“حماس” تسمع مُعارضيها: بنود الورقة المصرية للمصالحة: قاسم س. قاسم
لا تزال لقاءات المكتب السياسي لحركة «حماس» في قطاع غزة مستمرة. الاجتماعات تتمحور حول مسألتين: الأولى المصالحة مع حركة «فتح»، والثانية التهدئة مع الاحتلال الإسرائيلي. الفصائل في غزة انقسمت بين مؤيد للمصالحة مع «فتح»، وأخرى رافضة لها. أما في ما يتعلق بالهدنة، فهناك شبه إجماع على ضرورة الارتقاء بالمطالب بما يناسب تضحيات سكان غزة
عقدت قيادات حركة «حماس» في الأيام الماضية، سلسلة لقاءات سياسية وعسكرية لوضع «من يعنيه الأمر» في الفصائل والمقاومة الفلسطينية، في ضوء ما يجري من مشاورات في القاهرة. النقاشات تعلقت بأبرز ملفين تتعامل معهما «حماس»، الهدنة مع العدو الإسرائيلي، والمصالحة مع حركة «فتح».
فالتقت القيادة السياسية لـ«حماس» بمسؤولي الفصائل الفلسطينية في غزة أول من أمس، للتشاور معهم ولإطلاعهم على كل الملفات في اجتماع دعت إليه «دائرة العلاقات الوطنية في حماس». أبلغت الحركة الفصائل بوجود ورقة مصرية جديدة وشرحت ما تضمنته من مطالب «فتحاوية».
سمعت «حماس» خلال الاجتماع انتقادات عدة، فسأل بعض الحاضرين إذا كان اللقاء معهم لإبلاغهم بقرارتها في ما يتعلق بالهدنة والمصالحة، أو للتشاور معهم. ردّت الحركة بأن اللقاء للتشاور، مؤكدة أن «أولويتها تحقيق المصالحة مع فتح قبل إقرار الهدنة مع العدو الإسرائيلي»، وذلك بحسب ما نقله أحد المشاركين في الاجتماع. أضاف: «أبلغت حماس، المجتمعين بأن أي قرار يتعلق بهدنة مع الاحتلال فإنه سيجري التوافق عليه معهم، خاصة أن قراراً بهذا الحجم يتطلب إجماعاً فلسطينياً».
وبحسب محضر اجتماع «حماس» مع الفصائل، فقد كانت «فتح» حاضرة بالاجتماع، إذ شارك مسؤول «العلاقات الوطنية» في غزة عماد الآغا، وعضو «المجلس الثوري» تيسير البرديني، والمتحدث باسم «مفوضية الإعلام والثقافة والتعبئة الفكرية» في «فتح» عاطف أبو سيف، في اللقاء.
في كلمة مقتضبة، قال عضو المكتب السياسي لـ«حماس» حسام بدران للمجتمعين إن اجتماعات المكتب السياسي للحركة «لم تنتهِ وفضّلنا عقد هذا اللقاء التشاوري، قبل استكمالها لأخذ الملاحظات وإضافتها والاستفادة منها داخل اجتماعاتنا»، مؤكداً أن «لا دولة بغزة ولا دولة بدون غزة».
وفي ما يتعلق بالمصالحة، قال بدران: «نحن ملتزمون كلّ ما وُقِّع عليه منذ عام 2011 (اتفاقية القاهرة) بكل التفاصيل وبمخرجات اجتماع بيروت 2017»، أضاف: «هدفنا الآن كسر الحصار وتثبيت تهدئة متبادلة (بين المقاومة والعدو) وإعطاء فرصة لشعبنا بعد 12 عاماً من الحصار كي يعيش شعبنا حياة كريمة دون التنازل عن الثوابت»، مؤكداً أن «لن يكون هناك أي ترتيب سياسي، ميداني، إداري دون التوافق مع الكل الفلسطيني، ونؤكد أن هناك فرصة حقيقية لرفع المعاناة عن أهلنا بغزة».
