الانجازات

غالب قنديل

منذ انطلاق المقاومة ضد الاحتلال الصهيوني ظهر فريق سياسي لبناني تابع للغرب والخليج ينكر مشروعيتها ويدعو للتخلي عنها بانتظار الوعود الأميركية والفرنسية بإقناع اسرائيل بالانسحاب وهذا الفريق نفسه هو الذي وقف خلف اتفاق السابع عشر من أيار عام 1983 وحرم دعوات المقاومة التي قوبلت بالاعتقال والسجن والتعذيب بإشراف محققي المارينز الذين قدموا مع القوات متعددة الجنسيات لدعم قيام جمهورية الموز اللبنانية المستسلمة لإسرائيل.

لاحق هذا الفريق المقاومة بالإنكار وحتى يوم إنجازها الناصع بالتحرير دون قيد أو شرط عام 2000 كان الخطاب الذي تبناه طابور الرجعية اللبنانية ان إسرائيل اتخذت قرار الخروج من تلقاء ذاتها وراهنوا على وقوع المذابح الطائفية التي بشر بها الصهاينة والأميركيون وخيبت المقاومة فألهم برشدها وبانتباهها الشديد فانبثق النصر نقيا بلا شائبة ومن غير نقطة دم واحدة.

بعد التحرير طالب قائد المقاومة الدولة بتسلم مسؤوليات المناطق المحررة فورا ولحسن الحظ كان على رأس السلطة التنفيذية مقاومان هما الرئيس إميل لحود والرئيس سليم الحص وهذا الخيار يحمل بصمات القائد الخالد حافظ الأسد في إدارة الملف اللبناني بعد الطائف بأولوية التصدي للعدو الصهيوني وباحتضان المقاومة وبناء الجيش بعقيدة وطنية للدفاع عن لبنان.

هم انفسهم تربصوا بالمقاومة بين التحرير وتموز وسعوا لاستنزافها ومحاصرتها وجاءت الحرب تتويجا لمسار الجهد الأميركي الغربي السعودي ضد المقاومة وضد توازنات سياسية فرضت على الحكومات احترام ثلاثية الشعب والجيش والمقاومة رغم الخروج السوري من لبنان عام 2005 وانعكاسه على توازن القوى الموضوعي في جبهة الصراع مع العدو الصهيوني التي شكلت فيها القوات العربية السورية عنصرا حاسما منذ عام 1976 .

الإنكار ما يزال مستمرا فلم يبدده اعتراف العدو المكرس رسميا في تقرير فينوغراد ويتحصن الناكرون المنكرون بذرائع كثيرة رغم ما راكمته المقاومة من عوامل قوة وقدرة ومن انجازات جديدة أبرزها نجاحها في لعب دور حاسم ونوعي في الدفاع عن لبنان والمنطقة ضد غزوة التكفير وداعميها طيلة السنوات السبع المنصرمة التي كان فيها خصوم المقاومة يراهنون ويرتقبون مع قادة العدو “تبدد قوتها في المستنقع السوري” كما قال الخبراء الأميركيون والصهاينة الذين صعقتهم إنجازات المقاومة المبهرة في صناعة نموذج متميز لمنظومة دفاع سياسية إعلامية وميدانية متفوقة في مجابهة التهديدين الصهيوني والتكفيري بل هي طبقت بصورة خلاقة قاعدة السيد نصر الله بتحويل التهديدات إلى فرص عندما جعلت من تواجدها في الميدان السوري وثبة نوعية وحاسمة لمضاعفة قدراتها وخبراتها إلى درجة بات فيها العدو يحسب ألف حساب لما ستكون عليه قدرات المقاومة في أي حرب قادمة.

معادلة الردع المقاوم تحمي لبنان رغم قيود الوصاية الأميركية الفرنسية السعودية التي تحرم الجيش اللبناني من قدرات كثيرة ولتبقى سماء لبنان ومياهه الإقليمية مستباحتان وعلى الرغم من فرص عديدة حرم منها الجيش اللبناني سواء برفض المساعدات الروسية والإيرانية ام بتعطيل قنوات التنسيق مع الجيش العربي السوري الشقيق أم بمنع توقيع اتفاق التعاون مع الأسطول الروسي الجار على الساحل السوري أم بمنع التصرف على ان السماء اللبنانية والسورية واحدة بتوسيع نطاق جدار الدفاع الجوي السوري باتفاق رسمي أو باستكماله عبر جدار صاروخي لبناني يمكن الحصول عليه من روسيا او الصين او إيران فذلك كله محرم بفعل الوصاية.

لن تكتمل منظومة الدفاع الوطني او تستقيم ما لم تسقط الوصاية ويحسم بالتالي الإزدواج السياسي اللبناني لتقوم سلطة سياسية متحررة من الهيمنة وهو ما يشترط هزيمة مبرمة للعصبيات الطائفية والمذهبية وانتصارا لفكرة الانتماء الوطني والتحررمن الهيمنة استكمالا لرجحان كفة محور المقاومة في المنطقة مع بشائر الانتصار السوري الكبير فليس لبنان جزيرة معزولة عن المحيط القومي.

في انتصار تموز فرض حزب الله مكانة معنوية مهمة لوطنه الصغير ألهمت مدارس الحرب في العالم فشكلت عنصر افتخارلصناعة السلاح الروسية عندما طوع شباب حزب الله التكنولوجيا الحديثة التي تعرفوا عليها خلال أيام بإحراق عشرات الدبابات بصواريخ الكورنت التي تسلموها على عجل وشكلت درسا كتب عنه خبراء البنتاغون حول كيفية الدفاع عن بلد قليل القدرات والموارد مستهدف عسكريا بقوات تتخطاه من حيث الإمكانات البشرية والتقنية والحقيقة ان حزب الله قهر في حرب تموز التحالف الغربي الصهيوني الرجعي بقيادة الولايات المتحدة ولم ينتصر فحسب على إسرائيل.

وكذلك في انتصاره على غزوة التكفير عزز حزب الله نموذجه الفذ وأكد تفوقه على الحلف العالمي الإقليمي المحلي نفسه وهو رغم ذلك يؤكد مزيدا من الرصانة والتواضع والتضحية في سبيل الوطن مترفعا عن اعتبارات عديدة ذاتية يضعها الآخرون في صلب حركتهم ودورهم بينما يكرس الحزب جهده ودماء شهدائه وكل دوره في الحياة الوطنية للقضايا والعناوين الكبرى التي يستخدمها الآخرون على عكسه تغطية لشؤونهم الصغيرة فمن أهم عناصر قوة هذا الحزب انه مكرس للقضايا الكبرى ولاتصرفه عنها أي تناقضات ثانوية وهو يواصل البناء والكفاح بوعي وباستعداد دائم لتقديم التضحيات.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى