الاستقلال معركة متواصلة
غالب قنديل
منذ الحرب العالمية الثانية لم تتوقف دول الغرب الاستعماري بقيادة الولايات المتحدة عن تطوير ادوات الهيمنة والتدخل في دول العالم لكبح حركات التحرر والاستقلال ومجابهة الحكومات العاصية والمتمردة على المشيئة الاستعمارية .
شكل التوازن العالمي بعد الحرب اطارا لمعادلات وتفاهمات خلال الحرب الباردة وفرت هامشا فعليا أفادت منه العديد من الدول المستقلة المناهضة للهيمنة في العالم الثالث وهو ما نتجت عنه ظواهر عديدة كان ابرزها كتلة عدم الانحياز ودول مستقلة رسخت جذورها وحصنت هويتها التحررية مثل كوبا والصين وكوريا الشمالية ومصر الناصرية والجزائر وسورية.
شكل وجود الكيان الصهيوني كقاعدة مركزية للهيمنة الاستعمارية في المنطقة العربية عنصرا محفزا لدينامية الهيمنة الغربية ولحروبها وتدخلاتها.
هكذا اتخذت قضية الاستقلال محتوى وشكل المعركة المتواصلة في منطقتنا وهي حقيقة تجذرت وترسخت بعد نهاية الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفيتي.
هذا الوصف يناسب علميا وبقوة تاريخ سورية الحديث منذ الاستقلال وبصورة خاصة في حقبة ما بعد الحركة التصحيحية وصعود زعامة الرئيس حافظ الأسد الذي سعى لبناء دولة وطنية قوية منيعة مستقلة ومقاومة للحلف الاستعماري الصهيوني ويمكن القول ببساطة ان سورية كانت تدافع عن استقلالها طيلة العقود الماضية وفي جميع المراحل رافضة الخضوع للهيمنة الاستعمارية الصهيونية وقد قاس القائد الراحل كل خطواته ومواقفه على مرجعية الاستقلال الوطني ورفض الهيمنة من سعيه الى تنفيذ خطة اكتفاء ذاتي اقتصاديا عبر تنمية الانتاج الوطني وحمايته الى تطويره للجيش العربي السوري ولقدراته الدفاعية ورفضه لجميع عروض الاستسلام والاعتراف بالكيان الصهيوني وادارته الحكيمة للصراع بعد انهيار الاتحاد السوفيتي بالتحالف الاستراتيجي مع ايران وتطوير صناعة الصواريخ السورية وتوطين التكنولوجيا الحديثة عبر سلسلة مراكز البحوث العلمية ومعامل الدفاع. وصاغ القائد استراتيجية خاصة استنزفت الحلف المعادي والكيان الصهيوني باحتضان سورية للمقاومة اللبنانية والفلسطينية.
معركة الاستقلال المتواصلة التي خاضها القائد حافظ الأسد ما تزال مستمرة كما برهنت احداث السنوات الماضية.
فمنذ انطلاق العدوان على سورية كان واضحا ان الغاية هي تدمير القوة السورية واخضاع البلاد للهيمنة الاستعمارية الصهيونية والحاقها بمنظومة الدول العربية التابعة والمستسلمة للعدو الصهيوني والتي شاركت هذا العدو في التواطؤ على المقاومة ومحورها منذ تحرير الجنوب اللبناني بدعم سوري ايراني.
اذن فالمستهدف في العدوان هو استقلال سورية وارادتها الحرة ونهجها التحرري المقاوم.
اليوم يسير العدوان الاستعماري على سورية الى هزيمته بينما تتحضر سورية بقيادة الرئيس المقاوم بشار الأسد لانتصار تاريخي عظيم لكن معركة الاستقلال ستبقى مستمرة ومحورها سيكون حماية النصر وتعزيز القدرات السورية عسكريا واقتصاديا وتكنولوجيا واحياء الدور القومي لسورية واعادة البناء بعد الحرب وفقا لاستراتيجية التوجه شرقا التي طرحها الرئيس بشار الأسد.
عشية الانتصار القادم لابد من الاعداد لأعراس الفرحة الكبرى التي صنعها الأبطال والشهداء والقادة والسوريون العاديون الذين صمدوا وواجهوا العدوان ومعهم جميع الشركاء المخلصين الذين بذلوا تضحيات جليلة.
في ذات الحين ومن الآن لابد من الاعداد لمواصلة النضال من أجل الدفاع عن سورية القوية المستقلة التي هزمت قوى العدوان وأذلتها وكسرت غطرستها. هذا التحول النوعي القادم يحتم يقظة ووعيا شديدين لحمايته.
في المرحلة القادمة ستشهد سورية نهاية حقبة سوداء ودموية عانى منها جميع السوريين ولكن ترسيخ النصر والأمان سيتطلب وعيا وانتباها واستعدادا لخوض المواجهة بأشكال متعددة دفاعا عن استقلال سورية القوية المنتصرة وحيث يمثل التضامن الوطني أمضى الأسلحة وأقواها.