من جهته، قال نائب رئيس المكتب السياسي لـ«حماس» في غزة خليل الحية، إنه في «الزيارة السابقة لمصر عرض علينا ورقة للمصالحة وتحدثنا مع الإخوة المصريين عن الحصار ووضعنا بين أيديهم كافة الأرقام والإحصاءات وما سبّبه من ضرر». أضاف: «دائماً يُظهرون في حديثهم معنا (المصريين) رغبتهم في رفع المعاناة والتخفيف منه قدر المستطاع، وقد جددوا الحديث عن وجود مشاريع ودعم دولي للقطاع، ورحبنا بذلك. ومن الخطوات التي قاموا بها لتخفيف الحصار، فتح معبر رفح بنحو دائم، وشكرناهم على ذلك».
وقال: «تحدثوا معنا عن توقف مسيرات العودة، والبالونات الحارقة، لكننا قلنا بوضوح: خرج الشعب أملاً بالعودة وهروباً من الحصار، ولن يعود شعبنا عن الحدود إلا بفك الحصار، وقلنا لهم أن لا يطلب أحد وقف المسيرات، بكافة أشكالها وأدواتها السلمية، حتى الحصول على شيء حقيقي، حينها سنعود إلى شعبنا لنقول لهم: أثمرت تضحياتكم ودماء شهدائكم».
ونقل الحيّة ما قيل في القاهرة: «أبلغونا أن المجتمع الدولي لديه مشاريع تتعلق بالبطالة والتنمية والإعمار، بشرط الهدوء، فقلنا لهم منذ 2014 (العدوان الإسرائيلي على غزة) نحن ملتزمون بمدى التزام العدو بها، ولن نسمح نحن والفصائل بأن يحاول العدو فرض سياسات ومعادلات وواقع جديد علينا».
أما في ما يتعلق بالمصالحة، فقال الحية: «قدّم لنا المصريون مقترحاً وورقة أولى لدراستها. فعلنا ذلك وقدمنا بعض الملاحظات التي لا تغيّر من مضمون أي بند». أضاف: «قُدمت الورقة لعزام الأحمد، فرحّب بها، وقال: هذه أفكارنا، ولكن يجب أن أعود للرئيس (محمود عباس)، وسأرسل الرد بعد عرضها عليه». أكمل الحيّة: «الرد كان عبارة عن ورقة جديدة وليس ملاحظات على الورقة، وبعد عودة عباس كامل (رئيس جهاز المخابرات العامة) إلى مصر، طلبوا منا زيارة القاهرة لوجود عدة مستجدات تخصّ شعبنا، فذهبنا وكنا نتوقع أن عودتنا إلى القاهرة ستكون للبحث في تفاصيل الورقة الأولى وليس تقديم طرح جديد وبهذه الشاكلة».
خالد البطش: سنستمر في المسيرات إلى حين الوصول إلى ما يرضي شعبنا
أضاف: «قدموا لنا ورقة مصرية جديدة مراحلها ثلاثة، وتتضمن مقدمة سياسية أشبه بما يطلبه أبو مازن، والورقة عبارة عن اتفاق جديد لا علاقة له باتفاق 2011».
شرح الحيّة تفاصيل الورقة المصرية الجديدة، وقال إنها تتضمن «ثلاث مراحل: الأولى مدتها أسبوع تتضمن عودة الوزراء ومباشرة أعمالهم وصلاحياتهم وبقاء كل شي على ما هو عليه حتى انتهاء عمل اللجنة الإدارية (المخصصة لبحث شؤون دمج موظفي حماس مع موظفي السلطة). ثم تتوجّه قيادات الأجهزة الأمنية في الضفة إلى مصر للقاء مختصين لفرض واقع أمني في غزة شبيه بالضفة وتمارس عملها وفق بيئة أمنية مواتية، ثم تشكيل لجنة رقابية تضم بعض المستقلين وحماس وفتح ومصر لمتابعة تطبيق بنود الورقة الجديدة». أما المرحلة الثانية، فكشف أن «مدتها شهر تسلم خلاله حماس الجباية الداخلية مقابل تعهد الحكومة بصرف رواتب المدنيين والشرطة والدفاع المدني بنفس قيمة الجباية، بمعنى لو كانت إجمالي الجباية تساوي 10% من الرواتب، فهذا سيكون نسبة الراتب، واستُثنيَت رواتب الأمنيين نهائياً، ثم بعد تسليم الجباية، تطبيق قرارات اللجنة الإدارية، ثم قرارات الحكومة».
أما المرحلة الثالثة، فمدتها 10 أسابيع، تخرج بعدها «الحكومة في مؤتمر صحفي تتحدث فيه عن رضاها عن الخطوات والعمل، ثم السفر إلى مصر للبدء في ترتيب الإجراءات للانتخابات واستكمال أي أمور عالقة».
بعد العرض «الحمساوي» توالت مداخلات مسؤولي الفصائل في القطاع، فانقسمت بين مؤيد لمواقف «حماس»، ومعارض ومطالب بالتنازل لمصلحة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس. فقال القيادي في «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين» هاني ثوابتة، إن قاعدة المصالحة هي «اتفاق القاهرة عام ٢٠١١، ويجب عدم قبول بمصالحة لا تكفل حقوق الموظفين وإنهاء العقوبات». أما في ما يتعلق بالهدنة مع الاحتلال اشترط ثوابته عدم السير بأي «اتفاق لا يرقى إلى مستوى التضحيات وعلى حماس العمل على بذل المزيد من التضحيات لإنجاح المصالحة بالدرجة الأولى». أما القيادي في «فتح» عماد الآغا، المعنيّ الأول بالمصالحة، فثمّن اللقاء وقال: «قررنا المشاركة على قاعدة الشراكة، ونتمنى أن يتم كل ما طُرح قريباً، وأن تشكل المصالحة انفراجة على الناس».
من جهته، هاجم القيادي في «جبهة النضال الوطني» محمود الزق «حماس»، وقال: «كان لدينا ميناء ومطار وحياة كريمة قبل توليهم غزة». وطالب الزق الحركة بـ«القبول الفوري بالورقة المصرية الجديدة، وعدم قبول أي عروض خارج الإطار الرسمي، لأنها حركة سياسية فقط، ولا تملك الحق بالتوقيع نيابة عن الكل الفلسطيني»، مضيفاً: «يجب على حماس أن تتواضع للناس وتشعر بمعاناتهم ولا تخلق لنا اتفاقاً أسوأ من اتفاق أوسلو».
من جهته، قال القيادي في «حركة الأحرار» خالد أبو هلال: «المبدأ العام لورقة المصالحة الجديدة تنفيذ سياسة عباس وتطبيق ما يريده، لذلك ندعو حماس إلى رفض ورقة المصالحة جملة وتفصيلاً»، أضاف: «بما يتعلق بالتهدئة، فكلنا ثقة بالحركة، وقرارها سيكون مناسباً باسم الجميع».
من جهته، أكد القيادي في «الجهاد الإسلامي»، خالد البطش أنه «يجب العودة إلى المصالحة على أرضية الوفاق واتفاق 2011، وأي حوار ومصالحة ثنائية سيحكم عليها الفشل، لذلك يجب إشراك الجميع»، مضيفاً: «حول التهدئة مع العدو، العالم يريد إيقاف مسيراتنا، ونحن سنستمر فيها إلى حين الوصول إلى ما يرضي شعبنا».
في السياق نفسه، قال القيادي في «لجان المقاومة الشعبية» أبو رضوان، إنه يجب اعتبار «ورقة عباس الجديدة صفر»، أضاف: «الوضع لا يحتمل، وعيب اللي بصير، ويا ريت تفضحوا اللي بعطّل المصالحة».
ورأت حركة «الائتلاف الوطني الفلسطيني» و«حركة المقاومة الشعبية»، على لسان القيادي خالد الأزبط، أن لا داعي «للجدل حول المصالحة لأن اتفاق 2011 شكل المرجع الوطني، وحمل كامل التفاصيل التي ترتبط بالمصالحة، ومخرجات بيروت 2017 حملت التفاصيل لإعادة بناء المنظمة والمجلس الوطني»، مطالباً بأن رفع العقوبات التي فرضتها السلطة «يجب أن تكون فورية وغير مرتبطة بأي اتفاق».
من جهته، هاجم القيادي في «الجبهة الديموقراطية» عصام أبو دقة، «حماس»، وطالبها بـ«قبول الورقة، وعلى حماس وفتح الكف عن سياسة التفرد بالقرار الوطني، فمبدأ الشراكة غير موجود لديكما». وطالب أبو دقة بـ«إعادة تقييم مسيرات العودة، أما موضوع التهدئة، فأصبح الأمر واضحاً، أن المساعدات الإنسانية مقابل وقف المسيرات»، أضاف: «كنا نملك ميناءً ومطاراً وحرية تنقل وحياة قبل حكمكم (حماس) غزة، ويا ريت تراجعوا سياستكو ولا تنجروا لأي اتفاق سلام اقتصادي».
