حسمت حدود الجولان فما هو حال «إسرائيل»؟: ناصر قنديل
– أعلن نهائياً تصفية آخر جيوب تنظيم داعش في جنوب سورية، وتمركز الجيش العربي السوري على حدود الجولان المحتل، وانتشر مراقبو الأندوف في مواقعهم التي كانوا فيها عام 2011. وسيّرت الشرطة العسكرية الروسية دورياتها على الحدود مع الجولان والحدود مع الأردن، من دون أن تعلن سورية موقفاً من مصير اتفاق فك الاشتباك من جهة، ومن دون أن تحقق حكومة بنيامين نتنياهو ما سبق وجهدت مع الإدارة الأميركية لنيله لجهة مستقبل وجود إيران وحزب الله في سورية، لكن وزير حرب كيان الاحتلال يخرج ويقول إن «إسرائيل» ستكون مرتاحة لعودة الأمور على حدود الجولان كما كانت عام 2011، وإن الدولة السورية ستضمن الهدوء على الحدود بأفضل مما كان عليه الوضع من قبل، وخرج محلّلون وإعلاميون تابعون للسعودية وكانوا يمضون الليل والنهار بالدعاء والتمنيات لسقوط الدولة السورية ورئيسها وجيشها، وبنجاح رهاناتهم على ضربات عسكرية أميركية إسرائيلية لنصرة مسلحي تنظيم القاعدة في حلب والغوطة وجنوب سورية، ليقولوا إن «إسرائيل» خرجت منتصرة، وإنها مرتاحة لانتصار الدولة السورية ورئيسها وجيشها .
– عام 2017 كتب المحلل الإسرائيلي الاستراتيجي بين كاسبيت حصيلة تداول تمّ في ورشة عمل فكرية استراتيجية للباحثين والمحللين الإسرائيليين بعد خسارة الجماعات المسلحة لمعركة حلب في محاولة استقراء مستقبل سورية ورسم رؤية استراتيجية جديدة للتعامل مع المتغيّرات، فقال في موقع المونيتور الشهير، إن «إسرائيل» هزمت وخسرت الرهان وخسرت الفرصة، ونقل كاسبيت عن مصدر أمني إسرائيلي اعترافه بأنه «حان الوقت لتعترف «إسرائيل» بأنها أخفقت في تقييم الاوضاع السورية، ففيما كان اعتقاد تل أبيب قبل 5 سنوات أن سورية لن تعود إلى ما كانت عليه، أصبح من الواضح اليوم أن سورية ستعود حتى أن التطورات تشير إلى قرب إعلان فوز الأسد، ليتبع هذه الخطوة إعادة بناء سورية وإعمارها قريباً». وأكّد كاسبيت أنّ «المحللين العسكريين والاستخباريين الإسرائيليين يجمعون على ندمهم بسبب الفرص التي فوّتوها والتي كان من شأنها توجيه ضربة قاضية لسورية ورئيسها خلال اللحظات الحاسمة، حيث كانت تدور المعارك في محيط القصر الرئاسي أو حينما تمّ إنشاء شريط أمني في الأراضي المقابلة للجولان المحتل، ورجّح محلل الشؤون الإسرائيلية أنّه بعد انتهاء الحرب ستولد سورية جديدة خطرها يفوق التي سبقتها. وهذه القوّة بحسب هذا المصدر الأمني تستمدها الدولة السورية من ارتباطها بالعراق وبإيران، المرتبطين أساساً بحزب الله».
– هذا هو تقدير الموقف الذي تعتمده «إسرائيل» منذ ذلك الوقت، وتبني عليه سياساتها واستعداداتها لما هو آتٍ، ولذلك كان قرارها السعي للحصول على ثمن قال مسؤولوها، إنه سيكون إعلامياً فقط، إذا توصلت لتعهد روسي بانسحاب إيران وحزب الله، لأن العلاقة السورية بالطرفين عميقة، وأعمق من الانتشار العسكري وحدوده، لكنه سيمنحها مخرجاً لائقاً للهزيمة. وحاولت «إسرائيل» طيلة الفترة الفاصلة بين تحرير حلب، واللحظة التي سيبلغ فيها الجيش السوري حدود الجولان، أن تفرض قواعد اشتباك تساعدها على مواجهة تحديات ما بعد الانتصار الحاسم للدولة السورية، وكانت حرب الإرادات بينها وبين سورية ومعها حلفاؤها، وفرضت سورية حرمة أجوائها على الطيران الإسرائيلي قبل عام، ثم فرضت قواعد اشتباك عنوانها أن لا عدوان يمر دون ردّ، بما في ذلك الرد في العمق كليلة الصواريخ الطويلة في الجولان، والتي رافقتها حرب استخبارات تجسّدت بالرسائل المتبادلة عبر الوسيط الروسي، وصولاً لوقف النار بعد الرسالة السورية الأخيرة، وقد تضمّن إنذاراً بقصف منشآت إستراتيجية في عمق الكيان إذا استهدفت مواقع سيادية في العاصمة دمشق.
– محاولات تحويل الهزيمة نصراً اليوم، تشبه ما جرى عام 2000 عندما خرجت «إسرائيل» تقول إن تحرير الجنوب اللبناني ليس نصراً للمقاومة بل تطبيق إسرائيلي للقرار الأممي الصادر قبل ثمانية عشر عاماً بقيت خلالها «إسرائيل» تتجاهله وتسعى لبناء حزام أمني من جماعات العملاء في داخل الأراضي اللبنانية. وهي اليوم في وضع مشابه تتذكر اتفاق فك الاشتباك الذي داست عليه لسنوات أملاً بنجاح مشروع تقسيم سورية وتقاسمها، ونيل حصة منها تحت عنوان حزام أمني، لم يحرجها القول إنها تأتمن تنظيم القاعدة على حراسته، لكن الوضع لن يعود إلى ما كان عليه عام 2011 كما لم يعد في جنوب لبنان إلى ما كان عليه عام 1982. ففي الحالين نشأت مع الحرب معادلات ستحكم ما بعدها. وهذا معنى القلق الإسرائيلي من ربط الإعلان عن العودة لفك الاشتباك بتطبيق القرارات الأممية بالانسحاب الإسرائيلي من الجولان، والقلق من القدرات العسكرية الصاعدة للجيش السوري ودفاعاته الجوية، والقلق الإسرائيلي من حجم التكامل العسكري والاستراتيجي بين الجيش السوري وسائر قوى محور المقاومة.
– الأكيد أن نصر سورية سيترك ترددات كثيرة على الوضع الجيواستراتيجي في المنطقة، وأن أول المتأثرين به هو «إسرائيل»، وأن نصر سورية نصر جامع لقوى محور المقاومة، والأكيد أن المشاغبة الإعلامية لا تحول الهزيمة انتصاراً، وللعرب خبرة طويلة في هذا المجال.