إسرائيل وحماس عالقتان في متاهة: يوسي ملمان
متاهة وهرب من اتخاذ قرار حكومي، هذه هي نتيجة جلسة أخرى للكابينت الذي انعقد لبحث من خمس ساعات، سمع فيه الوزراء تقارير من رئيس الأركان غادي آيزنكوت وكبار رجالات جهاز الأمن. وبخلاف التوقعات التي طرحت في نهاية الأسبوع، وكأن إسرائيل وحماس على شفا تسوية، تبين بأن الجبل تمخص فولد فأرًا؛ فلم يطلب إلى الوزراء اتخاذ قرار، بل ولم يطلبوا هم ذلك .
تجد حكومة إسرائيل صعوبة في تربيع الدائرة، فهي تشترط لكل تقدم في الخطوة نحو التسوية أو أي اسم يعطى لها، إعادة جثامين الجنديين والمواطنين الحيين المحجوزين في غزة.
أما حماس، بقيادة يحيى السنوار الذي مكث في السجن الإسرائيلي 22 سنة، وكان كبير المحررين في صفقة شاليط، فمستعد لتبادل الأسرى، ولكنه يطلب ثمنا عاليا من مئات المخربين، بمن فيهم الذين على أيديهم الدماء. رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي سبق أن خضع لضغط عائلة شاليط والحملة الجماهيرية التي رافقته واعتقد بأن هذا سيجديه نفعًا في الانتخابات، لا يمكنه أن يسمح لنفسه بصفقة مشابهة أو حتى أقل منها. نتنياهو، وبقدر أقل وزير الدفاع أفيغدور ليبرمان، أصبحا أسيرين لليمين ولا سيما للبيت اليهودي، الذي يعانق عائلة هدار غولدن ويدعمها.
وعليه، ففي هذه المرحلة لا يمكن تحريك تسوية كبيرة تتضمن عدة مراحل، وفيها: تبادل للأسرى، توسريع عبور البضائع في كرم أبو سالم، وفتح معبر رفح المصري، وتوسيع مناطق الصيد، ولاحقًا مصالحة فلسطينية بين فتح وحماس، وإقامة حكومة مشتركة، ونقل المسؤولية المدنية عن غزة للسلطة الفلسطينية، وبالمقابل استئناف دفع الرواتب لـ 40 ألف موظف. ولاحقًا، ووفقًا لصيغة التسوية الكبرى، تقام مشاريع كبيرة لزيادة إنتاج الكهرباء، ومشروع لتحلية المياه وتحسين البنى التحتية بمئات ملايين الدولارات، على ما يبدو لتمويل عربي ودولي أكثر، وكذا إجراء مداولات على تجريد القطاع من السلاح أو تقليص السلاح الثقيل الذي لدى حماس.
يتعقد الوضع أيضًا لأن فتح تضع مصاعب كثيرة أمام الوسطاء مبعوث الأمم المتحدة إلى الشرق الأوسط، البلغاري نيكولاي ملدنوف، والمخابرات المصرية برئاسة الجنرال كامل عباس، اللذين يحاولان التوسط والوصول إلى صفقة. ففتح غير معنية بتسوية بين إسرائيل وحماس تمنح في واقع الأمر اعترافًا سياسيًا لمن يوصف في نظر إسرائيل والأسرة الدولة كمنظمة إرهاب، ويعظّم أكثر مسيرة الانقسام بين غزة والضفة الغربية، الذي هو مصلحة حكومة إسرائيل الحالية.
ولكن الطرفين يجدان أيضًا صعوبة في الوصول إلى تسوية صغيرة لوقف نار تام مقابل المرحلة الأولى من: فتح المعابر، وزيادة عبور البضائع وتوسيع مجال الصيد، ومرد ذلك لسببين: عائلات المفقودين والمدنيين تطالب بشدة ألا توافق إسرائيل بأي خطوة لإعادة تأهيل إنساني حتى ولو كانت أصغرها. ومع أن الوزراء، ولا سيما رئيس الوزراء، غاضبون من الضغوط التي تمارسها العائلة، ولا سيما عائلة غولدن، فليس لهم عين ينظرون بها ويقولون إن هذا هو الطريق الوحيد لتحقيق وقف للنار حتى ولو لفترة صغيرة من بضعة أشهر.
وحتى لو اصطدموا بالعائلات، فمشكوك في أن يكون ممكنًا تحقيق وقف للنار. فقد اكتشفت حماس بالصدفة قوة سلاح البالونات الحارقة ولن توافق على التوقف عن استخدامها طالما لم تحقق إنجازات مهمة أكثر من فتح المعابر.
وهكذا، وبعد أربعة أشهر من البالونات والطائرات الورقية الحارقة، وحرق عشرات آلاف الدونمات من الحقول والمحميات الطبيعية والتظاهرات على الجدار، لا يوجد خلاص لسكان الجنوب بعد. فنحن نوجد في المكان نفسه بالضبط، المكان الذي لا يبدي فيه الطرفان استعدادًا للحلول الوسط، ومستعدان لأن يدفعا الثمن حتى لو كان أليما.
وبعيدًا عن حماس، فإن حكومة نتنياهو أيضًا تدير الواقع في المناطق وكأنها تركب دراجة ثابتة تراوح المكان. نتنياهو لا يريد حربًا قبل الانتخابات القادمة، ولكنه ليس مستعدًا أيضًا لأن يعمل على تسوية يضطر فيها إلى إظهار الزعامة. وهو يفضل الوضع الراهن الذي يسمح له بتجاوز الصيف بسلام. ربما في الخريف، بعد أن يتبدد الحر، سيقل احتراق الحقول. معاناة 100 ألف من سكان الجنوب المخلصين وغير الصاخبين، الذين في معظمهم لا يصوتون له على أي حال، هي في نظره ثمن من المجدي دفعه.
معاريف