الخوذ البيضاء والرايات السوداء د.بثينة شعبان
مع تحرير الجيش العربي السوريّ لمنطقة الجنوب السوريّ من قوى الإرهاب المدعوم دوليّأً والمموّل سعودياً، ومع قيام الدول المشغلة للإرهابيين بتهريب إرهابيي الخوذ البيضاء إلى الكيان الصهيوني، ومنه إلى حيث يتمّ استخدامهم أو تصفيتهم، حيث تمّ ترتيب إقامات أوروبية لهم ونقلهم إلى دول غربية كانت مسؤولة أصلاً عن تمويلهم وتدريبهم وتشغيلهم وإدارتهم ونشر أكاذيبهم، وبالتالي فهي مسؤولة عن جرائمهم في سورية، فقد تكشفت حقيقة هؤلاء ولم يعد أحد قادراً على نكرانها، وتراكمت طوال ثمان سنوات حقائق تثبت أن أصحاب الخوذ البيضاء هم أدوات في مخطط الحرب على سورية الذي استهدف تدمير سورية وتفتيت شعبها وضرب دورها العربي والإقليمي في مواجهة مخططات التوسع الصهيوني والنهب الاستعماري لثروات العرب، وأن كل المسرحيات التي قاموا بها لتظهرهم بمظهر المنظمة الإنسانية كانت مسرحيات هوليودية متقنة لإيهام العالم بأكاذيب لا أساس لها من الصحة.
لقد تمت مكافأة فيلم عن الخوذ البيضاء بجائزة أوسكار تقديراً لخدماتهم الإرهابية في سورية، وتمّ تصنيع قصص دعائية وأفلام مفبركة مليئة بالأكاذيب وبعضها مثل “آخر الرجال في حلب” ما زال يجول الجامعات والمدراس والمراكز الثقافية في أوروبا ليعطي صورة مشوهة تماماً عن الحرب التي تعرضت لها سورية خلال السنوات الثماني الماضية. لقد لعبت منظمة الخوذ البيضاء الإرهابية دوراً أساسياً في فبركة تهمة الكيماوي ضد الجمهورية العربيّة السورية وفي تشويه صورة الواقع في سورية لملايين المشاهدين والمستمعين والمتابعين في كلّ أنحاء العالم، وبالتالي وفرت التغطية الإعلامية والسياسية للحكومات المتورطة بجرائم الحرب على سورية. ولم يتصدى لأكاذيبهم سوى القليل من الإعلاميين الشرفاء في مقدمتهم فانيسا بيلي التي أثبتت بالدليل القاطع تمويل حكومات المملكة المتحدة لأصحاب الخوذ البيضاء وبالتالي إدارتهم وتشغيلهم، ومازالت السيدة بيلي منذ سنوات تواصل تفنيد جرائم إرهابيي الخوذ البيضاء بحقّ الأطفال السوريين على الشاشات الإعلامية البديلة لإعلام الشركات المسيس والذي لا يعير للحقيقة اهتماماً، بل يوفر التغطية الإعلامية للحكومات الغربية. وها هو الكيان الصهيوني يغلق المشفى الميداني الذي أنشأه لمعالجة الإرهابيين من الخوذ البيضاء و داعش والنصرة وأمثالهم. بعد أن تمّ دحر الإرهاب من جنوب سورية وبعد أن انكشف الدور الإسرائيلي في التخطيط للحرب الإرهابية على سورية وإدارتها بتمويل سعودي قطري بهدف تدمير سورية وتقسيمها وإخراجها من خط المواجهة مع العدو. ولكن هل يمكن لمثل هذه الجريمة التي ذهب ضحيتها مئات الآلاف من الناس الأبرياء أن تمرّ كما مرت جرائم الحرب على العراق وإبادة مليون عراقي دون متابعة وملاحقة ومعاقبة لهؤلاء ومن كان وراءهم؟ أولا يجب إعادة فتح ملفات جرائم هؤلاء من مجزرة نهر قويق إلى الطفل عمران إلى كلّ ما ارتكبوه من جرائم وإيصال القضايا بحقّ هؤلاء ومن كان وراءهم إلى منتهاها؟.
