مقالات مختارة

ماذا حصل في الميدان أمس الأول؟: ناحوم برنيع

 

عنوان رئيس ضخم، على اتساع الصفحة الأولى، نشر أمس في «يديعوت أحرونوت»: «أعلام فلسطين في قلب تل أبيب»، وفوقه نشرت صورة من ميدان رابين، مقر البلدية في الخلفية، ومتظاهرون بأذرع ممدودة إلى الأعلى، يافطات بالعربية وبالعبرية. وكذا، أعلام، «يا ويلي»، هتفت. يا له من خوف! إرهاب الأعلام؛ انتفاضة الأقمشة. أين سلاح الجو؟ لماذا لا نسمع صافرة اللون الأحمر؟ ركضت لأنجو بروحي إلى الغرفة المأطومة .

شعرت بالإهانة، بداية باسم تل أبيب. هذه المدينة المفتوحة، التي هي عرضة لكل ريح، يمكنها أن تحتوي كل الأعلام جميعها.. أعلام المثليين التي ترفرف في شهر الفخار وفي كل السنة من على الشرفات، أعلام الدروز التي احتلت ميدان رابين السبت الماضي، أعلام دول لاسامية مثل هنغاريا ولا إسرائيلية مثل تركيا. وحده العلم الفلسطيني لا يمكنها أن تحتويه، حسب الصحيفة، على الأقل.

أعلام حماس في القدس هذا طبيعي؛ أعلام م.ت.ف في حيفا هذا طبيعي. ولكن أمام بوراسري؟ أمام سوبر يودا؟ أمام بورغر كينج؟ لعل الوقت حان لأن يفهم الجميع، من اليمين إلى اليسار، بأن سخنين وأم الفحم والناصرة هي جزء من دولة إسرائيل، وأن تل أبيب أيضًا هي جزء من دولة إسرائيل. ليس لهذه جميعها بلاد أخرى.

غطيت التظاهرة إعلاميًا السبت، وتغطية التظاهرات جزء من عملي، فهناك اليمين، واليسار، والأصوليون، والمستوطنون، والأثيوبيون، والدروز، والعاطلون عن العمل، والمثليون، ومطالبو العدالة الاجتماعية.

وجود الأعلام كان خطأ، الذين فهموا هذا منذ البداية هم منظمو التظاهرة، وهم الذين طلبوا إنزالها. الأعلام كانت خطأ لأنها كشفت تناقضًا داخليًا؛ فمن يصر على تعريف نفسه من خلال علم كيان سيادي آخر، يخرب على مطالبته بالحصول على نصيبه في دولته. وهو يقول عمليا ما لي لي وما لك لك. قلة جدًا من الإسرائيليين يمكنهم أن يتماثلوا مع اختلاف كهذا، ولا حتى في اليسار.

هي الحال في المطالبة بالمساواة، التي رفعت في التظاهرة على لسان الجميع، يهودًا كعرب، وبثت حتى على واجهة مقر البلدية بأحرف حمراء. فالمطالبة بالمساواة في الحقوق كانت أكثر إقناعًا لو أنها ترافقت ومطالبة بالمساواة في الحقوق. مع شدة الأسف، فإن التمثيل السياسي لعرب إسرائيل قاتل ببسالة ضد كل خطوة لمساواة الواجبات، ليس ضد الخدمة في الجيش فقط، بل ضد الخدمة المدنية أيضًا.

الخدمة هي السلم الأكثر نجاعة والأكثر جدارة للاندماج في المجتمع الإسرائيلي. فمن يسعى إلى الاندماج والتميز في الوقت نفسه، يتذبذب في طريقه ويندفع إلى الهوامش. وعلى الرغم من ذلك، فإن حقهم في التظاهر لا يقل عن حق الآخرين.

الصورة التي ظهرت في صدارة الصحيفة مضللة، فأحيانًا يمكن للصورة أن تضلل مثل ألف كلمة تقريبًا، فهي تكذب بالضبط مثل خطاب العرب يتدفقون بالباصات الذي أطلقه نتنياهو. في التظاهرة رفعت بضع عشرات الأعلام الفلسطينية، لا أكثر. هنا وهناك كانت أعلام إسرائيل، التي رفعها عاليًا متظاهرون يساريون يهود. كما أن هتافات «بالروح بالدم والنار نفديك يا فلسطين» انطلقت، هتافات غير شرعية تمامًا مثل هتافات «بالدم والنار نطرد رابين»، التي أطلقت في الميدان ذاته.

فوجئت بكمية المتظاهرين؛ ساحة المتحف التي وصل إليها السائرون من ميدان رابين كانت مليئة حتى صفر المكان، بما في ذلك جادة شاؤول الملك. فوجئت من هذا العدد الكبير من اليهود ممن جاءوا: يهود كبار في السن، يساريون واضحون، متظاهرو السلام الآن وميرتس، أما العرب فلم يصلوا بجموعهم. ومن سخنين، قال لي أحد المتظاهرين، خرجت خمس حافلات، إضافة إلى سيارات خاصة بلغت مساهمتها نحو خمسمائة شخص. قصتهم معاكسة لقصة الدروز؛ هؤلاء بيأسهم، وأولئك بأملهم.

قانون القومية هو قانون ضار لعدة أسباب، فالضرر الأساس هو في تأثيره على سياقات في المجتمع الإسرائيلي. وبدلاً من الدفع نحو الاندماج والتعزيز للإطار المشترك، يدفع نحو الانعزالية القبلية. وبدلا من الاحتواء ثمة إقصاء. بعض من الناس الذين أحترم رأيهم، بينهم يوعز هندل وجلعاد شارون، قرأوا القانون ولم يجدوا فيه ما أجده أنا، فهم يتجاهلون المسيرة السياسية الداخلية. سياسيون متطرفون مثل يريف لفين وآييلت شكيد يعتزمون علنًا جعل القانون أساسًا لتشريع دستوري واسع يصفي عمليًا القانون الأساس: كرامة الإنسان، ويخصي المحكمة العليا.

الإقصاء من الاحتواء، الدفع إلى الخارج بدلاً من الدعوة إلى الداخل. أعضاء الكنيست من التجمع الديمقراطي، في الطرف الآخر، سعداء بالقانون. هذا ما يريدونه: الانعزالية، والاغتراب، والقبيلة ضد القبيلة، والعلم قبالة العلم. «زحالقة» من التجمع و«لفين» من الليكود.

يديعوت

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى