عملية تحرير إدلب: كيف تذلّل سورية العوائق وتنطلق…؟: العميد د. أمين محمد حطيط
مع الفراغ من معركة الجنوب واكتمال اجتثاث الإرهاب المتعدّد العناوين منه، بات منتظراً أن تتوجّه القوات السورية الشرعية مع حلفائها نحو الشمال الغربي لتحرير منطقة إدلب وريفها امتداداً إلى الريف الغربي لحلب والريف الشمالي للاذقية وربطاً ببعض الريف الغربي لحماه وصولاً الى الحدود مع تركيا. ومهما كانت طبيعة هذه المعركة والمحاذير والعوائق التي تمنعها او تتعجل اتخاذ القرار بفتحها مقيداً او حذراً، فإنّ الدولة السورية ومن رأس الهرم فيها حسمت الجدل وقرّرت التوجّه الى إدلب في سياق جدول الأولويات الموضوع لحرب تحرير سورية من الإرهاب ومن كلّ محتلّ أجنبي أياً كان هذا المحتلّ، كما قال الرئيس الأسد. وعليه لم يعد السؤال هل تنفذ معركة إدلب، بل السؤال بات متى وكيف تكون عملية التحرير؟
ونبدأ بالزمان. وهنا نعتبر أنّ ما يشاهد على الأرض من تحضيرات متعدّدة الوجوه يعني وبكلّ وضوح انّ الإعداد للمعركة بدأ وهو قائم على قدم وساق، وقد ابتدأ فعلاً منذ اللحظة التي حسمت فيها معركة الجنوب استراتيجياً وعسكرياً، وقبل أن تنتهي ميدانياً أي منذ أن ظهر أنّ الإرهاب في الجنوب قد انهار ودخل مرحلة التصفية والاجتثاث النهائي، وبالتالي انطلقت الحكومة السورية في عملية التحضير لمعركة الشمال، بعد أن اتخذ القرار بإجرائها لاستعادة منطقة ذات خصوصية بالغة الأهمية الى كنف الدولة.
بيد أنّ اكتمال التحضير للمعركة مرتبط عضوياً بطبيعة تلك المعركة وخصائصها، حيث إننا نرى انّ هذه المعركة تتميّز عما سبقها بكثير من العناصر سواء في ذلك بما يتعلق بالمسلحين ومسارات التحرك أمامهم، أو بوجود المحتلّ الأجنبي فيها فضلاً عن مساحة المنطقة وموقعها الجغرافي واتصالها بتركيا.
ففي الميدان يحتشد ما يزيد على 65 ألف مسلح إرهابي البعض يقدّر هؤلاء بـ 100 ألف. وهو رقم مغالى فيه ويروّج له إما عن جهل أو عن سوء نية لتثبيط عزيمة الحكومة السورية والحلفاء لخوض هذه المعركة . وقد احتشدت هذه المجموعات الإرهابية إما تأسيساً في المنطقة منذ اليوم الأول الذي بدأت فيه عملياتها الإرهابية في جسر الشغور في العام 2011 او بعد أن اعتبرت ملجأ للإرهابيين الذين هزموا في معارك أخرى على الأرض السورية واقتضت عمليات التسوية إخراجهم من الميدان ونقلهم الى مستودعات إدلب التي تحوّلت بعد الإنجازات العسكرية السورية في تحرير الأرض من الإرهاب الى الملجأ الأخير ومركز الثقل النوعي السياسي والاستراتيجي والعسكري الأساسي والأخير للإرهابيين والذي يعني أنّ خسارته من قبلهم تعني انتهاء العدوان على سورية والانتقال الى مرحلة جديدة ليس فيها شيء من المخاطر والتهديدات التي شكّلتها الحرب الكونية على وحدة سورية وموقعها الجيوسياسي ودورها الاستراتيجي الذاتي وفي الإقليم.
أما في الجغرافيا فإنّ المنطقة التي تزيد مساحتها عن 10.000 كلم2 وتتصل مباشرة بالحدود التركية ولمسافة تتعدّى ال 100 كلم، وهي منطقة من حيث الطبيعة منوّعة فيها الجبال والهضاب المناسبة لقتال الجيل الرابع، كما أن فيها بعض المنبسطات التي تتيح استعمال أسلحة الصدم المدرّع وحركة الآليات المجنزرة والمدولبة على حد سواء.
أما من ناحية التدخل الأجنبي، ورغم أن كل الحرب العدوانية على سورية إنما هي قرار أجنبي اتكأ على جماعات محلية، وأن كل ما قيل عن ثورة وما شاكلها إنما هو نفاق لتغطية هذا العدوان وتبريره، فإن اليد الأجنبية تحضر وتتدخل في تلك المنطقة بشكل مباشر وبقوة وأشد وضوحاً من أي منطقة سورية أخرى، حيث تحوّل الوجود التركي الذي كان يفترض أن يكون وجوداً متفقاً عليه في إطار عملية أستانة وما نجم عنها من منظومة مناطق خفض التصعيد، احتلالاً مكتمل العناصر والتأثير على مساحة تكاد تصل الى ثلث المنطقة المقصودة.