والسؤال الآخر هو بماذا يختلف إنشاء منظمة إرهابية كالخوذ البيضاء عن إنشاء منظمة دولة الرايات السوداء؟، و بم تختلف جرائم هؤلاء عن أولئك؟ في الحقيقة هما وجهان لجريمة واحدة والدليل أن مشغليهم يقومون اليوم بإعادة تدويرهم وإرسالهم إلى مناطق أخرى من العالم ليمارسوا جرائمهم الإرهابية بقصد تحقيق أهداف سياسية أو اقتصادية أو سواها. إلى متى سيستمر إعلام الدول الغربية والكيانات التابعة لها إيهام العالم أنّ دولهم تحارب هؤلاء، ولكنّها غير قادرة على دحرهم؟. علّ الحقائق التي انكشفت اليوم في سورية عن إرهابيي الخوذ البيضاء والرايات السوداء أيضاً وحقيقة أنّهم مدعومون من التحالف، علّ هذه الحقائق مفيدة اليوم جداً في فهم ما يجري على الساحة اليمنية والجرائم التي ترتكب بحقّ الشعب اليمني. لأن ّالحرب على اليمن، كما كانت الحرب على سورية، هي حرب ممولة من دول السعودية والخليج وبسلاح أميركي وبريطاني وفرنسي، وكلّ المجازر التي ترتكب بحقّ الشعب اليمني ترتكب عن قصد وسابق إصرار بهدف تشغيل معامل السلاح الغربية، فالسعودية لوحدها تدفع 150 مليار دولار سنوياً لقاء الأسلحة الحربيّة الغربيّة، فإلى متى ستبقى وسائل الإعلام الغربية تقلب الحقائق رأساً على عقب في أذهان الناس؟، وإلى متى يبقى الناس الأبرياء ضحية تجّار السلاح والحروب؟.
إنّ ما يتمّ ارتكابه بحقّ الأبرياء في اليمن هو وصمة عار في جبين الغرب و ادعاءاته حول حقوق الإنسان. وإنّ التمويل السعودي الخليجي لهذه الحرب بمئات مليارات الدولارات جريمة مضاعفة بحقّ شعب اليمن وبحقّ شعوب السعودية والخليج أيضاً والذين تستنزف ثرواتهم لقتل شعب شقيق وإبقاء معامل السلاح في الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا رابحة.
إذا ما أخذنا كلّ هذه الحقائق بعين الاعتبار، فإنّنا ندرك أنّنا أمام لحظة حرجة من تاريخنا العربي المعاصر لأن الحرب على سورية قد تمّ تمويلها من قبل دول عربيّة سعودية وخليجية والحرب على اليمن تستنزف مئة وخمسين مليار دولار سنوياً من أموال السعودية لوحدها، وها هي اليوم في عامها الرابع ناهيك عن الجرائم المرعبة التي ترتكب بحقّ شعب اليمن الشقيق وتاريخه وحضارته وأطفاله ومستقبل أجياله. هذه حقيقة مرعبة بالفعل أن النفط العربيّ والمال العربيّ والثروات العربيّة تستخدم حصراً لقتل العرب وتدمير تاريخهم وهويتهم ولغتهم وارتكاب أبشع الجرائم بحقّ أهلهم الأبرياء. أما الواجهات التي يتم استخدامها من أجل إشعال نار هذه الحروب فتختلف في التسمية والمظهر من بلد إلى آخر ولا تنطلي على أحد، ولكنّها في حقيقتها مؤامرة واحدة يجمعها حقد أعمى على العرب والحضارة العربيّة وتصميم على نهب ثرواتهم وإبادة الملايين من العرب وتدمير مؤسساتهم في أقطارهم المختلفة ودحرهم إلى خارج التاريخ. أدوات هذه الحروب أدوات غربية تلبس هذه المرة لبوس إسلاميين تكفيريين أو أصحاب رايات سوداء أو خوذ بيضاء ولكنّهم جميعاً نتاج العقل الاستخباراتي الصهيوني والأمريكي ونتاج مخططات تستهدف تصفية القضية الفلسطينية وتمزيقاً خطيراً لصفوف العرب جميعاً وتستهدف أولاً واخيراً استنزاف ثروات السعودية والخليج والعرب عموماً بحيث تجد الدول التي تموّل هذه الحروب نفسها بعد عشر سنوات في موقع مشابه للدول التي وقعت عليها هذه الحروب، وبما أنهم جميعاً من العرب فما هي المشكلة بالنسبة لمن أوجد لهم أبشع أنواع الاستعمار الجديد على يد إرهاب مدمّر وأدوات سفك ومجازر ترتكب بحقّهم. هل يمكن أن يكون الدرس الذي انكشف في العراق وليبيا ومن ثمّ في سورية عبرة للآخرين؟ وهل يمكن بعد كلّ ما تبين جليّاً من الحقائق أن يخجل البعض من ترديد أكاذيبهم وأوهامهم حول الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان؟ وهل يمكن أن نفهم اليوم قبل الغد ما يجري فعلاً في اليمن بناء على الدروس المستفادة ممن أضرموا نار الحرب على الشعب العربيّ في ليبيا والعراق وسورية؟