ورأى القيادي في «الجبهة الشعبية ــ القيادة العامة» لؤي القريوطي، أن المرجع للمصالحة هو «اتفاق 2011 ومخرجات بيروت 2017، وحول التهدئة نقول إن الوضع لم يعد يحتمل، ونثق بحماس وقرارها حول التهدئة».
أما القيادي في «حزب الشعب» وجيه ياغي، فطالب بـ«قبول الورقة الجديدة بكل تفاصيلها، ونؤكد أن هناك مرجعية وطنية مفوضة للتوقيع على قضايا مثل التهدئة وغيرها، لا حزباً سياسياً».
وطالب القيادي في حركة «المبادرة الوطنية الفلسطينية» عائد ياغي حركة «حماس» بـ«النزول من برجهم العالي وليستمعوا إلى النصائح وإلى الناس، والتهدئة لا ترقى إلى تضحيات شعبنا، وحول المصالحة يجب القبول بالورقة وتطبيقها وتفويت الفرصة على العدو».
بدوره، طالب القيادي في حزب «فدا» سعدي أبو عابد بـ«قبول العرض المصري الجديد فوراً وإعادة تقييم مسيرات العودة»، مؤكداً أن الجهة الوحيدة التي يحق لها قبول أي عروض هي «المرجعية الوطنية، والجهة الرسمية هي السلطة فقط».
خلافات داخل «الكابينت»
على خلاف موقف جهات سياسية إسرائيلية، تدعو الأجهزة الأمنية إلى الامتناع في المرحلة الأولى عن ربط التسهيلات الاقتصادية بإعادة جثث الجنود في قطاع غزة، وهو ما يشير إلى أن ما يهمها هو التوصل إلى صيغة تهدئة تجنّباً للتدحرج نحو مواجهة لا يريدها أي من الأطراف. وعلى هذه الخلفية، يأتي موقف قادة أمنيين رفيعي المستوى بأن على إسرائيل «القيام بكل شيء» من أجل تفادي انهيار التسوية. وفي الإطار نفسه، تخشى هذه الأجهزة من تداعيات حدوث كارثة إنسانية في القطاع، وتقدّر بأنه إذا التزمت حركة حماس أمام مصر، فإنها ستلتزم بكلمتها، وهو ما ينطوي على دعوة للرهان على الدور الذي يمكن أن تؤديه في تهدئة الجبهة مع القطاع. وأهمية هذه التوصية أنها تقدمها كـ«مصلحة أمنية» إسرائيلية يمكن أن تؤدي إلى تأجيل المواجهة العسكرية، حتى نهاية عام 2019، إلى حين استكمال الحواجز التي تقيمها إسرائيل تحت الأرض على طول الحدود مع القطاع، في إشارة إلى الأنفاق.
في السياق نفسه، لفتت تقارير إسرائيلية إلى وجود خلافات داخل المجلس الوزاري المصغر («الكابينت») إزاء التسوية المقترحة. من جهة يشكّك وزير الأمن أفيغدور ليبرمان بامكانية التوصل إلى مثل هذه التسوية، بينما يرى آخرون ضرورة فسح المجال أمام إمكانية التوصل إلى تهدئة بهدف عدم الانجرار إلى مواجهة عسكرية قبل استنفاد جميع الخيارات الأخرى. ورأت صحيفة «هآرتس» أن إمكانية إجراءات انتخابات ستؤثر بأي قرار بخصوص التسوية مع حركة حماس، وفي هذه الظروف عادة ما تنطلق المنافسة الشديدة داخل معسكر اليمين على أصوات الناخبين. ولفتت الصحيفة إلى أن عدة استطلاعات رأي أشارت إلى أن أي اتفاق لا يشمل إعادة جثتي الجنديين سيعرض الحكومة لانتقادات، كذلك إن «تحرير الجثتين والمواطنيْن من خلال مفاوضات، أي صفقة تبادل أسرى يفرج من خلالها عن أسرى فلسطينيين، سيعرّض الحكومة لانتقادات».
(الاخبار)