وعلى ضوء ما تقدّم ونظراً لهذا الخصائص فإن التحضير للمعركة أخذ بعين الاعتبار العوائق والقيود التي تعترض عملية التحرير المطلوبة، خاصة أن البعض يراهن او لا يزال يراهن على بعض الأوضاع الخاصة التي من شأنها أن تشكل عوائق وتمنع القيام بعملية تحرير واسعة وشاملة لكامل المنطقة ويطمح الى بقاء بعض المواقع خارج اليد السورية من أجل تحويلها أوراقاً مخارج أو تفاوض أو ضغط اثناء العملية السياسية التي تريدها القوى الأجنبية في مسار يأتي خلافاً لما يريده الشعب السوري.
وعليه، فإننا نرى أن سورية وعلماً منها بما يخطط ويحاك لمنع العملية فإنها اتخذت لكل موقف علاج وحل ينسجم مع المبادئ الرئيسية التي خيضت الحرب الدفاعية منذ نيّف وسبع سنين على هديها، ولذلك نرى ان معركة إدلب هي أيضاً ستكون تحت هذه المبادئ وإن ما يقال عن خصوصية وعوائق سيعالج وفقاً للاستراتيجية الدفاعية السورية وعلى ضوء القدرات المتاحة كما يلي:
بالنسبة لتعقيدات الميدان عسكرياً. فإنّ الأمر أبسط مما يهوّلون، حيث إن الحشد الإرهابي المؤلف من 65 ألفاً لن يكون كله في المواجهة في الميدان، بل إن بعضه سيكون في مواجهة البعض الآخر في عملية تنازع وتآكل إرهابي ذاتي. وقد بدا هذا في بالفعل في عملية تفكيك وتركيب المجاميع الإرهابية. والبعض الآخر سيكون جاهزاً للتسويات السلمية والخروج من الميدان طلباً للنجاة الذاتية من دون قتل بما يذكر بعمليات مشابهة أخرى حصلت مؤخراً في الغوطة ودرعا والقنيطرة وقد بدأ هذا فعلاً وإن بشكل خجول في البداية، أما الجزء المتبقي فقد أعدت له الدولة من القوى ما يكفي ويزيد عن احتياجات المعركة. ولهذا كانت ولا زالت عملية تحشيد القوى للهجوم مستمرة لتشكل رسالة قوية لمن يكابر ويُصرّ على القتال.
بالنسبة لمنظومة خفض التوتر والتي بمقتضاها نشرت في المنطقة أكثر من 32 نقطة مراقبة عسكرية من قوات إيرانية وروسية وتركية. فإن هذه المناطق بالمفهوم الحقيقي والمصطلح الذي يجب أن يعمل به وعلى أساسه قبلت به سورية، فإن هذه المناطق مرحلة انتقالية بين وضع الخروج على الشرعية والتمرّد والعدوان ووضع العودة الى الوطن وكنف الشرعية وليست في أي حال وضعاً نهائياً يجيز لأحد المس بوحدة الدولة وسيادتها وقرارها المستقل. وفي هذ المجال نجد أن تركيا نكثت بوعودها وباتت الدولة السورية في حل من التزاماتها بهذه المناطق إذ بدلاً من السير باتجاه الشرعية قامت تركيا ومعها بعض المجموعات الإرهابية بعمليات احتلال وامتنعت عن تصفية الإرهاب، حيث كان عليها أن تفعل. وبالتالي كما حدث في الغوطة وبعدها في الجنوب السوري لم يعد لخفض التوتر قيمة ولا يشكل بذاته عائقاً أمام عملية التحرير.
أما عن المواجهة العسكرية مع تركيا كما يتخوّف أو يروّج البعض، ورغم أننا لا نثق مطلقاً بالموقف والسلوك التركي خاصة أن القيادة التركية القائمة تميّزت بعدم الواقعية والجموح العدواني غير المشروع. وكانت منذ البدء رأس الحربة الأساسي في العدوان على سورية، رغم كل ذلك فإننا نرى أن المتغيرات الميدانية السورية والتقلبات في معادلات الإقليم ومتغيرات المسرح والعلاقات الدولية كلها تفضي إلى ما يشبه اليقين بأن تركيا لن تكون في موقع تناجز فيه الجيش العربي السوري القتال لتمنعه من تحرير أرضه من الإرهاب. فتركيا اليوم في قدراتها ليست كتركيا قبل سبع سنوات ومَن ينظر إلى علاقات تركيا مع إيران وروسيا وأوروبا وأميركا يعرف ماذا نقصد ويعرف كيف على تركيا أن تتصرف أو ماذا بإمكانها أن تفعل.
وعلى ضوء ذلك نرى عملية تحرير إدلب وكامل المنطقة المحيطة بها حتى الحدود الدولية مع تركيا، هي عملية لا بدّ أنها حاصلة وستكون عملية مركبة من عمل سياسي تصالحي، وقد بدأ قبل أن تبدأ المعركة وما نشهده اليوم من انقلاب البيئة الشعبية ضد المسلحين هو أحد الدلائل على ذلك، ومن عمل عسكري للضغط لاقتياد الجماعات الى العملية السلمية التصالحية، ويبقى العمل العسكري المحض الذي سيكون قاسياً في بعض المواقع، لكنه سينتهي الى اجتثاث الإرهاب وإخراج المقتل التركي من الأرض السورية، وما المسألة الا مسألة أيام قليلة وتطلق الصفارة إيذاناً بحلول الساعة الصفر بتوقيت دقيق تحدّده القيادة السورية صاحبة القرار الأول والأخير في عملية التحرير.
(البناء)